الطفل والخصوصية على الإنترنت.. ما الذي يجب أن يعرفه؟

Cover Image for الطفل والخصوصية على الإنترنت.. ما الذي يجب أن يعرفه؟
نشر بتاريخ

مع اتساع استخدام الأطفال للإنترنت، لم يعد مفهوم الخصوصية أمرا خاصا بالكبار فقط، بل أصبح ضرورة أساسية يجب غرسها في وعي الصغار منذ سنواتهم الأولى. فالطفل الذي ينشأ مدركا لمعنى “ما هو شخصي وما يجب أن يبقى سريا”، سيكون أقدر على حماية نفسه من التهديدات الرقمية.

مع تزايد استخدام الأطفال للإنترنت، لم يعد مفهوم الخصوصية مقتصرا على الكبار فقط، بل أصبح ضرورة أساسية تغرس منذ سن مبكرة في نفوس الصغار. فالطفل الذي يتعلم التفرقة بين ما هو شخصي وما يجب أن يبقى سريا، يصبح أكثر قدرة على حماية نفسه من المخاطر الرقمية، مثل التنمر الإلكتروني، سرقة الهوية، أو استغلال المعلومات الشخصية…

ومن المعروف أن الإنسان مسؤول عن كل ما يسمع ويرى ويشارك، وهو ما ينطبق أيضا على حياته الرقمية. فالشريعة الإسلامية تحث على الحذر في كل قول وفعل، سواء في الواقع أو في الفضاء الرقمي، وعلى تعليم الأبناء الحفاظ على ما هو شخصي وسري، بما يعكس قيم الحياء والصدق والحرص على النفس والآخرين. وهذا ما أشار إليه قول الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء: 36]. فالمسؤولية تبدأ من إدراك الفرد لما ينشره أو يشاركه، وهو ما يجب أن نعلمه لأبنائنا.

التوعية بمفهوم الخصوصية منذ الصغر

من المهم أن نغرس في الطفل منذ سنواته الأولى معنى الخصوصية بلغة بسيطة تناسب إدراكه، فنقول له: الخصوصية تعني أشياء تخصك أنت وحدك، ولا يحق لأحد الاطلاع عليها أو مشاركتها دون إذنك. وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم الأطفال على احترام حدود الغير، فقال: “يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك” [رواه البخاري ومسلم].

وهذا الحديث النبوي الشريف يُرسّخ لدى الطفل مبدأ احترام المجال الشخصي، وعدم التعدي على ما يخص الآخرين. ويمكن إسقاط هذا المعنى على الفضاء الرقمي، حيث للطفل الحق في حماية بياناته وصوره وكلماته، وعدم السماح للآخرين باستخدامها دون إذنه.

حماية الخصوصية بالوقاية

لكي يفهم الطفل معنى الخصوصية ويطبقها عمليا، يحتاج إلى أمثلة واضحة وقريبة من حياته اليومية، مثل:

– الصور: لا يجوز إرسال صور شخصية خاصة للعامة أو للغرباء.

– المواقع الجغرافية: يجب الحذر من مشاركة الموقع الجغرافي في الألعاب أو التطبيقات.

– كلمات المرور: مثلما لا يعطي الطفل مفتاح بيته لشخص غريب، لا ينبغي أن يشارك كلمة مروره مع أي شخص.

بهذه الطريقة، يتعلم الطفل حماية معلوماته الشخصية منذ الصغر، ويصبح واعيا للمخاطر الرقمية، قادرا على التعامل بحذر ومسؤولية في عالم الإنترنت.

حماية الخصوصية بالتجربة

حماية الخصوصية بالتجربة تعني أن يتعلم الأطفال كيفية حماية بياناتهم وهويتهم الرقمية من خلال التجربة العملية، وليس مجرد التعليم النظري. أي أنهم يختبرون مواقف مختلفة على الإنترنت، مثل التعامل مع الروابط المشبوهة أو مشاركة المعلومات الشخصية، ويتعلمون من نتائج هذه التجارب كيفية حماية أنفسهم بشكل فعّال.

ويأتي هذا التوجه متوافقا مع قول رسول الله ﷺ: “المؤمن لا يُلدغ من جحر واحد مرتين” [رواه البخاري ومسلم]، حيث يشير الحديث إلى أن التجربة السلبية يمكن أن تكون درسا، والمؤمن الحقيقي يتعلم منها ويأخذ الحيطة لعدم الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى.

صحيح أن التجربة تترك أثرا أكبر في الذاكرة من مجرد التوجيه النظري، فهي تساعد على ترسيخ المهارات وفهم العواقب بشكل عملي، ولكن من الضروري أن تكون هذه التجربة محكومة وآمنة، بحيث يمكن التعلم دون التعرض لمخاطر حقيقية أو أضرار كبيرة، خاصة عند تعليم الأطفال حماية خصوصيتهم الرقمية. وبذلك، تصبح التجربة الرقمية وسيلة عملية لتعزيز الوعي واليقظة لدى الأطفال، وتحويل الأخطاء السابقة إلى فرص لتقوية مهارات الحماية الشخصية.

الحوار مع الطفل عند حدوث تجاوزات

في عالم اليوم الرقمي، يتعرض الأطفال لمواقف قد تهدد خصوصيتهم أو سلامتهم، سواء على الإنترنت أو في حياتهم اليومية. من هذه المواقف: طلب صديق إلكتروني لمعلومة شخصية، إرسال صور، التعرض للتنمر، أو سماع تعليقات جارحة من الآخرين… التعامل مع هذه المواقف بشكل صحيح يبدأ من الحوار الهادئ والمبني على الثقة.

في هذه الحالة يجب أن يشعر الطفل أن أسرته ملاذ آمن يمكنه اللجوء إليه في أي وقت، لذا وجب على الوالدين الابتعاد عن اللوم أو العقاب الفوري عند تعرض الطفل لموقف أزعجه، والتركيز على الاستماع إليه وفهمه، وإظهار التعاطف مع مشاعره.

وهذا ما نلمسه في تعامل النبي ﷺ مع الأطفال، فقد كان قريبا منهم، يستمع لهم، يمازحهم برفق، ويأخذ مشاعرهم بعين الاعتبار. واقتداءً به، وجب على الوالدين أن يظهروا الاحترام لمشاعر الطفل ويشجعوه على التعبير بحرية دون خوف.

ومن المهم أن يضع الأهل قاعدة واضحة وبسيطة، مثل: “إذا حدث شيء أزعجك على الإنترنت أو في أي مكان، فأخبرنا فورا، ولن نغضب منك”. هذه القاعدة تساعد الطفل على المصارحة فورا وعدم الاحتفاظ بمواقف مؤذية لنفسه.

بهذه الطريقة، يصبح الحوار مع الطفل وسيلة وقائية وتعليمية في نفس الوقت، تعزز ثقته بنفسه وتحميه من التجاوزات الرقمية والاجتماعية. كما ينمي لديه القدرة على التعبير عن المشاعر والمواقف الصعبة، مما يساعده على اكتساب وعي رقمي وسلوكيات آمنة على الإنترنت.

خاتمة

حماية خصوصية الطفل على الإنترنت ليست رفاهية، بل ركيزة أساسية في التربية الرقمية. فالطفل الذي يفهم معنى الخصوصية منذ صغره، ويتعلم حدود مشاركة معلوماته، يصبح أكثر أمانا وثقة بنفسه. وعلى الوالدين أن يكونوا قدوة وسندا، فيعلموا أبناءهم بحوار هادئ وأمثلة عملية كيف يصونون بياناتهم وصورهم وكلمات مرورهم. وكما كان النبي ﷺ يحرص على تربية الناشئة ليكونوا أمناء على أنفسهم ودينهم، ينبغي أن نربي أبناءنا اليوم على الأمانة الرقمية وصيانة الخصوصية، لأنها أساس حمايتهم في حاضرهم ومستقبلهم.