يرى الإسلام في الشباب فتوة، أي عطاءً وقوةً وحكمة. وترى الأمة الإسلامية كل فرد من شبابها عنصرا مهما لا يعوض، كل من موقعه وبقدراته يشغل حيزا لا يمكن لأحد غيره أن يفعل. يفتل في نصرة الأمة بأعماله اليومية وبما يتقنه من علم.
حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تكوين الشباب، وتهيئتهم لحمل المسؤولية، فارتفعت راية الإسلام، وامتد في الأرض سلطانه، ونشرت في العالمين دعوته على يد عصبة من الشباب المؤمن الصابر المجاهد، خريج مدرسة النبي صلى الله عليه وسلم. عزفوا عن مغريات الدنيا وكان همهم الله عز وجل فاسترخصوا أرواحهم لأجله، وكانوا كما قال في حقهم الشاعر محمد إقبال:
كنا جبالا في الجبال وربما
سرنا على موج البحار بحارا
لم نخش طاغوتا يحاربنا ولو
نصب المنايا فوقنا أسوارا
ندعو جهارا لا إله سوى الذي
صنع الوجود وقدر الأقدارا
ورؤوسنا يا رب فوق أكفنا
نرجو ثوابك مغنما وجوارا
هذه العصبة من الشباب تراوحت أعمارهم بين العشر والثلاثين سنة، كانوا جميعا يتسابقون نحو الشهادة يحملهم الشوق إلى لقاء الله. ما أحوج الشباب المسلم اليوم إلى تشرب هذه المعاني كما تشربها الرعيل الأول، ما أحوج الأمة اليوم لأبنائها وبناتها يعيدونها لمرتبة الخيرية على باقي الأمم. فالشباب كان دوما روح التغيير وأساس البناء المتماسك الحيوي، ما استمسك بتربيته وارتقى بهمته. لكن منهم من تلقفته الأيدي الآثمة وغذته بالخواء والتشتيت والوهن، فأصبح خاملا جامدا مستعصيا على الفهم لا يعرف له حل. إذن، هي عقبات تحيط بالشباب تحشرهم في زاوية انتظار الفرج وتمنعهم من أداء دورهم القوي وسط الأمة الإسلامية والمساهمة في دفع عجلة تحريرها إلى الأمام.
نصف الدواء معرفة الداء، لذلك ينبغي الإحاطة بالعقبات التي تواجه الشباب المسلم. أول وأصعب عقبة أمام الشاب والشابة هي عقبة النفس التي فطرت على الخمول والراحة وحب اللهو؛ النفس ترضى بالقعود ولو كان فيه شقاؤها، وتأنف التغيير لأنه يتطلب جهدا ومكابدة. وتحالف النفس مع الشيطان يستوجب الحذر والحزم، فهُما صديقان لعدو واحد هو الإنسان.
ثم إن الأخطار المحدقة بالأمة المحمدية تطمع في هدم ما تركنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وتستهدف الشباب، بعدما خططت بدقة لتدمير أخلاقهم، وإفساد ضمائرهم، وتشتيت ذهنهم، ونشر الأفكار الخبيثة بينهم، وغيرها من الأهداف الشيطانية. أوهموهم أنهم في عمر اللهو واكتشاف الذات والاستمتاع بالوقت حيث لا توجد مسؤولية بيت أو أسرة، ففتح الباب على مصراعيه لملذات الدنيا وشهواتها، وأصبحت في صميم اهتمامات الكثيرين فارتبطت بها أهدافهم ومشاغلهم، وأصبح هم الأمة عند بعضهم غريبا عنهم. وسط هذا، يجد الذي فقه إلى هذه المخططات واحتاط منها نفسه في واقع بئيس تداعت فيه القيم وهمدت الهمم، ولا يُرى فيه إلا آفاق منسدة تنذر بضياع المسلمين في متاهات شتى.
لكن، في الشباب الإسلامي خير عظيم، ويحمل هم الأمة منهم من اطلع على مكر أعدائها، فتجده مندفعا مقتحما كل الميادين متسلحا بالإيمان والصبر والعلم، متمسكا بصحبة قوية تعينه على الاقتحام، فما فتئ يقتحم حتى ينقشع له ضوء الحرية والنصر. على الشباب أن يحذر من الآراء اليائسة القانطة، وأن يفطن – كما فطن غيره – إلى أن مهمة تغيير ما بالأمة لا حل لها إذا لم يغير كل فرد في الأمة ما به. على الشباب أن ينبري لصناعة التغيير الذي يعيد الأمة إلى أحضان الكتاب والسنة، قال تعالى في سورة الرعد: إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الآية 12)، إذن لا بد من التغيير الفردي الذي يفضي إلى التغيير الجماعي، والبداية منك أيها الشاب، ومنك أيتها الشابة!
في معرض حديثه عن الشباب، يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “الشباب المؤمن هم الحل لأزمة الشباب إن أصبح كل منهم يحمل بدل أن يبقى محمولا” 1. الأمة في مسيس الحاجة لمن يخرجها من البؤس الذي تعيش فيه والظلم الذي يمارس عليها والذلة المضروبة عليها، لذلك تأتي ضرورة تعبئة جهود أبنائها وبناتها من الشباب وتوحيد طاقاتهم وكفاءاتهم – بعد إزالة الغطاء عنها – ليشمروا عن سواعد العطاء في كل الميادين. كل هذا في سبيل الله أولا، فلا يكون اقتحام العقبة إلا إليه اتباعا لنبيه صلى الله عليه وسلم.
اقتحام العقبة نداء إلهي يهيب بالإنسان المؤمن لمكابدة ما يرديه عن القيام بدوره في الأرض خلافة وإعمارا. والأمة تهيب بأبنائها وبناتها ليقتحموا العقبات، فرادى وجماعات، لتحقيق ما للأمة من غايات. اقتحام العقبة مفهوم قرآني ورد في سورة البلد، ونستخلص من الآيات الكريمة في هذه السورة أن الله سبحانه قد خلق الإنسان في تعب ونصب لما تتطلبه فتن الدنيا المستمرة من المكابدة، وقد أودع الله في قلب الإنسان وعقله وفطرته وجسمه ما يحتاجه للنجاح في ما يعترضه في الحياة.
لاقتحام العقبات يحتاج الشباب لدليل يأخذ بأيديهم. يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله: “الشباب الإسلامي مرن مطواع للحق” 2. الشباب أطوع لكلمة الحق الصادقة الصادحة من أهل الربانية. قال تعالى: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (سورة الكهف: 13)، فهو إذن إيمان وتربية وصحبة. فلا يتحقق معنى الاقتحام إلا بالإيمان بالله وإن كثُر العمل الصالح. بالإيمان يستصغر المرء الشدائد المهولة وسائر عقبات الطريق. والإيمان يحتاج لتربية تربي عليه وتزكي نفوس الشباب وتنجيها من دسائسها. والتربية تحتاج لمن يثبت غراسها وهي الصحبة الصالحة، صحبة ذوي الهمم العالية والإرادات الصادقة تغذي قلب الشاب والشابة، بالصحبة ترتفع همم الشباب إلى الله وتتطلع قلوبهم إليه. أوصى الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ (سورة الكهف: 28). ذكر ابن كثير في التفسير أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم “فخرج يلتمسهم، فوجد قوما يذكرون الله تعالى منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم وقال: “الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم”” 3.
نختم بقول الإمام رحمه الله: “في الشباب خير كثير، نرجو من كرم الملك الوهاب سبحانه أن يقيض في الجيل الحاضر طليعة تتلقى الربانية من أهل الربانية، وتتلقى العلم من أهل العلم، والحكمة من أهل الحكمة، والهمة الجهادية من أهل الهمة، حتى تكون رَسول الأجيال النيرة من سلفنا الصالح إلى أجيال القومة والوحدة والخلافة على منهاج النبوة” 4 ونستحضر أن العقبات أمام الشباب متتالية، فكلما جاءت عقبة اقتحمها ثم تلتها عقبة أخرى وهكذا حتى يلقى الله. وإنها لعقبات كالجبال والله أعلى وأكبر.
[2] سنة الله، عبد السلام ياسين، مطبعة الخليج العربي، تطوان، الطبعة الثانية 2005 الصفحة: 260.
[3] أخرجه ابن جرير ، والطبراني، وابن مردويه، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف.
[4] المصدر نفسه.