يعد الشباب عماد الأمة ومستقبلها الواعد، والقوة الحية المحركة للأمة التي يعول عليها في النهوض بها وبناء مستقبلها. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “عقبات أمامكم كثيرة، أولها وأكثرها شراهة لالتهام قلوبكم هي ما تعانيه الأمة في المغرب وغير المغرب من فقر وهزيمة 1. وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب خيرا حيث قال عليه الصلاة والسلام في حديث رواه البخاري: ” أوصيكم بالشباب خيرا، فإنهم أرق أفئدة، لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة.. فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ”. فبالشباب تبنى المجتمعات وتتقدم الحضارات، فهم في مرحلة من العمر تجمع بين الإبداع والبناء. وقد اهتم الإسلام بالشباب وأولاهم عناية خاصة، حيث كان لهم الدور الأكبر في نشر الرسالة الإسلامية و تحقيق التربية الإيمانية، وبث القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة، ومن أهم خصال الشباب نجد الفتوة، النماء، والعطاء.
1- الشباب فتوة: شجاعة وإقدام
يقول الإمام رحمه الله: ” نقصد بالفتوة كرم النفس الذي يدفع المؤمن للاستعلاء على الطاغوت، فيكسر الأصنام، ويبذل روحه في سبيل الله. ونقصد بها إلى جانب هذا الرفق مع المؤمنين، وخدمتهم، وتوطئة الكنف لهم” 2. الفتوة شجاعة في غير تهور، فالفتى الشجاع هو الذي يسخر قوته لنصرة الحق وإغاثة المساكين والمحتاجين دون غطرسة أو تجبر. وكلمة فتى مصطلح قرآني، قال الإمام عبد السلام ياسين: ” كلمة فتى وردت في القرآن ست مرات مذكرة ومؤنثة ومفردة وجمعا. وصف إبراهيم عليه وعلى نبينا وجميع الأنبياء أفضل الصلاة والسلام بأنه فتى ووصف بها أصحاب الكهف. فهي كلمة تدل على الشجاعة في الحق، شجاعة نبي الله الذي كسر الأصنام، وشجاعة الفتية المؤمنين الذي قاطعوا الكفر وهاجروا إلى الله. كما وصف بالفتوة في سائر الآيات أهل الخدمة، وأشرفهم فتى موسى يوشع عليهما السلام” 3. وتتجلى معاني الفتوة أيضا في صحابة رسول ﷺ على رأسهم سيدنا علي كرَّم الله وجهه لما نام في فراش النبي ﷺ، متحليا بشجاعة الإيمان والتضحية.
كما أن الفتوة عفة وطهارة وأخلاق، وهي الجمع بين الاستعلاء على الباطل والظلم، وبين اللين والرفق وتوطئة الكنف للمؤمنين، يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَددْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ[سورة المائدة: الآية؛ 54]. وقد تجلى هذا المفهوم في قصة سيدنا يوسف عليه السلام لما رفض فتنة امرأة العزيز وقال: قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّٰلِمُون[سورة يوسف: الآية؛ 23]، ليكون رمزا للفتوة الطاهرة. ونجد في عصرنا شبابا أبطالا رمزا للفتوة في غزة العزة الذين يقدمون أرواحهم في سبيل الدفاع عن أرضهم وعن المسلمين ومقدساتهم، يقاومون الاحتلال بكل شجاعة، ليس بالسلاح فحسب، بل بالثبات على قيمهم وأخلاقهم، محافظين على عفتهم، يمثلون ديننا بأفضل القيم والأخلاق والثبات والصمود في فترة زمنية صعبة ليصبحوا قدوة في الاستقامة والطهارة.
يقول الأستاذ محمد العبادي حفظه الله: ” الفتوة ليست مرحلة عمرية تنتهي إنما هي جمع خصال الخير ومكارم الأخلاق” 4.
2- الشباب نماء: علم ووعي وبناء
النماء هو زيادة مستمرة وربح وفائدة، وهو استعداد للبناء والتربية الإيمانية، ونهل مستمر من المعرفة والفهم، وهو ترقٍّ روحي وفكري وسلوكي يهدف لتحقيق التوازن والنجاح في الدنيا والآخرة. حيث الشاب الحق هو من يسعى لتنمية مهاراته ومواهبه ليكون فردا فعالا في مجتمعه. يقول الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ[سورة الزمر، الآية: 9]. لقد كان سيدنا محمد ﷺ ينمي أصحابه بالعلم والتربية الإيمانية، فنرى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- شابا تعلم علوم الدين وأصبح فقيها بارزا بين الصحابة. يقول الإمام المرشد رحمه الله: ” أنتم معشر الطلبة المسلمين والطالبات المسلمات مادة الفتوة وقوة الاقتحام. فتسلحوا بالتحصيل العلمي وتحصنوا بعقيدة التوحيد، وتجندوا للدعوة كيلا تسرق منكم الأيدي الآثمة المتآمرة المطبّعة أجيالا غضة يريدون سَوقها لدار الهوان. كونوا بعيدي النظر، لا تستنزفوا قواكم، ولا تضعفوا فتوتكم في عنف رافض وحوار غامض. انظروا بعيدا فسوف يأتي يوم قريب إن شاء الله تتجلى فيه أوهام حاكها كَذِبُ الحُكَّامِ على رقاب المسلمين، وموّهت بها على الأمة قصائِدُ المدّاحين، ليظْهَرَ الوجهُ الكالحُ البشِعُ للفئة المستكبرة المتمالئة، فئة أقزام الفكر، فئة الخفافيش المعششة في الظلام” 5. ولنا في شباب غـ.ـزة العزة القدوة الحسنة يبنون أنفسهم بالعلم والمعرفة رغم الظروف الصعبة، ليكونوا نماذج في قوة الاقتحام والتطور والبناء.
3- الشباب عطاء: جـهاد وتضحية وخدمة للأمة
ومن خصال الشباب العطاء، بما هو حملٌ للمسؤولية، وتحمل الفداء والجــ.ـهاد. وتخلص من الأنانية، والكسل والسلبية، وهم الانفتاح على الآخرين بروح التضحية والتعاون، فالشباب المعطاء هم من يسخرون وقتهم وجهدهم في خدمة الآخرين. قال تعالى: وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون[سورة التوبة، الآية: 105].
و نرى في الجيل الفريد من صحابة رسول ﷺ مواقف عديدة في الجـهاد و التضحية و العطاء، منهم سيدنا مصعب بن عمير رضي الله عنه الذي ضحى بمكانته وثروته ليصبح أول سفير للإسلام في المدينة، كما قدم الأنصار أروع الأمثلة في العطاء عندما تقاسموا أموالهم وبيوتهم مع المهاجرين رضوان الله عليهم أجمعين، ولا ننسى شباب الجـهاد و التضحية والعطاء في غـزة العزة، يمدون أيديهم للعون، متجردين من الأنانية ومسلحين بالهمة والإيثار.
خاتمة
إن الشباب بما يحملون من فتوة وقوة وعطاء، لا بد لهم من تربية إيمانية، والتي تعد أساس بناء شخصية الشاب المؤمن، فالفتوة لا تظهر في القوة البدنية أو المظهر الاجتماعي، بل في قوة الإيمان التي تتجسد في العمل الصالح، وفي السعي الدائم لخدمة الأمة. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “التربية الإيمانية عملية على نجاحها يتوقف ميلاد المسلم إلى عالم الإيمان، ثم نشوؤه فيه وتمكنه ورجولته، ولا جـ.ـهاد بلا تربية، ولا يكون التنظيم إسلاميا إن لم تكن التربية إيمانية” 6. ومن خلال هذه التربية، يستطيع الشباب أن يبنوا أمة قوية متماسكة، قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق الإصلاح الشامل.