الطهارة أولا

Cover Image for الطهارة أولا
نشر بتاريخ

ما المقصود بالطهارة؟

الطهارة هي النظافة والتنزه عن الأقذار التي تأنفها الأنفس، والتخلص من الأوساخ والنجاسات الحسية كالفضلات وغيرها، والمعنوية كالذنوب والسلوكيات السيئة… والطهارة الشرعية هي نظافة من نوع خاص حيث إنها تصبح عبادة نتقرب بها من مولانا عز وجل، وهي نوعان:

– طهارة الخبث: وهي التنظف من النجاسات الحسية العالقة بالبدن والثوب والمكان، وتحصل باستعمال الماء وسائر المطهِّرات.

– طهارة الحدث: وهي التنظف من النجاسات المعنوية أو الحكمية (كخروج الريح، والحيض، والجنابة، والاحتلام…)، وهذه الطهارة تختص بالبدن، وتنقسم إلى طهارة كبرى وهي الغسل، وطهارة صغرى وهي الوضوء، وبدلا منهما عند العذر: التيمم.

لماذا الطهارة أولا؟

إن أول ما ينبغي الالتفات إليه وتعلمه وتعهده ونحن نتحدث عن الأساسيات في العبادة هو أمر الطهارة، وذلك للأسباب التالية:

* مفتاح الصلاة الطَّهورُ:

إذا كانت الصلاة هي عماد الدين، وهي الفريضة اليومية التي تجعل العبد على موعد مع ربه خمس مرات على الأقل يوميا، فإن الطهارة هي شرط الصلاة ومفتاحها، فلا صلاة لمن لا طهارة له، ولا دين لمن لا يهتم بجزئيات الطهارة اهتمامه بكليات الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يقبل الله صلاة بغير طهور” [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: “مفتاح الصلاة الطهور” [رواه أبو داود والترمذي].

* كمال الإيمان الطهورُ:

إن الطهارة تكمل الإيمان، حيث لا يستكمل إيمان المرء إلا بالتطهر وتحقيق سنن الفطرة والتخلص من النجاسات والأوساخ والأدناس الحسية منها والمعنوية. جاء في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الطهور شطر الإيمان”، وفي رواية الترمذي: “الطهور نصف الإيمان”. وقد مدح الله تعالى المتطهرين والمكثرين من هذا النوع من العبادات قائلا سبحانه في غير ما آية: إن الله يحب المتطهرين والله يحب المطَّهِّرين.

* حصن العبادات الطهورُ:

هل نعلم أن صحة ما نقوم به من الأعمال التعبدية متوقف على مدى تحقيقنا لجزئيات وصغائر أمور النظافة والطهارة؟

لنتدبر هذا الحوار الذي دار بين المعلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا رسول الله، لقد أبطأ عنك جبريل عليه السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: ولِم لا يبطئ عني و أنتم حولي لا تستنون -أي لا تنظفون أسنانكم-، ولا تقلمون أظافركم، ولا تقصون شواربكم، ولا تنقّون رواجِبكم -ثنايا وبواطن الأصابع-“ [رواه أحمد في المسند].

لنتصور ما هو هذا الأمر الجلل الذي جعل الوحي ينقطع زمانا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين، وجبريل عليه السلام يبطئ عنهم، والأحكام والتشريعات تتأخر عن الأمة؟

إنه إغفال المسلمين عن القيام بخصال الفطرة والتنظيف لأدق الأجزاء في جسم الإنسان: الأسنان، والأظافر والشوارب، وبطون أصابع اليدين والرجلين.

ولنستمع لقصة أخرى توضح لنا جلالة الأمر: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوما في المسجد، فقرأ في صلاته بسورة الروم فلَبِسَ بعضَها -أي اختلطت الآيات عليه-، فلما فرغ التفت إلى الصحابة، وقال: “إنما لبس علينا الشيطان القراءة من أجل أقوام يأتون الصلاة بغير وضوء، فإذا أتيتم الصلاة فأحسنوا الوضوء” [رواه أحمد في مسنده].

قوله صلى الله عليه وسلم “من أجل أقوام يأتون الصلاة بغير وضوء”، ليس معناه أنهم يصلون من غير التوضأ أصلا، بل المقصود أنهم يتوضأون إلا أنهم لا يتقنون هذه الفريضة ولا يحسنونها، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: “فإذا أتيتم الصلاة فأحسنوا الوضوء”.

نعم، لقد كان عدم إتقان بعض المأمومين لوضوئه سببا في اختلاط القراءة على الإمام أثناء قراءته في الصلاة، مما يفيد أن إتقان طهارة الوضوء وتصحيحها إتمامٌ لفريضة الصلاة، ولن يتأتى إتقان الوضوء إن لم نرجع إلى السنة الطاهرة ونبحث عن الكيفية والطريقة التي كان يتوضأ بها رسولنا صلى الله عليه وسلم المبلِّغِ عن الله تعالى.

لأجل هذا كله، قراءنا الكرام، نبدأ بحول الله تعالى وعونه تعلمنا لديننا بتعلم الطهارة، والطهارة أولا، بكل جزئياتها، نتتلمذ على يدي المعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونأخذ من معين السنة النبوية الصافي.

نلتقي في الحلقة المقبلة لنتحدث عن أول موضوع في الطهارة وهو موضوع “سنن الفطرة” وإلى ذلك الحين نستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.