الشباب أمل التغيير

Cover Image for الشباب أمل التغيير
نشر بتاريخ

يخيم على الشعور والفكر والواقع المعيش ظلمات اليأس والخيبة والفشل والهروب من المواجهة. وقد يجد المطلع نصوصا يستوحي منها فهما مستقيلا من الحركة نحو غد أفضل يجعلها تُكأة ومنسأة لعُشْوَتِه (ظلمته وحيرته)، مثل حديث: “خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ” 1. وحديث: “لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ” 2. فيتصور أن قَدَر الأمة على سكة انحدار إلى قيام الساعة.

بينما نجد في الوحي بشارات للأمة كثيرة ووعودا غير مكذوبة. قال الله عز وجل: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) [غافر]. وقال سبحانه: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) [الصافات].

وقال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “مثَلُ أُمَّتي مثَلُ المطَرِ؛ لا يُدْرَى أوَّلُه خيرٌ أمْ آخِرُه” 3.

ونجد الجمع بين الأمْرين في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأموركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها” [قال الترمذي حديث غريب].

وقد يثبت في ذهن المسلم المغلوب، الشطرُ الثاني من الحديث لِما يرى في زمانه أن أمراءنا شرارنا، وأغنياءنا بخلاؤنا وأمورنا إلى نسائنا، فيرفع يديه إلى السماء: “اللهم اقبضني إليك غير فاتن ولا مفتون”!.

بينما نجد الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله يرفع الهمة ويشحذ العزم للنهوض من أجل قلب الوضع المختل ورده إلى نصابه، وتركيبه على صوابه.

قَلْبُ الوضع من “بطن الأرض خير من ظهرها” إلى “ظهر الأرض خير من بطنها” هو المشروع التغييري الذي جاء به الإمام ليتجدد للأمة دينها على منهاج النبوة.

أسوق لكم فقرة من كتاب “إمامة الأمة” تحت عنوان “تعبئة المستضعفين”، يقول الإمام رحمه الله: “لِطول ما عانت الأمة من تعسفٍ واستبدادٍ فَقَدَتْ حِسَّ المبادرة، وفقدت القدرة على الاستقلال بالفكر والتدبير. جماهيرُ مهزومة أمامَ الفقر والجهل والمرض، أمامَ هَمّ السَّكَنِ، أمامَ الخوف من الحاكم، أمامَ عادةِ الخمول المُتَجذِّرةِ، الموروثة. جماهيرُ عُرْضَةٌ لتأثير الخرافات، والدعايات، والمنافسات التافهة. جماهيرُ حَوَّلتها حضارةُ الاستهلاك – التي اتَّخذَتْنا سوقا – إلى عَجَزَةٍ عالةٍ على ما يُنتِج الأجانبُ، وما يُفكرون، وما يَسْمَحُون. تَرَدَّيْنَا إلى ما يُشبه حالةَ الحيوان الداجِنِ يَعْلِفُونَهُ أو يُجيعونه، يَضربُونَهُ أو يَنخَسُونه، لا يَملك لنفسه إلا الشَّكْوَى المكبوتة، ويُسَمِّي – لتبَلُّده – هذا الخنوعَ صبرا.

طيورٌ في قفص، قاصرون في حِجْر الوِصاية المستبدة، راضون بكل خَسْفٍ وضَيْم، منصرفون عن الرجولة: هؤلاء إلى الترف المُردِي، وأولئِك إلى الهَم المُقيمِ، والبؤسِ السقيم”.

هذه الصورة القاتمة هي وصف خبير لحال الأمة، ورغم كل هذا فإن الخبير لا يشك قيد أنملة في وعد الله ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الأمة ستستعيد عزتها بعد ذلة، وستقود الإنسانية بعد أن عاشت متعثرة في ذيل القافلة دهرا طويلا.

 ذلكم أن الإمام بعد سرد الواقع الأليم المقيم يستطرد موقنا فيقول: “من هذا الغثاء يأذَنُ الله سبحانه وتعالى أن تنبعث أمَّةُ الخلافة الموعودة. من تلكم الأنْفُسِ المُنهَزِمة وَعَدَ الله ورسوله أن تتخلّق أسْدُ العرين، وحماة الدين”.

دعا الإمام الأمة إلى النهوض لاستقبال الخلافة الموعودة بقوة الساعد، ووضوح الطريق الصاعد، وقوة اليقين والقلب النابض، فهُرِعت إليه وفود من الشباب متوثبة متحفزة مُصَدِّقة عسى أن ينزل الله قدره ووعده على أيديهم.

أقبل عليهم المرشد رحمه الله بكُلّيته، تَوَسَّم فيهم الخير فصبر معهم وصبر على تربيتهم، وأخذ بأيديهم حتى إذا بلغوا مبلغ الرجال حَمَّلهم الأمانة؛ أمانة الوحي وأمانة الأمة وأمانة السعي بكل جهد على تنزيل الموعود فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23]. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص: 68].

رحم الله الإمام فقد نصح فأبلغ، ودعا فبلّغ، وربى جيل الخلافة، حَرَكةً قائمة وقلوبا مؤلَّفة، تريد وجه الله، تتقن العمل، وتحسن إلى الخلق، تقربا إلى ربها.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1] رواه البخاري عن عمران بن الحصين رضي الله عنه.
[2] رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
[3] رواه الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه.