الشباب ورمضان

Cover Image for الشباب ورمضان
نشر بتاريخ

نعيش أجواء شهر عزيز، يطرق أبواب القلوب يملأها بالفرحة والسرور؛ شهر تتجدد فيه النيات، وتتصافى فيه القلوب، ويشمر فيه أحباء الله على السواعد تقربا، وتعرضا لنفحاته سبحانه وتعالى، وامتثالا لقوله عز و جل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183]. رمضان غنيمة المؤمنين، وشفاعة المتقين، وحصن حصين من النيران للفائزين. يقول صلى الله عليه وسلم: “إذا كانت أول ليلة من رمضان فتّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، وصفّدت الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة”. (أخرجه البخاري ومسلم).

ويقول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: “أتاكم شهر رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه برحمته، ويَحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر إلى تنافسكم فيه، ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم رحمة الله”. (أخرجه الطبراني).

هي أرواح تتسامى فتصوم عن شهوات النفس ورغباتها، هي ألسنة لا تردد سوى الذكر والتلاوة، والاستغفار والتسبيح. قلوب تذوب خشية، وحبا، وتضرعا لخالقها سبحانه وتعالى، تتجاوز، وتتسامح، وتصفح. جوارح تترجم عمل الروح، وسكون القلب، فتسجد وتركع، وتجاهد، وتخشع، وتنفق ليكون لها نصيبها من المغفرة والرحمة والعتق من النار.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ”. (حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولم يخرجاه، من كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم).

ولأن ذخر الأمة شبابها، وعزتها لن تكون إلا بهم، لذلك لا بد أن نجدد العزائم وأن نشد الهمم لنتعلم نحن الشباب كيف نعيش شهر الرحمة والمغفرة.

الشباب ورمضان

في رمضان يجتمع عمر العطاء والجد والاجتهاد، ووقت الاغتنام والفوز والكد والعمل. فإذا تزود الشباب وقت الزاد لكي يكتال لهم بالمكيال الأوفى كانوا ممن قيل عنهم “سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله”، وفاز بالجائزة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” (رواه البخاري (38)، ومسلم (760)).

عندما تهب نسائم رمضان ينقسم شباب الأمة الى قسمين:

شباب يحزن النفس: والله من المحزن أن ترى جموعا غفيرة من الشباب في ليالي رمضان متتبعا للملاهي، منهكا بالتنقل بين الشاشات، فإذا نادى منادي الثلث الأخير من الليل أعتم غرفته وخلا للنوم، ولم يفق إلا آخر النهار، منتظرا ساعات الإفطار. فأي صيام لهؤلاء؟ وأي رمضان لهؤلاء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش” (رواه أحمد والحاكم).

شباب يفرح الروح: هلَّ هلال السعد وشد الشباب الهمة، وسدوا المناكب وحادوا بين الصفوف في المساجد، ركوعا وسجودا. شباب تنوح من روحه وريحانه ريح الهداية، شباب عقد العزم على الختم، والمداومة على الصلوات والقيام، شباب استقام في رمضان تطلعا لما بعد رمضان.

إعداد النفس لرمضان

كيف لقلب أثقلته المعاصي والذنوب، وأقبل عليه شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، ألا يشد عزمه طلبا في جنان العلا والعتق من النيران؟ هذا الاستعداد أحبتي يكون بالتوبة والاستغفار بعد أن ييسر الله تعالى للإنسان أسباب الهداية، ويشرح صدره، ويجعله راغبا طالبا في الصلاح، لكي يشد رغبته ويستنير بالعلم النافع وينخرط في العمل الصالح. فقد كان السلف الصالح يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان؛ وكأن حياتهم كلها رمضان. فطوبى لمن أصلح نفسه قبل رمضان. أقول لك أخي القارئ أخيتي القارئة قد حان وقت العزم والعلم، العمل فهم أساس الفوز دينا ودنيا.

الرغبة: لابد لك أخي وأختي أن تحيي نبض ما بيسارك، وأن تزيل عنه غبار الكسل، وتنعش أطراف قلبك بالشوق والظمأ لشهر رمضان، خط خطة توبة نصوح لا رجوع بعدها، تجُّب ما قبلها، وجدد النية له وحده لا شريك له.

العلم: الله لا يعبد عن جهل أحبتي، فتزودوا أيها الشباب، وهل أنفع من علم يقربك إلى ربك؟ علم بما فرض عليك -صلاة وصياما-، ابحث عن فضائل رمضان ليستنير عقلك وتشرق روحك، وبهذا العلم خذ دفترك وخطط لشهرك من يومه وليلته.

العمل: اشتد ظمأ القلب بالرغبة، واستنار العقل بالعلم، وحان زمن العمل، لا تتحسر على زمان جرفته سيول طيش الشباب، ما مضى لن يعود، ولكن المستقبل أنت صانعه، شد مئزرك، وقلب صفحات مصحفك واجعل الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتك.

تجديد الهمة: هي عزيمة، هي اقتحام، هي إصرار، هي إرادة عالية، هي همة، هي طموح،  هي يقين بغدٍ أفضل. هي حب، هي محبة، هي شعلة نار، هي غيرة على وطن.. تلك هي هممكم يا شباب هذا الوطن، عزيمة قوية، وإصرار على بلوغ الهدف. أنتم غزاة لاقتحام العقبات، أنتم طموح يحقق المبتغى، أنتم حلم طفولة رُسِم على أوراق دفتر ينتظر التحقيق. استقصوا عمن يشد على أياديكم ويقول لكم: من هنا الطريق، من هنا البداية. في زمان الحب والمحبة العفيفة، التي تنار بشعلة نور، وقودها المروءة والوفاء.. ولأن العلم لا ينال براحة الجسم -كما يقال- بل بالكد والتفاني، لأنه من طلب العلا سهر الليالي، لذلك أقول لكم: شدوا الهمم وعضوا على الإرادات بالنواجذ، وهلموا لنكون مزارعين قبل أن تمطر السحابة ولا يسقى لنا حرثا.. لأنه من لم يذق مر العلم ساعة تجرع مرارة الجهل طول الحياة، اطلبوا العلم ولا تتكاسلوا، فما أبعد الخيرات على أهل الكسل، وكل من سار على الدرب وصل. نعم السحابة خيمت وحجبت الشمس لتوهمنا أننا بعيدون عن الحر، لكن هيهات هيهات هو وهم؛ هذه الراحة التي ننعم بها: سرير، وهاتف، ومائدة تعكف على إعدادها من تنظر لنا بعين التعظيم، على أننا أطر المستقبل، لذلك أقبلوا نخطوا خطوة، ونقلب صفحات الكتب بحثا على ما يزيد مستقبلنا ومستقبل الوطن إشعاعا وازدهارا.

رمضان صلاة في وقتها، وقرآن أزيل عنه الغبار، وذكر، ودعاء، وتضرع، وقيام، وصدقة، وبذل، وكلمة طيبة، وبشاشة وجه، ومقرر دراسي.. هو عقل فطن، وسرير طويت أغطيته صباحا، وغرفة فتحت نوافذها.. هذا هو رمضاننا أحبتي.

أسأل الله تعالى أن يُقر أعيننا بشهر البركة والإحسان، وأن يُمتعنا بلذة الصيام، وبركة القيام، وأن يُذيقنا حلاوة الإيمان.