يأتي الطالب إلى الجامعة حاملا طموحات كبيرة كبر القهر الذي لحقه منذ الصغر، وكبر المعاناة التي عاناها والداه لأجل إيصاله لما هو عليه، لكن وفور دخوله إليها يصطدم بالواقع المرير المتأزم بتأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الأزمات السياسية والتي سببها الاستبداد المنتج للظلم، رغم ذلك يكافح الطالب وسط المشاكل، إلا أنه وعلى حين غرة يكتشف واقعا مغايرا لما حلم به، واقعا مليئا بالعنف والإرهاب، واقعا يودي بالطالب إلى غيابات لا مخرج منها، حيث يجد نفسه بين مطرقة الإرهاب المخزني، وسندان العنف الفصائلي، وهذا ما يجعله مطالبا باتخاذ قرار من بين خيارين، إما أن يستسلم للواقع ويفر من الجامعة وهذا هو الوارد، أو أن يبقى وسطه ويعرض نفسه للخطر المادي والمعنوي وهذا مستبعد.
إن تكرار هكذا أحداث واستمرار سقوط ضحايا من الجسم الطلابي سواء بسبب الإرهاب المخزني (زبيدة خليفي، عبد الجليل فخيش…) أو بسبب العنف الفصائلي (عبد الرحيم الحسناوي، عمر خالق إزم…) هو ما يجعلنا نكتب ونعيد حول هذا الموضوع، محاولين الإجابة عن التساؤلات المحورية التي يمكن أن تطرح بعد كل حدث من هذا النوع:
ما سبب هذه الأحداث؟ وما الغرض منها؟ وما السبيل للتخلص منها وإنقاذ الطالب والجامعة والوطن منها ومن مخلفاتها؟
يجب علينا أن نتناول العنوان بشقيه كي نتمكن من الاجابة عن الأسئلة المطروحة، شق الإرهاب المخزني وشق العنف الفصائلي.
أولا: الإرهاب المخزني
تمثل معاناة الطلبة داخل الجامعة نموذجا مصغرا لمعاناة الشعب داخل هذا الوطن، فكل ما يمر بعيشه الشعب من مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية يلقي بظلاله على الطالب ويؤزم من وضعيته، وكذلك هو الحال للقمع المسلط على أبناء الشعب وعلى الأصوات الحرة في هذا الوطن الحبيب، فأيادي الظلم تمتد لتمس الطلبة داخل الجامعة، باعتبارهم فئة مثقفة من فئات الشعب المغربي، فكل من طالب بحقه يواجه بالحديد والنار، وهذا من طبيعة نظام جاثم على صدور المستضعفين منذ عقود مضت.
يمكن تقسيم الإرهاب المخزني الممارس على الطلبة إلى قسمين؛ إرهاب مادي، وإرهاب معنوي.
الإرهاب المادي
يتجلى هذا القسم بوضوح تام في شتى الجامعات المغربية، وذلك عبر عدة تدخلات راح ضحيتها عدد من الطلاب بين إصابات متفاوتة الخطورة وقتلى ومعتقلين (التدخلات الأخيرة في فاس وتطوان…). الإرهاب المادي للمخزن ليس وليد اللحظة بل هو نتاج طبيعي لنظام جبري فاقد لشرعية الإطار، ومشروعية القرار.
الإرهاب المعنوي
يتجسد هذا النوع بالخصوص في القرارات الهادفة لإفراغ الجامعة من محتواها، من قبيل إغراق الطالب في المشاكل البيداغوجية والاجتماعية… بحيث ينشغل هذا الأخير بالمطالبة بحقوقه التي سلبت منه ناسيا الهدف الأساسي الذي جاء للجامعة لأجله وهو التحصيل العلمي وتكوين الشخصية المسؤولة المؤمنة بالواجبات والمطالبة بالحقوق.
للأسف فإنه وبدل تكاثف الجهود بين الطلبة للتصدي للسياسات المخزنية نجد أن العنف ما زال طاغيا والانسياق نحو سياسة فرق تسد ما تزال سائدة بين الطلبة وبين الفصائل.
ثانيا: العنف الفصائلي
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت///فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
هكذا قال شوقي وهكذا عشنا ونعيش. إن المشاكل التي يعاني منها الشعب المغربي تؤدي لإحباط نفسي خطير لدى الشباب بصفة عامة، هذا الإحباط ينتج أخلاقا منحرفة تزداد انحرافا داخل الجامعة حيث الظروف الملائمة المبنية على فكر دخيل من ضمن أدبياته العنف بشقيه المادي والمعنوي، وبوجود هذا وذاك انتظر الأسوء، وانتظر حسم الاختلاف بطرق غابوية. قد يلخص العنف الفصائلي في مجموعات طلابية؛ فصيل أو فصيلين، يمارسون العنف ضد بعضهم البعض و ضد الطلبة.
يمكن تقسيم هذا العنف إلى قسمين اثنين كما هو الحال لأي عنف، مادي ومعنوي.
العنف المادي.
تشهد الجامعة المغربية سنويا أحداث عنف بين الفصائل الطلابية الضحية فيها أولا وأخيرا هو ذلك الطالب وتلك الطالبة. حيث تلجأ بعض الفصائل إلى حسم خلافاتها ماديا عبر حمل السلاح (السيوف، الهراوات…)، وهذا ما حدث في موقع القاضي عياض بمراكش قبل ما يزيد عن شهر حيث ذهب ضحية هذا العنف الطالب “عمر خالق” الملقب “بإزم”، وهذا ما حدث قبل ما يقارب ثلاث سنوات في موقع فاس ظهر المهراز حيث ذهب ضحية هذا العنف الطالب “عبد الرحيم الحسناوي”، وهذا ما يمكن أن يحدث في أي موقع يشهد هذه الأعمال الهمجية التي لا تمت للجسم الطلابي بصلة.
هذا من جهة العنف بين الفصائل، وهناك عنف مادي مسلط على الطلبة بحيث يتعرض بعضهم لاعتداءات متكررة من طرف بعض الفصائل بسبب اختلاف في الرأي أو ما شابه ذلك.
العنف المعنوي.
يتجلى هذا العنف في الألفاظ المستعمل من طرف الفصائل التي ترى فيه الوسيلة المناسبة للإقناع، والتي يمثل اليسار الراديكالي رأسها إن لم نقل أنه الوحيد منها، ويمكن اعتبار الألفاظ التي توصف بها الفصائل الطلابية عنف معنويا من قبيل (القوى الظلامية بشقيها الديني والعرقي)، واعتبار بعض الفصائل الطلابية “تجليا من تجليات الحظر العملي على أوطم”. هذا فيما يخص العنف الفصائلي، أما العنف المسلط على الطلبة فهو السب والشتم والتهديد ووعيد إلى غير ذلك من أشكال التعنيف المعنوي التي تكون في غالب الأحيان تمهيدا للعنف المادي.
إن السبب وراء كل هذا، سواء أالإرهاب المخزني أم العنف الفصائلي، أن الجامعة هي الوجهة الوحيدة لأبناء الشعب المغربي المستضعف، وهي التي تخرج أصواتا حرة تناضل في صفوف الجماهير الشعبية وتطالب بحقوقها العادلة والمشروعة وبمطالبتها تهز أركان الفساد والاستبداد، لذلك وجب إفراغ الجامعة من محتواها وضربها عرض الحائط، وبذلك تشويه سمعة التعليم العمومي ورفع أسهم التعليم الخصوصي، وهذا هو الهدف المعلن للمخزن على لسان رئيس الحكومة حين قال: “حان الوقت لترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم”. إن كان العنف وسيلة المخزن لخوصصة الجامعة العمومية، فإن كل مساهم فيه يقدم مساعدة بطريقة أو بأخرى للمخزن، سواء كان يعلم ذلك أم لم يكن يعلم، أي سواء أكان يدري أنه يقدم هذه المساعدة بممارسته العنف المادي والمعنوي داخل الجامعة، أم لم يكن يدرك ذلك.
إن معركتنا الأكبر هي ضد الاستبداد والظلم المسلط علينا منذ عقود، والجامعة هي محطة تكوينية يحارب فيها الطالب الجهل ليعود للشعب الذي قدم منه واعيا ومساهما في التوعية. ولا يجب علينا الاستسلام لسياسة فرق تسد التي ينهجها النظام المخزني.
لإنقاذ الطالب من بين المطرقة والسندان وإخراج الجامعة مما هي عليه يجب علينا تنمية روح الاختلاف وإشاعة ثقافة الحوار، فالجامعة للمقارعة الفكرية وتبادل الأفكار، والاستفادة والإفادة، وسلاح الطالب فيها قلم وكتاب، وهذا ما يجب على كل المكونات والفصائل التي تتبنى الحوار الذهاب فيه، ويجب عليها مد اليد لمن يشاطرها الرأي في ذلك، ومحا