الشباب بين الإقصاء ورهانات الإدماج والبناء (1)

Cover Image for الشباب بين الإقصاء ورهانات الإدماج والبناء (1)
نشر بتاريخ

مقدمة

الشباب عماد الأمة وسندها ومنتهى حاجاتها ومبتغاها. الإنسان خليفة الله في أرضه ومحور التغيير والفاعل الأول في تلك العملية. كل مجهود بذلته الدولة لصناعة ذلك الإنسان فهو يعود عليها بالنفع العميم، والاستقرار، ويجعلها شامة بين الأمم.

نجحت بعض الأمم بفضل شبابها حين تهممت بشؤونه وأهمها ما أهمه وما اهتم له، بينما فقد غيرها البوصلة، فولت شبابها إلى الظل، بحجة أنهم عديمو أو ناقصو الخبرة، وبعيدون عن الحكمة والإرادة وحسن التدبير. فكانت النتيجة إقصاء هؤلاء الشباب مما جعلهم يفقدون الثقة وييأسون من تغيير واقعهم المرير، فاختاروا طرقا ثلاثا: الهجرة إلى مصير مجهول، العدمية والسلبية، وأخيرا تعاطي السموم بشتى أنواعها.

أولا: توصيف واقع مرير

ورد في التقرير السنوي لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE أن معدل البطالة بين الشباب بالمغرب بلغت 30.3%، وهو واحد من أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

ويشير التقرير أن 26.6% من الشباب المغربي يصنفون في فئة NEET (لا يعملون، ولا يتعلمون، ولا يخضعون لأي تدريب)، وهو معدل من بين أعلى المعدلات في المنطقة.

وقد قام برنامج أوراش بخلق 250 ألف وظيفة مؤقتة منذ اطلاقه، لكنه غير كاف مقارنة مع 1,1مليون شاب يبحثون عن عمل، ولم تستطع الوكالة الوطنية للترويج للتشغيل والكفاءات ANAPEC إلا تغطية 10% من الشباب العاطلين عن العمل، وهو معدل منخفض بالمقارنة مع بلدان أخرى.

واقع من شأنه أن تنتج عنه تداعيات اجتماعية واقتصادية وسلوكية وصحة نفسية متدهورة للشباب؛ الذي ينشغل بالإدمان على المخدرات أو الألعاب الإلكترونية أو الرهان. وهو ما أكده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حيث أشار في تقرير 1. حديث قامت به اللجنة المكلفة بالقضايا الاجتماعية، صادقت عليه في 29 دجنبر 2021، إلى أن ظاهرة الإدمان متفشية ومتعددة الأشكال. وتدعو المؤشرات التي جاءت في هذا التقرير إلى القلق البالغ؛ بحيث يقدر حجم تعاطي المواد ذات التأثير النفسي والعقلي بـ4,1% من عدد المستجوبين في إحدى الدراسات، ويناهز الاستهلاك المفرط للمخدرات والإدمان عليها 3%، كما يقدر الإفراط في استهلاك الكحول بـ2% والإدمان عليها بـ1,4%، ويقدر عدد الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن بـ18,500 شخص، مع تسجيل معدل انتشار مرتفع في صفوف الأشخاص المصابين بالالتهاب الكبدي C؛ 57%، وكذا بداء فقدان المناعة المكتسبة بـ11,4%. ويوجد بالمغرب زهاء 6 ملايين من المدخنين، منهم نصف مليون من القاصرين دون سن الثامنة عشر.

وبحسب آخر البحوث التي أنجزها القطاع الحكومي المكلف بالصحة حول هذا الموضوع خلال اثني عشر شهرا سبقت بحث اللجنة حول متوسط استهلاك الكحول والمخدرات الأخرى في الوسط المدرسي (2)؛ فإن تعاطي المؤثرات العقلية في صفوف المراهقين المتمدرسين لا يقل خطورة، حيث يبلغ معدل انتشار تعاطي التبغ 9%، كما أن 7,9% من التلاميذ المتراوحة أعمارهم بين 13و17 سنة هم مدخنون، علما أن 63,3% منهم بدأوا التدخين قبل بلوغ 14سنة، وصرح 9% من المستجوبين أنهم استهلكوا القنب الهندي مرة واحدة على الأقل في حياتهم 64%، بدأوا استهلاكها قبل بلوغ سن 14 سنة، وأفاد 13,3% من المستجوبين أنهم جربوا استهلاك الكحول، بينما صرح 5% منهم أنه سبق لهم استهلاك المؤثرات العقلية، كما أن 1,4% منهم سبق لهم استهلاك الكوكايين.

من جهة أخرى بدأ الاستخدام الإدماني للشاشات وألعاب الفيديو والإنترنت يتنامى في المغرب، رغم أن هذه الإشكالات لا تحظى بالاهتمام اللائق حاليا. وقد بينت دراسة وبائية أجراها مكتب دراسات خاص سنة 2020 على عينة من المراهقين تتراوح أعمارهم بين 13 و19 سنة بالدار البيضاء، أن 40% يستخدمون الإنترنت بشكل يخلق لهم العديد من الإشكالات، وأن حوالي 8% يوجدون في وضعية إدمان.

أكتفي بهذا القدر الذي شاب له رأسي فزعا وقلقا على مستقبل شباب وطننا ودعامته وتاج رأسه.

كثير من التوصيات سطرها المجلس، ولكن الواقع مازال يؤكد أن الظاهرة منتشرة، إن لم تكن بسبب البطالة تكون بسبب ضعف اليقظة الأسرية، وهناك شباب يعتبرها عادة يستجلب بها لذته ومتعته.. نخلص في النهاية إلى عدم كفاية المجهودات المبذولة، لأنها في نهاية المطاف تُهدم بعدم معالجة الأسباب الحقيقية والوقوف على مكمن الداء.

“هذه الشبيبة العاطلة تتعاطى أنواعا من المخدرات وترتمي بين براثنها هربا من المجتمع الذي يتجهمها، وتفر من ظل مستقبل معتم، فهي اليوم تطالب بحقها في الشغل وبمكانتها في الوجود” 2.

يجب أن تكون التقارير والاستبيانات التي تقدم من طرف المختصين في مؤسسة الدولة قاعدة لاتخاذ القرارات لتحسين النظام التعليمي، وتعزيز المشاركة السياسية لدى الشباب، والمشاركة الاجتماعية، وتشجيع العمل التطوعي، وتعزيز مكانة الأسرة في المجتمع، ثم إعداد مشاريع وبرامج ومقترحات في الإشكالات المطروحة بفتح حوار مع فئة الشباب، وتوسيع المشاركة الدولية لإكساب الشباب التجربة والخبرة والممارسة الفعلية لصناعة القرار.  

حاجيات الإدماج

أولا: دعامة التعليم الجيد

التعليم مخ وعصب الدولة، وقلب نابض لحياتها يمتد وجودها به إلى ما بعد الموت. فهو أمنها وأمانها، وبصرها الذي تبصر به، وسمعها الذي تسمع به، ورجلها التي تمشي بها بين الأمم شامخة.

اتفق تقريبا علماء التربية على ضرورة وجود أركان لابد منها وهي: المعلم، والمنهج، والإدارة، والطالب. ومنهم من اعتبر البيئة المناسبة ركنا مهما لخلق الذوق الرفيع لدى المتعلم. ثم أخيرا علم الكمبيوتر واللغة الأم.

التعليم أداة أساسية من أدوات التربية وبناء الشخصية، يقوم التعليم الجيد على تدريب الشباب على مجموعة من المعارف والمهارات تخلق عندهم الإبداع، وتوسع مدارك عقولهم ليختاروا الأجود ولا يكونون إمعة، ويكونون قادرين على الابتكار والتفكير النقدي الذي ينمي البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة. إضافة إلى أن الشباب يتعلمون كيف يواجهون الحياة ويستثمرون في علوم التدبير، والتخطيط، ويبنون علاقات صحية دائمة.

ولكي تستثمر الدولة في شبابها مستقبلا، لابد أن تحرص على حاجياته التي تستمدها من واقعه لا من واقع غيره، وأقصد هنا المناهج التعليمية التي تقوم الدولة بإسقاطها على المنظومة التعليمية جملة وتفصيلا دون مراعاة الزمان والمكان، ولا اللغة والعادات والهوية الإسلامية. كما على الدولة تعميم التعليم لفئات الشباب بغض النظر عن وضعيته الاقتصادية أو الاجتماعية.

ولمن أراد الاطلاع على مجموعة مقترحات جيدة أن يرجع إلى الوثيقة السياسية لجماعة العدل والاحسان في مجال التربية والتعليم.

“هدف التعليم المرجو بناء القاعدة العلمية التقنية البحثية العملية التطبيقية للعمران الأخوي” 3.

تكريس أزمة التعليم وإفراغه من روحه زمنا طويلا، تلزمنا بضرورة وضع خطة استراتيجية متميزة عن سابقاتها لتكلل العملية بنجاح.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “نظام التربية والتعليم هو العمود الفقري للدولة، وإعادة ترتيب هذا الجهاز ضرورة الضرورات في حياة الأمة. يجب إنشاؤه إنشاء جديدا، وصياغة قنواته، وسد منابع الفساد المحلقة فيه لإعداد أجيال العقيدة والعدل والفطرة، مسلحة بالمعارف العلمية التطبيقية” 4.

التعليم من المنظور المنهاجي

لا يمكن الفصل بين التربية والتعليم في المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله رحمة واسعة، فالتربية مفتاح للتعليم، والتعليم مفتاح لتغيير ما بالأمة من هوان وعبث. تجتمع التربية والتعليم لتصحيح الوجهة لدى شبابنا إلى المعنى الحقيقي لوجودهم ومن هم وإلى أين هم راحلون. تعليم لثوابت الإيمان الحق، كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم حين كان يجلس إلى الصحابة أول ما جالسهم ليعلمهم ثوابت الإيمان والتزكية، قبل تعليمهم خطة عسكرية تدافعية مع قريش.

تحررت أنفسهم من ربقة كل استعباد إلا العبودية لله عز وجل، فتحررت إراداتهم وعلت هممهم وتربت نفوسهم على العزة والرجولة والكرامة والصمود في وجه المحن. وهذا هو الهدف من التعليم الذي يحرر الأشخاص ليحرروا بدورهم الأمة جمعاء. فموضوع التعليم كتب فيه الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله رحمة واسعة صفحات بالغة العدد، ولن أستطيع مع طبيعة الموضوع سرد كل ما تحدث عنه، إنما أركز على ما يخدم هذا الموضوع؛ فالتعليم المنشود يجب أن يكون مستقلا عن الإملاءات السياسية لكونه جهازا مستقلا، له مداخيله وميزانيته، وطاقمه التربوي المشرف، ومناهجه التي يجب أن لاتستورد من جهة لا تحترم هويتنا وديننا الإسلامي. بالرأي وكفاءات الوطن يجب التخطيط والتعاون لإيجاد نماذج تتناسب مع حاجيات المتعلمين وتربطهم بواقعهم، وبهويتهم، وجذورهم الإنسانية.

“لاريب أن تحويل التعليم من هيمنة الدولة، ومن لامسوؤلية الإنسان إلى تعليم يتكلف به ويرعاه التطوع، والمسجد، والمدرسة الحرة، والجامعة، والمعهد، عملية لا تتم بجملة عام أو عامين، بل ولا عقد أو عقدين، وإنما هي عملية بطيئة تصحب التغيير الإسلامي العام” 5.

والتعليم مقرون بالتدريب على المهارات التي يحتاجها المتعلم الطالب لمواجهة مواقف الحياة من استعمال ملكة العقل وإبداء للرأي بحرية وأدب.

ولا يجب أن تهين الدولة كرامة المعلم الإنسان حينما يطالب بحقوقه حتى لا يفقد الطالب القدوة وتنهار قيمه التي تعلمها من معلمه، وبالتالي يستهين بالعلماء وبقدرهم داخل المنظومة التعليمية والمجتمعية.

خلاصة: التعليم المنهاجي الذي يبني شباب اليوم وغدا تعليم متكامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والأسرية والبيئية، مستقل عن الدولة والمحسوبية والإملاءات الخارجية التي لن يشرفها نهائياً أن تستقل بتعليمنا لأن فيه قوتنا وعزتنا وكرامتنا وصناعة التغيير للأمة جمعاء. وحري بمؤسساتنا المسؤولة الوقوف بكل صبر وتؤدة على هذه المعضلة التي كان من نتائجها ذلك الهمل الوارد في التقرير أعلاه. “نركز على التربية والتعليم والصيانة عن رياح الفتنة حتى يرتاش الجناح، ويشتد العضد، وينهض اليافع في الدين مكانه ومكانته في الصف.

ثم بعد ذلك نسأل عن هيكلة أحزاب إسلامية ونقابات وجمعيات ومؤسسات متعددة متعاونة ترمقها عين الرقيب فتوحد جهودها، وتهددها عواصف الثقافة العالمية المادية وقوارصها، فتعلمها كيف تتصدى بإسلامها وإيمانها مهما كانت أساليبها في التربية متنوعة” 6.


[1] التقرير السنوي لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، 9 دجنبر 2021.
[2] ياسين عبد السلام، مذكرة إلى من يهمه الأمر، ص 6 ط1 _2000.
[3] ياسين عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيون، ص 178 ط4 2018.
[4] ياسين عبد السلام، العدل – الاسلاميون والحكم، ص521 ط3 2018.
[5] ياسين عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيون، ص151 ط4 2018.
[6] ياسين عبد السلام، نفسه، ص 126 ط4 2018.