حفل تأبين أقيم في أجواء الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره، والاستبشار خيرا لهذا الإمام الذي بدت، في جنازته التاريخية وفي الجماعة التي بنى وربى رجالها وفي شيوع مدرسته ومنهاجه في الأصقاع والآفاق، بدت بواكير عمله الجليل.
فبعيد صلاة العشاء حضرت وفود ممثلة لمختلف مناطق وجهات المغرب، ومن خارجه من أبناء الجماعة والمتعاطفين معها، وضيوف كرام حضروا من بلدان شتى ممثلين لحركات إسلامية وأحزاب وطنية ومنظمات مدنية، من أجل المشاركة في التأبين الرسمي للشيخ المجاهد المجدد. افتتحه الحاضرون بختمات قرآنية مباركة.
ومن الوفود التي حضرت حفل التأبين وفد حركة التوحيد والإصلاح، وحزب الأمة، والبديل الحضاري، ونادي الفكر الإسلامي، وحزب الاستقلال، والحزب الديمقراطي المغربي، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، والوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. وثلة من العلماء، ومن رموز التيار السلفي، والشخصيات الوطنية والحقوقية من بينها النقيب عبد الهادي لقباب.
ومن خارج المغرب حركة مجتمع السلم بالجزائر، وحركة النهضة التونسية، والتجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني.
سيَّر الحفل الدكتور عبد الصمد الرضا، عضو مجلس شورى جماعة العدل والإحسان، الذي عرض لبعض مناقب الفقيد نثرا وشعرا وبيانا، وقرأ مرات رسالات من دعاة ومفكرين تؤبن الرجل بأجمل العبارات.
واستُهل الحفل بكلمة العائلة التي تفضل بإلقائها الأستاذ عبد الله الشيباني، صهر الشيخ الجليل وعضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة، الذي شكر المعزين والمواسين والضيوف وقيادة الجماعة وأعضاءها، والقادمين من بلدان شتى من الجزائر وموريتانيا وليبيا وتونس وفرنسا وانجلترا وإسبانيا وألمانيا وبلجيكا وأمريكا…، وأثنى على الراحل متحدثا عن أبوته الكاملة التامة وعن حبه وعطفه واحترامه وتقديره، وتشجيعه لمن حوله بالكلمة الطيبة والتحفيز، وعن صبره وتحمله.
ومن الجزائر الشقيقة حضرت حركة مجتمع السلم، وتحدث باسمها الأستاذ عبد الرزاق المقري الذي قال “فَقْدٌ كبير لهذا الشيخ، وهو شيخنا جميعا في هذا الوطن العربي، وهو من البقية الباقية من جيل التأسيس”. ورأى بأن هذا الحضور دليل على عظمة الرجل قول الإمام أحمد رضي الله عنه “بيننا وبينكم الجنائز”، وذكر بأنه اجتمع في تشييعه مختلف الأطياف الذين شهدوا له بالزهد والتقوى والقوة والأمانة، مشددا على أن مرشد العدل والإحسان سبب رئيسي في حفظ المغرب من الانزلاقات وقال “كان رغم شدته في قول الحق حريصا على السلم والاستقرار في المغرب”.
وباسم حركة النهضة التونسية، والأستاذ راشد الغنوشي الذي اعتذر لعذر قاهر، تناول الكلمة الأستاذ عزمي الغنيمي الذي شهد بأن الراحل الفقيد رجل مؤسس ورائد للنهضة الإسلامية، وأحد أعمدة الصحوة الإسلامية. وأشاد بما كان للإمام من يقين في ربيع عربي. وأضاف: “إن لثوراتنا آباء ومن أبرزهم الشيخ عبد السلام ياسين”. وباسم الحركة من أجل الأمة أخذ الكلمة الأستاذ محمد المرواني، حيث تقدم بالعزاء لأسرة الإمام والجماعة والأمة في الراحل الكبير معتبرا أنه “أحد رجالها العمالقة”، ومن “مناهضي التطبيع مع الاستبداد في البلد”، مدركا حجم الخسارة الكبيرة بغياب الرجل. كما نوه بثباته على المواقف رغم السجن والحصار والمكائد، وأضاف: “عاش عزيزا ومات عزيزا، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين”. وعن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان قال الأستاذ محمد الزهاري بعد تقديم العزاء في الراحل الكبير: “هو عنوان عريض وشامخ لرجل قاوم وجهر بالحق للدفاع عن المظلومين والمضطهدين”. أما الأستاذ محمد الخليفة، وهو من الرموز الوطنية لحزب الاستقلال، فاعتبر أن “المرحوم سيدي عبد السلام لا يمكن اختزال عظمته وعطائه على مدى أربعة عقود”، وقال بأنه “مفخرة للمغرب على الإنسانية جمعاء”. أما الشيخ حسن الكتاني فتحدث باسمه الخاص وباسم العائلة الكتانية، وذكَّر بمسألتين عرف بهما المجاهد الراحل، محبته العظيمة لآل البيت وصدعه بالحق، حيث قال: “علمنا ونحن صغار بالحجاز أن هناك عالما ربانيا جهر بالحق في المغرب، ولما جئنا إلى المغرب رأينا صموده وثباته. إنه من الرجال القلائل الذين صدعوا بالحق”.وباسم حركة التوحيد والإصلاح اعتبر الأستاذ محمد أبو اللوز الأستاذ المرشد رحمه الله “رجل الأمة ورجل هذا البلد”، وشدد على أن “الراحل أسس لأجواء الثقة والحوار بين الإسلاميين”. وأضاف “تعلمنا في مدرسة شيخنا التربية، تعلمنا منه الشجاعة والثبات على الموقف، تعلمنا منه نبذ العنف والحرص على الإبداع والتجديد. لم يكن مقلدا بل اجتهد في العلم والتربية والدعوة. وجمع بين تأليف الكتب وتربية الرجال”.
وباسم القطاع النسائي تناولت الكلمة الأستاذة أمان جرعود، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، فترحمت على الإمام المجدد، الذي قالت إنه رجل من العيار الثقيل وقامة من القامات الشامخة التي عرفت بتواضعها الكبير، وقالت إنه لم ترزأ فيه الجماعة لوحدها بل الأمة بأجمعها. وقالت “كان حريصا كل الحرص على إحياء نموذج الصحابيات اللائي تخرجن من مدرسة النبوة، حارب وأد النساء فعلا ومعاملة وسلوكا وممارسة”. وعن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني تحدث الشيخ عمر الفتح سيدي عبد القادر وقال “عشرات الملايين يشهدون بما قدمه هذا الرجل”، وأضاف “إن هذا الشيخ ترك لنا طريقا سالكا واضحا، وكان عاملا من عوامل الوحدة”، وختم بقوله إن الشيخ ترك لكم عبئا ثقيلا وحملا ثقيلا.من جهته الأستاذ محمد الحبابي، أحد مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والقيادي بحزب الاتحاد الاشتراكي، أثنى على الراحل وذكر بعض مناقبه، وشدد على عناية الله التي حفته في مسيرته التربوية الدعوية ومساره الجهادي البنائي.
أما الحقوقي المغربي الكبير النقيب عبد الرحمن بن عمر فتطرق لجوانب من مساره الحقوقي والقانوني الطويل في دفاعه عن المظلومية التي لحقت بالشيخ الجليل، وعرج على صحبته له خلال سجنهما معا في سجن لعلو بسلا أواسط الثمانينات. وشدد على ملامسته للصدق والثبات الذي يتميز به الرجل. وقال “إننا نؤمن بأن الشرعية الحقيقية هي شرعية الشعب ونحن نتعامل مع العدل والإحسان على هذا الأساس”.وبدوره المحامي والحقوقي الأستاذ خالد السفياني قال عن الإمام “عرفته معرفة حقيقية وعميقة خلال فترة الحصار حين كنا ننفلت من الحراس حتى نلتقيه”، وأردف قائلا “إنه رمز حقيقي واستثنائي بالنسبة للوطن وللأمة جمعاء”، وتطرق لاستعداد الراحل للشهادة والصمود من أجل قول الحق، واعتبره ملكا للوطن وللإنسانية. وختم بالقول “وما جنازة اليوم إلا جزء من الاعتراف بما يحظى به من محبة شرائح واسعة من المجتمع”.
أما الباحث والكاتب الدكتور محمد ظريف فقال بأن الإمام المجدد عبد السلام ياسين “آمن بفكرة وحولها إلى مشروع وحصنها بتنظيم قوي، حصن المغرب وضمن استقراره وسلمه”، وأضاف “ما تعرض رجل للظلم كما تعرض له فكر الرجل وأدبيات الجماعة”، وختم قائلا “لا ينبغي أن يُحتكر فكر الأستاذ عبد السلام ياسين، ففكر الرجل هو ملك للأمة والإنسانية جمعاء، فهو رجل ابتلي فصبر، وظلم فغفر، وقاوم ولم يساوم”.
ودأبا على عادته في مثل هذه المناسبات الكبيرة قرأ الأستاذ منير الركراكي قصيدة كتبها بالمناسبة، ذكر فيها عددا من مناقب الراحل وشيمه ومكارمه، وفكره ومآثره، وجماعته التي أسسها وربى رجالها على منهاج رسول الله الكريم صلى الله عليه وسلم.
أما ممثل حزب البديل الحضاري الأستاذ العربي بوعياد فتطرق بدوره لمكانة الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين، وقامته الفكرية والعلمية والتربوية، وذكّر بمكانة الأولياء عند الحق سبحانه مستحضرا الحديث القدسي “من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب”، وتحدث عن الراحل وربانيته وبعده التربوي والإحساني.
وفي الأخير، وباسم جماعة العدل والإحسان، شكر الأستاذ فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم الجماعة، جميع الحاضرين من الضيوف والوفود والمعزين، وثمن ما تحدث به وعنه المتدخلون، واعتبر أن مسألتين ساعدتا في بلوغ مشروع المنهاج النبوي ومدرسة العدل والإحسان هذا المستوى من النجاح، الأولى هي الأسرة الصغيرة التي حملت وعانت وضُيِّق عليها وبذلت من حياتها لأجل هذه الأمة وهذا المشروع، والثانية هي الجماعة التي أسسها الرجل والرجال والنساء الذين رباهم وربطهم بالآخرة وبالأمة، وختم بالقول “نؤكد أننا سنبقى على العهد وعلى الوعد، ولن نبدل ولن نغير”.
وقد كان واسطة عقد حفل التأبين المشهود عرض تسجيل الوصية المسموعة التي وجهها الإمام المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله إلى أعضاء الجماعة وأمة الإسلام عامة، والتي سجلت يوم 25 ذي الحجة 1422، والتي ننشرها كاملة لاحقا، يوصي فيها رحمه الله تعالى بالتحاب في الله، وبالأخوة، وبالصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة، وبالصلاة في المسجد، وبدعاء الرابطة، وببر الوالدين، وبالهمة العالية، وبالعدل والإحسان.
واختتم الحفل بآيات بينات من الذكر الحكيم، وبالدعاء، الذي تفضل به الأستاذ عبد الهادي بلخيلية عضو مجلس الإرشاد، للإمام ولأسرته ولجماعته وللأمة الإسلامية جمعاء.