تقديم
الشباب عماد الأمة وحاملو لواء مستقبلها، يمكنهم إحداث التغييرات اللازمة لمعالجة التحديات الأكثر إلحاحا في عصرنا إن تم إحسان استثمار طاقاتهم وتوجيهها بشكل صحيح، تحفيزا على الإبداع في المجالات المختلفة وتوجيها لطيفا يعصمهم من عاديات السهام الموجهة إليهم الرامية إلى طمس هويتهم وصدهم عن الدور المنوط بهم. يقول الإمام عبد السلام ياسين: “في الشباب خير كثير، نرجو من كرم الملك الوهاب سبحانه أن يقيض في الجيل الحاضر طليعة تتلقى الربانية من أهل الربانية وتتلقف العلم من أهل العلم، والحكمة من أهل الحكمة، والهمة الجهادية من أهل الهمة” 1.
شباب أولاه الإمام عبد السلام ياسين في مشروعه التغييري عناية فائقة لأنه يشكل امتدادا للحاضر وأملا لمستقبل هذه الأمة، ينتشلها من غثائيتها ويعيد مجدها السليب والضائع تحت أقدام الحضارة المادية المهيمنة على جميع مناحي الحياة..
1- دور الشباب في التغيير
ترزح الأمة الإسلامية اليوم تحت نير الغثائية، حيث تداعت عليها الأمم، فحادت عن دورها الريادي وكونها خير أمة بعد أن تخلت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكرفي أكبر تجلياته؛ من شهادة على الأمم وقيادة لها للدين الحق والصراط المستقيم، صراط تنكب عنه ساستها، فتشربت أجيال دخن الغثائية حتى امتزجت بدمائها فأصبحت في أمس الحاجة لمن يوجه بوصلتها نحو مهمتها الإحيائية المتمثلة في بناء أمة الإسلام على غرار البناء الذي أثله رسول الله صلى الله عليه وسلم في اكتماله البشري، وحافظ عليه الخلفاء الراشدون قبل أن يحول في ظل الملك العاض والجبري الذي خلف تفككا في الجسم الإسلامي وسطحية في الفكر مازال صدى رجاتها يرن في الآفاق. الوعي بهذه الوضعية يفرض علينا تغييره وتربية من يغيره تربية إيمانية تغرس في نفسه معاني العزة والكرامة ونبذ الخنوع والخضوع بشتى تلاوينه، تربية تستقي من المنهاج النبوي في تحفيز الشباب والسمو بهممهم وجعلهم يتسابقون نحو جهاد البناء في شتى المجالات، وفي هذا الصدد يقول الإمام عبدالسلام ياسين: “ولا نظن أن شيئا من إيماننا يتجدد ولا أن رسالة الإسلام تبلغ، ولا أن الخلافة على منهاج النبوة تعود إن لم يسر في كهولنا وشيوخنا وشبابنا ونسائنا ورجالنا تلك النفحة العلوية التي حملت سلفنا الصالح إلى احتقار الدنيا والشوق للقاء الله، حتى اقتحموا العقبات وخاضوها شعواء على الكفر والاستكبار” 2.
هي إذا معركة ضد الكفر والاستكبار تستدعي إعداد القوة وعلى رأسها بناء أجيال قوية واعية بما يحاك ضدها ومقتدية بالسلف من شباب هذه الأمة؛ فهذا الأرقم بن أبي الأرقم ذو السبعة عشر ربيعا آوى الدعوة واحتضنها إبان مرحلتها السرية، وذاك مصعب بن عمير الفتى المدلل الذي غدا أول سفير في الإسلام، وهو ناشر الدعوة في صفوف الأنصار الذين شكلوا إلى جانب إخوانهم المهاجرين نواة الدولة الإسلامية الناشئة، وتلك أسماء بنت أبي بكر المتحدية بشموخ صناديد قريش، شقت نطاقها لتعد العدة للمهاجرين المطاردين؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفيق دربه في الغار وفي الطريق، وغير هؤلاء كثير ممن أفنوا زهرة شبابهم في نصرة الإسلام وإعلاء كلمته.
2- الشباب والتحديات الراهنة
إحداث تغيير ملموس في الأمة ليس بالأمر الهين، فدونه تحديات جسام تفرض علينا التعامل مع حاضر الأمة بواقعية ومنهجية من أجل بناء مستقبل مشرق، فلابد من إعداد الرجال، ومن أجل هذا نبه الإمام المجدد إلى ضرورة إيلاء المربين الشباب عناية خاصة، وذلك بصيانة فطرتهم وتحصينهم ضد عاديات الفتن المتربصة بهم ومخططات التخريب التي تستهدفهم، إذ يقول الإمام في هذا الصدد كلاما دقيقا: “هذه الأجيال الصاحية رضعت لبان الإسلام مصا ورشفا من رجال الدعوة الحاملين لميراث الفطرة، فإن لم يتح لها أن ترتوي من اللبان الفطرية لتبلغ الإسلام وتنشر الإيمان وتتعلم الإحسان فإن المرضعات العواهر مرضعات الفيديو الخليع والمخدرات والمجتمع الاستهلاكي بعامة يسبقننا إلى هذه الاجيال المتكاثرة السائبة في بلادنا” 3.
ولكي لايحيد شبابنا الطاهر عن مهمته الإحيائية وجب على الأيدى المتوضئة أن تتحكم في زمام الأمور وتواجه بشاعة التحديات المعاصرة، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الإعلام المغرض المتحكَّم فيه من طرف دوائر الاستكبار العالمي، ووسائل الاتصال الحديثة التي تغرق الشباب بمحتوياتها الكثيرة وعالمها الافتراضي السالب للحرية والإبداع، وأخطبوط الصهيونية ومخلفات الاستعمار والنزوح نحو التقليد الأعمى.. لابد إذا من وقفة من أجل تصحيح المسار وتوجيه الشباب نحو الهدف المنشود والتغيير المأمول لواقع هذه الأمة.