بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي، المؤسسة النافذة بهيئة الأمم المتحدة، بخصوص قضية الصحراء ودعوته إلى اعتبار مقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب سنة 2007 حلا مناسبا لوضع حد لهذا النزاع الذي طال لأكثر من نصف قرن من الزمن، وشغل بال واهتمام الأطراف المتدخلة وخاصة المنظمة الدولية وهيئاتها الرئيسية (مجلس الأمن، الجمعية العمومية، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، برنامج الغذاء العالمي، بعثة المينورسو)، وخلق الكثير من التوتر بين بلدان المغرب العربي الكبير، أعلنت جماعة العدل والإحسان المغربية المعارضة عن موقفها من هذا القرار، وذلك من خلال إصدارها لبيان الأمانة العامة للدائرة السياسية الذي حمل الموقف الرسمي للجماعة من هذا المستجد، وكانت بذلك أكثر وضوحا وجرأة من معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية المغربية سواء منها المنخرطة ضمن المؤسسات الرسمية للدولة أو تلك المقاطعة لها.
صدر إذن موقف الجماعة من القرار الأممي ومن ملف الصحراء عموما، بحيث جاء أكثر وضوحا شكلا ومضمونا من حيثيات القرار وتداعياته على واقع ومستقبل هذا النزاع. وقد طرح -سيرا في نفس اتجاه قرار مجلس الأمن باعتبار مقترح الحكم الذاتي كأرضية لحل الملف- بعض الجوانب ذات الصلة بتفعيل الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، والتي وضع لها أربعة شروط، إذ أكدت الوثيقة/ البيان أن “مقترح الحكم الذاتي اذا تم تفعيله بشكل ديمقراطي وعادل وشفاف وحكامة جيدة، يمكن فعلا أن يكون فرصة لتنمية الأقاليم الجنوبية ومد ساكنتها صلاحيات واسعة في تدبير شؤونهم المحلية”. وهكذا يمكن التأكيد على هذه الشروط:
* الديمقراطية: بما تعنيه من حق الساكنة المحلية بمنطقة الحكم الذاتي في تسيير شؤونها بشكل فعلي من خلال تخويلها صلاحيات واسعة في تدبير شؤونها المحلية. وبما تعنيه كذلك الديمقراطية من قطع مع الانفرادية التي طبعت تدبير الملف منذ بداياته. وهو ما يقتضي منح سكان المنطقة حق اختيار ممثليهم الفعليين.
* العدالة التي ينبغي أن تشمل كل ساكنة منطقة الحكم الذاتي، سواء الموجودون بالمناطق الجنوبية حاليا أو القاطنين بالمخيمات، وذلك باختلاف مستوياتهم الاجتماعية أو انتماءاتهم القبلية أو مواقفهم من صراع الصحراء الذي عمر كثيرا. ومن ضمن جوانب العدالة كذلك العدالة المجالية مع الأماكن التي طالها التهميش نتيجة دورها في الصراع، ومن أبرزها مدينة طنطان وإقليمه الذي كان منطلقا لشرارة حرب الصحراء باعتبار أن جل قادة جبهة البوليساريو كانوا من أبناء الإقليم، ويعتبر تاريخيا ضمن “الصحراء الإسبانية” وإن تم وضعه خارج النزاع باعتباره استقل عن الاحتلال الإسباني منذ 1958.
* الشفافية في تطبيق الحكم الذاتي؛ من خلال الوضوح مع الشعب المغربي في تبيان الكلفة المادية والسياسية لتفعيل هذا المقترح، وهو الشيء الذي يقتضي عدم الخضوع لابتزاز بعض القوى النافذة دوليا مقابل تدخلها لتذليل العقبات الديبلوماسية والسياسية الحائلة دون تفعيل المقترح أو لابتزاز داخلي من طرف بعض الأطراف التي اعتادت توظيف الملف وتقلباته لخدمة مصالحها الضيقة. في جانب آخر الشفافية تعني تسيير المنطقة بشروط وأسس التدبير العصري للدول الحديثة الواضحة المعالم والمؤسسات خاصة في علاقة المركز بالأطراف والمناطق الخاضعة لسيادة وحماية البلد.
* الحكامة الجيدة التي تقتضي في أبسط مقتضياتها وضع الشخص أو الأشخاص المناسبين في أماكنهم المناسبة لكفاءاتهم وأدوارهم ومهامهم الإدارية والتأطيرية والاجتماعية، وخاصة في منطقة يفترض أنها تحتضن ساكنة أصولها القبلية متشابكة لكن بخلفيات متباينة وحاجيات متعددة.
وقبل ذلك وضع النصوص التنظيمية والمؤسسات التنفيذية الكفيلة بتسيير أمثل لمنطقة الحكم الذاتي، التي لن تعدو أن تكون سوى إحدى عينات وتجارب وربما نماذج للجهوية الموسعة التي تم طرحها منذ أمد ضمن التقسيم الجهوي للمغرب.
بقي أن نؤكد أن موقف الجماعة الذي يساير مضمون القرار الأممي وما كان يطرحه ويتبناه نظام الحكم المغربي، فإنه يبني كل ذلك على الوحدة الترابية للمغرب وعدم المساومة على أي جزء منها. كما ينص على ضرورة رعاية شؤون ومصالح المغاربة وطموحاتهم في ظروف حياتية ومعيشية مقبولة، وعدم تسخير مقدرات البلد ومصالح الشعب للتغطية على إخفاقات السياسة الخارجية للدولة.