مقدمة
تعتبر العشرة الزوجية من أهم جوانب الحياة الزوجية، فهي تؤثر بشكل كبير في استقرار العلاقة الزوجية، وتقوي الروابط بين الزوجين. يمكن تعريف العشرة الزوجية على أنها المعاملة والاتصال بين الزوجين في إطار الاحترام المتبادل والمودة والتفاهم، وهي أساس لبناء علاقة صحية ودائمة. ففي غياب عشرة زوجية تسودها المودة والرحمة نخاف من آثارها السلبية على النشء كما يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: (إذا كانت العشرة الزوجية معتلة فالأمومة مُعَوَّقة والذريَّةُ ترضَع الآلام) 1. ولهذا سنفصل في بحثنا هذا أهمية العشرة الزوجية، وأسسها، وطرق تعزيزها.
1. تعريف العشرة وحكمها
العشرة الزوجية هي أسلوب الحياة اليومية الذي يتبعه الزوجان في التعامل مع بعضهما البعض، والذي يتضمن جميع الأبعاد المادية والعاطفية والنفسية للعلاقة. يمكن أن تتفاوت العشرة بين الأزواج باختلاف الثقافات والعادات والبيئة الاجتماعية، ولكنها تبقى في جوهرها تمثل العلاقة التعاونية بين الزوجين المبنية على الاحترام والرغبة في إرضاء الآخر. وهي:
· لغة: العِشْرَةُ: الـمخالطة؛ عاشَرْتُه مُعاشَرَةً، واعْتَشَرُوا وتَعَاشَرُوا: تـخالطوا؛ وعَشِيرَة الرجل: بنو أَبـيه الأَدنونَ، وقـيل: هم القبـيلة. والـجمع عَشَائر، والعَشِيرَةُ العامّة مثل بنـي تميم وبنـي عمرو بن تميم. والعَشِيرُ القبـيلة. والعَشِيرُ الـمُعَاشِرُ. والعَشِيرُ: القريب والصديق، والـجمع عُشَراء. وعَشِيرُ الـمرأَة: زوجُها لأَنه يُعاشِرها وتُعاشِرُه كالصديق والـمُصَادِق؛ والعَشِيرُ: الزوج. وقوله تعالى: لَبِئْسَ الـمَوْلـى ولَبِئْسَ العَشِير [الحج: 13]؛ أَي لبئس الـمُعاشِر. ومَعْشَرُ الرجل: أَهله. والـمَعْشَرُ: الـجماعة، متـخالطين كانوا أَو غير ذلك. والـمَعْشَر والنَّفَر والقَوْم والرَّهْط معناهم: الـجمع، لا واحد لهم من لفظهم، للرجال دون النساء. والعَشِيرة أَيضاً الرجال والعالَـم أَيضاً للرجال دون النساء. وقال اللـيث: الـمَعْشَرُ كل جماعة أَمرُهم واحد نـحو مَعْشر الـمسلـمين ومَعْشَر الـمشركين. والـمَعاشِرُ: جماعاتُ الناس.
· اصطلاحا: هي ما يكون بين الزوجين من الألفة والانضمام، أو هي الأخلاق التي تقتضيها المخالطة بين الزوجين.
والمعاني اللغوية السابقة، والاستعمال الشرعي له يدل على هذا، فقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19]، قال ابن العربي: (حقيقة [عشر] في العربية الكمال والتمام، ومنه العشيرة، فإنه بذلك كمل أمرهم وصح استبدادهم عن غيرهم، وعشرة تمام العقد في العدد، ويعشر المال لكماله نصابا، فأمر الله سبحانه الأزواج إذا عقدوا على النساء أن يكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على التمام والكمال، فإنه أهدأ للنفس، وأقر للعين، وأهنأ للعيش) 2.
2. أهمية العشرة الزوجية
– تعزيز الاستقرار العاطفي: إن العشرة الزوجية الجيدة تسهم في استقرار الحياة العاطفية لكل من الزوجين، حيث يشعر كل منهما بالراحة والأمان في العلاقة. وقد رأينا انطلاقا من قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21] أن العشرة الزوجين تقوم على أساسين هما:
* المودة التي تربط بين الزوجين، فتملأ حياتهما بالسعادة والسرور، وهو مقصد من مقاصد الزواج الكبرى كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا نظر إليها سرته) [رواه أبو داود والحاكم].
والود بمفهومه اللغوي: مصدر الـمودَّة، وهو الـحُبُّ الجامع لمَداخِـل الـخَيْر، والوَدِ وهو الذي يعني الأمنية مثل قوله تعالـى: يَوَدُّ أَحَدُهم لو يُعَمّر أَي يتمنى، والمودة؛ تقول: بودِّي أَن يكون كذا؛ وقوله تعالى: قل لا أَسأَلكم علـيه أَجراً إِلا الـمودَّة فـي القُربى؛ معناه لا أَسأَلكم أَجراً علـى تبلـيغ الرسالة ولكنـي أُذكركم الـمودّة فـي القربى؛ والوَدُودُ فـي أَسماء الله عز وجل، الـمـحبُّ لعباده.
* الرحمة التي تتعالى على المصالح الشخصية والأهواء الذاتية، فتغلب المصلحة العامة على الأذواق المتقلبة.
– تحقيق التفاهم والانسجام: عندما تكون العشرة بين الزوجين قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل، يسهل حل المشاكل التي قد تحدث، ويزيد من فرصة الاستمرار في العلاقة على المدى الطويل.
– الارتقاء بالعلاقة الحميمية: العلاقة الحميمية بين الزوجين تتأثر بشكل مباشر بالعشرة الزوجية. العناية والتفاهم يعززان الروابط العاطفية والجسدية بين الزوجين، مما يساهم في تحسين جودة حياتهما الحميمية.
– دور العشرة في التربية الأسرية: تؤثر العشرة الزوجية بشكل غير مباشر على تربية الأبناء، حيث يشعر الأبناء بالأمان والاستقرار في بيئة يسودها الاحترام والمودة بين الوالدين. العشرة الجيدة تؤدي إلى نموذج صحي للزواج والأسرة يمكن أن يتبعه الأبناء في حياتهم المستقبلية.
3. أسس العشرة الزوجية
استنادا إلى أمر الله تعالى بالمعاشرة بالمعروف، فقد ذكر العلماء كثيرا من مظاهر المعاشرة بالمعروف، منها ما يتعلق بالحقوق المادية للزوجة من المهر والنفقة، ومنها ما يتعلق بالحقوق المعنوية، وقبل أن نحاول حصر الأسس التي تقوم عليها المعاشرة بالمعروف، نأتي إلى ما قاله مالك رضي الله عنه: ينبغي للرجل أن يحسن إلى أهل داره حتى يكون أحب الناس إليهم، قال في المختصر: وهو في سعة من أن يأكل من طعام لا يأكل منه عياله، ويلبس ثيابا لا يكسوهم مثلها، ولكن يكسوهم ويطعمهم منه، وأكره أن يسأل الرجل عما أدخل داره من الطعام، ولا ينبغي أن يفاحش المرأة ولا يكثر مراجعتها ولا تردادها 3.
ويمكن أن نحدد بعض أسس العشرة الزوجية فيما يلي:
– الاحترام المتبادل: يعد الاحترام أساسًا رئيسيًا في أي علاقة زوجية ناجحة. كل طرف يجب أن يحترم الآخر في أفكاره، ومشاعره، وقراراته. الاحترام يعزز الشعور بالكرامة والاعتزاز بالنفس بين الزوجين.
– التفاهم والتواصل: إن القدرة على التواصل الجيد بين الزوجين تعتبر من أهم أسس العشرة الزوجية. يجب أن يكون هناك تبادل للأفكار والمشاعر بصدق وشفافية، والقدرة على فهم مواقف الآخر من دون تسرع أو حكم مسبق.
– الاهتمام والرعاية: العناية بالآخر سواء في جوانب الحياة اليومية أو في الأوقات الصعبة تعكس مدى جدية الزوجين في الحفاظ على العلاقة. الاهتمام بالجوانب الصغيرة، مثل السؤال عن الأحوال، يمكن أن يعزز العشرة بين الزوجين.
– المشاركة في المسؤوليات: يجب أن يتعاون الزوجان في تحمل المسؤوليات المنزلية وتربية الأبناء. توزيع الأعباء بشكل عادل يخفف من الضغوط على أحد الطرفين ويزيد من التفاهم المتبادل.
– المرونة والتسامح: الحياة الزوجية مليئة بالتحديات، ولذا يجب أن يكون الزوجان مرنين في التعامل مع بعضهما البعض. التسامح يعين الزوجين على تجاوز الأوقات الصعبة والمشاكل التي قد تنشأ، ويشجع على بناء علاقة قائمة على التفاهم.
4. طرق تعزيز العشرة الزوجية
– الأنشطة المشتركة: من أفضل الطرق لتعزيز العشرة الزوجية هي المشاركة في الأنشطة التي يحبها الزوجان معًا، سواء كانت رياضية، ثقافية، أو حتى مجرد الخروج في نزهات. هذه الأنشطة تعزز التواصل وتقوي الروابط.
– التعبير عن المشاعر: التعبير عن المشاعر بشكل صادق وبطريقة محببة يعزز من قوة العلاقة الزوجية. يجب على الزوجين أن يعبرا عن حبهما وتقديرهما لبعضهما البعض بطرق مختلفة، سواء بالكلمات أو الأفعال.
– تجنب التوترات والمشاكل الصغيرة: يجب على الزوجين أن يسعيان لتجنب المشاحنات والمشاكل الصغيرة التي يمكن أن تتراكم مع مرور الوقت وتؤدي إلى قطيعة أو تدهور في العلاقة. من الأفضل حل المشكلات الصغيرة فور ظهورها قبل أن تصبح أكبر.
– دعم بعضهما البعض: الدعم العاطفي والمادي بين الزوجين يساعد على بناء علاقة قوية ومستقرة. عندما يشعر كل طرف أن الآخر إلى جانبه في كل الأوقات، يصبح الارتباط العاطفي أقوى.
– الاستماع الجيد: من أهم العوامل في تحسين العشرة الزوجية هو الاستماع الجيد. يجب أن يتسم الزوجان بالقدرة على الاستماع إلى بعضهما البعض بصدق واهتمام، دون مقاطعة أو إصدار أحكام.
خاتمة
العشرة الزوجية هي الأساس الذي تقوم عليه العلاقة الزوجية الناجحة والمستقرة. من خلال الاحترام المتبادل، والتواصل الجيد، والرغبة في التفاهم، يمكن للزوجين بناء علاقة قوية تدوم طويلاً. العشرة الزوجية لا تقتصر على الجوانب المادية فقط، بل تشمل أيضًا العناية بالجانب العاطفي والنفسي لكلا الزوجين. تعزيز العشرة بين الزوجين يتطلب الجهد المستمر من كلا الطرفين، ويجب أن يكون هناك اهتمام دائم ببناء الثقة والتفاهم لضمان علاقة مستقرة وسعيدة.