ما شهده الحي الجامعي فاس سايس يوم الاثنين 14 يناير 2013، لا يتعلق بالهجوم على خلية إرهابية، أو عصابة إجرامية روعت المواطنين، بل إن الأمر يتعلق بطلبة علم لا حيلة لهم و لا ذنب لهم إلا أنهم يطالبون بحقهم الطبيعي والمشروع في السكن بالحي الجامعي.
يحكي من حضر الواقعة الأليمة (أكثر من طالب) أن الطلبة واستمرارا في نضالهم من أجل السكن في الحي الجامعي الذي انطلق مع بداية الموسم الجامعي بتنظيم العديد من الأشكال الاحتجاجية بشكل حضاري وسلمي (مسيرات، وقفات، حوارات…)، ولأن الامتحانات كانت على الأبواب، قرروا أن ينظموا يوم الاثنين 14 يناير 2013 وقفة احتجاجية أمام إدارة الحي الجامعي لمطالبة الجهات المعنية بالإسراع في حل مشكل السكن الذي يتكرر مطلع كل سنة في ظل انتشار الزبونية والمحسوبية وانتعاش سماسرة الكراء، ليفاجأ الطلاب بالتدخل الهمجي لقوات القمع والتدخل السريع التي استباحت الفضاء دون سابق إنذار مخلفة العشرات من الإصابات والاعتقالات في مشهد هوليودي كان المخزن المغربي بطله والطلبة الأبرياء ضحاياه.
سياق الاعتقال والمحاكمة
إيمانا بواجبه في الدفاع عن حقوق الطلاب وصون مكتسباتهم، ودفاعا عن كرامة الطالب أعلن مجلس القاطنين فاس- سايس بمعية الجماهير الطلابية انخراطه في معركة المطعم والسكن الجامعيين، منذ افتتاح الموسم الجامعي 2012-2013 بعد أن جوبهت مطالب الطلاب بالآذان الصماء وسياسة اللامبالاة والحوارات الماراطونية التي حاولت من خلالها إدارة الحي كسب الوقت وثني الطلاب عن مطالبهم، وفي هذا الصدد انخرطت الجماهير الطلابية في جو من المسؤولية والنضال الحضاري في خطوات النضال على الشكل التالي:
– الجمعة 05/10/2012: نظم الطلبة الراغبين في السكن بالحي الجامعي اعتصاما جزئيا أمام إدارة الحي.
– الاثنين 08/10/2012: تنظيم مسيرة احتجاجية نحو رئاسة الجامعة عنوانه “الطالب يريد السكن”.
– الثلاثاء 09/10/2012: نظمت الجماهير الطلابية اعتصاما مفتوحا بالحي الجامعي.
– الجمعة 12/10/2012: نظم الطلاب مسيرة ليلية شارك فيها ما يقارب 500 طالب وطالبة.
– الثلاثاء 13/11/ 2012: استمرارا في المعركة ونظرا لسياسة اللامبالاة التي انتهجتها إدارة الحي الجامعي نظم الطلاب إخلاء بكلية الشريعة التابعة لجامعة القرويين.
– الأربعاء 14/11/2012: نظم الطلاب خلال هذا اليوم إخلاء لكلية الآداب سايس.
– الثلاثاء والأربعاء 20- 21 /11/ 2012: انخراط الطلاب في معركة الإضراب الإنذاري عن الطعام لمدة 48 ساعة.
وبعد مرور أزيد من شهرين على انخراط الطلاب في خطوات النضال المسؤول من أجل الحق في السكن، حضر مدير المكتب الوطني للأعمال الجامعية والاجتماعية والثقافية، حيث أجرى معه مجلس القاطنين بحضور مدير الحي الجامعي حوارا ماراطونيا يوم الأربعاء 12/12/2012، انتهى بإعطاء وعد بالسكن في أقل من أسبوعين على الأكثر، لكن بعد مرور المدة المتفق عليها لم يتم الوفاء بالوعود التي تم الاتفاق عليها ليتم بعدها الاستمرار من جديد في المعركة النضالية بتنظيم وقفة احتجاجية أمام إدارة الحي الجامعي يوم الجمعة 28/12/2012.
– الاثنين 14 /01/2013: اقتحام قوات التدخل السريع للحي الجامعي، وقد نتج عن هذا التدخل العنيف اعتقال حوالي 15 طالبا من بينهم عضوان من فصيل طلبة العدل والإحسان، بالإضافة إلى عدة إصابات متفاوتة الخطورة (كسور، رضوض، إصابات حرجة…) أضف إلى هذا سرقة ممتلكات الطلبة (حواسيب..أمتعة… مبالغ مالية…).
– ليلة السبت 25 يناير: وفاة الطالب “محمد الفزازي” أحد ضحايا التدخل الهمجي للحي الجامعي داخل قسم الإنعاش بالمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بفاس، الذي نقل إليه في حالة صحية صعبة.
– الاثنين 04 فبراير2013: اعتقال الطالب عثمان الزوبير عضو فصيل طلبة العدل والاحسان بمدينة تارودانت فجرا، واقتحام بيت والده دون سابق إشعار، ليتم بعد ذلك عرضه على أنظار السيد الوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف بفاس يوم 7 فبراير في حالة صحية متدهورة بعد تعرضه للتعديب.
– 07 فبراير 2013: دحضا لكل المزاعم والافتراءات التي تريد النيل من صورة فصيل طلبة العدل والإحسان، قام أربعة من الطلبة الذين حركت في حقهم مذكرة بحث مفبركة على خلفية أحداث الحي الجامعي سايس بتسليم أنفسهم للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بفاس، الذي أحالهم بدوره على الفرقة الولائية للشرطة القضائية بنفس المدينة. والطلبة المذكورون ينتمون لفصيل طلبة العدل والإحسان بفاس هم: سعيد الناموس، عماد شكري، أحمد أسرار، زكرياء الثعباني.
الفصيل والجامعة والمخزن
أماط حدث اعتقال ومحاكمة طلبة فاس اللثام عن طبيعة المعركة التي تخوضها أجهزة المخزن في مواجهة فصيل طلبة العدل والاحسان، وعن التخبط الكبير الذي تعرفه مؤسسات الدولة في معالجة المطالب العادلة لشريحة الطلاب، وعن الوضع الكارثي الذي تعرفه مؤسسات الأحياء الجامعية في مختلف المناحي والاتجاهات التي يراد لها في ظل الربيع العربي أن تتحول إلى بنايات تستبيحه أجهزة الأمن (القمع) كل وقت وحين.
أ- الفصيل والمخزن
لم يعد يماري أحد في أن الحرب على فصيل طلبة العدل والاحسان، هي جزء من الحرب التي تخوضها الدولة المغربية في مواجهة جماعة العدل والإحسان ككل، باعتبارها أكبر جماعة إسلامية معارضة لدولة الفساد والاستبداد الذي يرزح تحت نيره الشعب المغربي منذ سنوات طويلة، ولا أدل على ذلك الحصيلة الثقيلة التي قدمها الفصيل مند إعلانه العمل في الساحة الطلابية والانخراط في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، انخراط قدم من خلاله العديد من الشهداء والجرحى والمعطوبين والمعتقلين، والعشرات من المطرودين من الدراسة… ولم تقتصر هذه الحرب التي خاضتها الدولة في مواجهة الفصيل على مجال دون آخر، فقد كانت غايتها ومسعاها تطويق حركة الفصيل ومنعها من الانتشار داخل الجامعة، فكان أن انتصرت همة الطلاب على همجية النظام وسطوته، وتحقق للفصيل داخل الجامعة الانتشار والانتصار بفضل الله تعالى وكرمه وبجهود مناضليه الذين يغطون جميع الجامعات المغربية.
ب- الأحياء الجامعية والمخزن
في الوقت الذي كان ينتظر فيه أن تتعبأ جهود كل المتدخلين في الشأن الجامعي لتجاوز التدبير السيئ لمؤسسات الأحياء الجامعية، اختارت وزارة التعليم العالي في مستهل الموسم الجامعي 2012/2013 ودون سابق إعلان أن تجعل من وزارة الداخلية شريكا لها في تدبير الأحياء الجامعية بدعوى “مراقبة الدخول الجامعي”، وهي المذكرة الممهدة لاستباحة الأحياء الجامعية وقمع الطلاب، كما حدث في أحياء فاس وبني ملال ومراكش ووجدة والقنيطرة وغيرها في ترجمة فورية لمعنى المراقبة اللصيقة بنضالات الطلاب ومطالبهم المشروعة.
الواقع المرير الذي تعرفه الأحياء الجامعية كان دافعا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، لجعل السادس عشر من شهر مارس من كل سنة يوما وطنيا للأحياء الجامعية، للوقوف على وضعية الأحياء الجامعية تربويا واجتماعيا وثقافيا… وضعية تصفها التقارير الوطنية بالمزرية، إذ لا تلبي الأحياء الجامعية من طلبات السكن إلا نسبة ضعيفة، حيث لا تتجاوز سعة جميع الأحياء الجامعية بالمغرب مجتمعة سعة 38 ألف سرير، مع وجود ما يناهز 300 ألف طالب جامعي وحوالي 90 ألف طالب جديد كل سنة، مما يجعل الحصول على سكن بالحي الجامعي مطلبا عزيز المنال، والمحظوظون منهم يعيشون في ظروف قاسية، حيث الاكتظاظ وسوء المعاملة، ناهيك عن سوء الوجبات المقدمة للطلبة من داخل المطاعم، ويؤكدها واقع الطلاب داخل هذه المباني الأثرية، والساحات المحاصرة والفارغة معنى ومبنى.
وختاما أقول
مخطئ من ظن أن المغرب قد تغير إلى الأحسن، وأن الدستور الجديد قد قطع مع هيمنة المخزن المغربي وفساده في الأرض بغير وجه حق، وأن ربيع المغرب قد أعطى أكله، لأن كل الشواهد تدل على أن مغرب اليوم أصبح أكثر فسادا واستبدادا تحت يافطة “الحكومة الإسلامية”، التي تغول في عهدها المخزن المغربي فأصبح يتجرأ على ارتكاب ما لم يكن يقدر على ارتكابه في السنوات الماضية، إن ما حدث في تازة والعيون ومراكش… السنة الماضية من قمع وتنكيل بأبناء وبنات الشعب، وما يحدث للمعطلين كل يوم في الرباط لمطالبتهم بحقهم في الشغل والعيش الكريم، وما يحدث للطلاب في كل الجامعات من انتهاك لحرمة العلم والجامعة، وما حدث لمناضلي 20 فبراير من محاكمات صورية مفبركة، وما يحدث للشعب المغربي من تفقير وتجويع ونهب للخيرات… هذا هو مغربنا الحبيب وهذا ما يقع فيه: ظلم واستبداد وطغيان، وهذا ما وقع في فاس في حق طلبة أبرياء اعتقلوا وعذبوا وهم الآن يحاكمون بتهم ملفقة، فإلى متى هذا الظلم الواضح المفضوح؟ وإلى متى هذا السكوت الذي يذكرنا بالماضي السحيق؟ وإلى متى هذا الاستخفاف بأرواح الشهداء الذين اغتالتهم أيدي القمع المخزني؟ أما حان الوقت ليتحرك أهل المروءات والغيورون على مستقبل هذا البلد لكسر بطش المخزن وقمعه وإرهابه وفرض احترام القانون؟ أما آن الوقت ليتحد الجميع يدا في يد لمواجهة كل المستبدين والمفسدين؟
أعتقد أنه قد آن الأوان لنكذب ونحاسب من يتكلم هنا وهناك عن الاستثناء المغربي في زمن الربيع العربي، احتراما وتضامنا مع كل المعتقلين ووفاء لروح محمد الفزازي وكمال العماري وغيرهم كثير.
نسأل أن يتغمد الشهداء بواسع رحمته وأن يرزق المعتقلين صبرا وثباتا.
نسأل الله الفرج القريب والنصر المبين.