حين يضيق القلب وتغشاه الهموم، وتثقله شواغل الدنيا، لا ملاذ أدفأ من الصلاة على رسول الله ﷺ، ذاك الذكر العطر الذي لا يخيب من اعتاد عليه، ولا يمل منه المحبون. إنها مفتاح الفرج، وجلاء الكرب، وسلمٌ يرقى به المحب إلى سدة القرب.
وإن كانت أبواب الخير متعددة، فإن الصلاة على سيد الخلق ﷺ باب لا يغلق، ولا يمل من ولوجه. كيف لا، وهي من أعظم القربات، وأجل الطاعات، وأكرم ما يهدى إلى خير الورى ﷺ، بل هي صلة بين المحب والمحبوب، يترجِم بها القلب لغته التي تعجز الكلمات عن الإفصاح عنها.
1. الصلاة على النبي ﷺ.. طهارة للقلوب ورفع للدرجات
الصلاة على رسول الله ﷺ أكثر من كونها ألفاظا وعبارات تلوكها الألسن، وإنما هي نفحة إيمانية تطهر القلب من أدرانه، وتغسل النفس من غفلتها. قال رسول الله ﷺ: “من صلى علي صلاة، صلى الله عليه بها عشرا” 1. فأي فضل أعظم من أن تذكَر عند رب العالمين، وتحاط برحماته، كلما صليت على حبيبه المصطفى ﷺ؟
إنها عبادة تجمع بين الذكر والدعاء، ويشترك فيها القلب واللسان، فترتقي بالعبد درجات لا يبلغها بكثرة عمل، وتكون له نورا في دنياه وأخراه. وقد قرنها الله عز وجل بنفسه وملائكته، فقال في كتابه العزيز: إِن اللهَ وَمَلَائِكَتَه يصَلونَ عَلَى النبِي ۚ يَا أَيهَا الذِينَ آمَنوا صَلوا عَلَيْهِ وَسَلموا تَسْلِيما [الأحزاب: 56].
وما أعظم أن يطابق عمل العبد عمل الملائكة، ويشارِك في الذكر الذي بدأه رب العالمين! إنها صلاة تمسح الذنوب، وتفتح الأبواب المغلقة، وتثقل الموازين يوم الحساب. فهل بعد هذا الفضل من تقصير؟
2. مفتاح الفرج ودواء الهموم
كثيرون يحملون أثقال الدنيا، ويبحثون عن مخارج من الضيق، وعن أنسٍ في زمن الوحشة، ولا يدرون أن دواءهم في الصلاة على الحبيب ﷺ. فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ يشكو كثرة دعائه وهمومه، فقال له: “…أجعل لك صلاتي كلها؟” قال: “إذن تكفى همك ويغفر لك ذنبك” 2. فجعلها دواء مجربا، مضمون النتيجة.
من جرب الإكثار من الصلاة على النبي ﷺ عرف أثرها، وشهد الفرج يتسلل إليه رويدا رويدا، حتى وإن لم تتغير الظروف، تغير القلب، وتبدل شعوره، وذاك هو الفرج الحقيقي. إنها تفرج الهم، وتنير الظلمة، وتقرب القلوب من نور اليقين.
وليس غريبا أن يربط العلماء بين كثرة الصلاة على النبي ﷺ وبين إجابة الدعاء، فهي من أعظم أسباب القبول، وكأنها مفتاح تفتح به أبواب السماء. فكلما أردت أن تستجاب دعوتك، قدم بين يديها تحية طيبة للحبيب ﷺ، تبلغها الملائكة إليه باسمك، وتعيدها إليك بركة ورحمة.
3. حب يتجدد، وعهدٌ لا ينقطع
الصلاة على النبي ﷺ هي تجديدٌ لعهد الحب، وإحياءٌ لمعنى الاتباع، ومظهرٌ من مظاهر الشوق. كل صلاة عليه ﷺ هي رسالة حب، وباقة وفاء، ترسلها الأرواح قبل الألسن. فكم من قلبٍ أحياته الصلاة على الحبيب بعد أن كاد يخبو نوره!
إنها زاد المحبين، وغذاء أرواح العاشقين لسنة نبيهم وهديه. من أكثر منها امتلأ قلبه هيبة وتعظيما للنبي ﷺ، فلا يقدم قوله على سنته، ولا يتكاسل عن سننه، بل يجد في قلبه نورا يهديه في متاهات الحياة. وقد جاء في الحديث: “البخيل الذي ذكرت عنده فلم يصل علي” 3. فالصلاة على النبي ﷺ مِعيار الحب، وميزان الكرم الإيماني.
ثم إن لها أثرا في الآخرة لا يدركه إلا من أدرك مقامه ﷺ، إذ تقرب صاحبها من النبي ﷺ مجلسا وشفاعة، فقد قال: “أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة” 4. فاجعلها وردك، ورفيق يومك، فإنك لا تدري أي صلاةٍ منها تكون سبب النجاة.
اللهم صل على سيدنا محمد، عدد ما ذَكَرك الذاكرون، وغفَل عن ذكرك الغافلون. واجعل صلاتنا عليه ﷺ شاهدَ حب لا يذبل، وزادا لا ينفد، وسلما نرتقي به إلى مرضاتك يا أكرم الأكرمين.