مشاركة في ندوة بمناسبة اليوم الوطني العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة
لقي موضوع العنف ضد النساء اهتماما خاصا من طرف الفاعلين المؤسساتيين، والمتدخلين المهتمين بحقوق المرأة، باعتباره شكلا من أشكال التمييز الذي يعيق قدرتهن على التمتع بحقوقهن وحريتهن، ويعطل دورهن الأساسي في بناء الأسرة خاصة والمجتمع عامة. وظاهرة العنف ضد المرأة ليست ظاهرة جديدة بل هي موجودة منذ الأزل، كما أنها ليست ظاهرة حكرا على مجتمع معين بل هي موجودة في جميع المجتمعات، سواء كانت العربية أو الغربية. فقبل الإسلام كان هناك مجموعة من مظاهر العنف كوأد البنات، وكانت قيمة المرأة ضعيفة في المجتمع، ثم جاء بعد ذلك الإسلام ليكرمها وينهى عن تعنيفها، وهذا ما نجده في الكثير من الأحاديث، حيث توسعت حقوق المرأة لتشمل حق الميراث والتملك والزواج والنفقة وحقوق أخرى، لكن بالرغم من ذلك نجد أن المرأة مضطهدة سواء في بلاد المسلمين أو في غيرها وهذا يعود لمجموعة من الاعتبارات، لكن قبل التطرق إليها لابد من تحديد مفهوم العنف وأنواعه لنصل بعد ذلك لأسبابه، وفي الأخير السبل التي يجب أن نطرقها للتخلص من هذه الظاهرة أو على الأقل التخفيف منها.
المفهوم اللغوي والاصطلاحي للعنف: العنف لغة ضد الرفق، وهو المعاملة الشديدة القسوة. أما اصطلاحا فلم يعط الباحثون تعريفا محددا للعنف لتعدد دلالات المفهوم واختلاف المنطلقات التي تناولت مفهوم العنف، لكن يمكن اعتباره هو ذاك السلوك المادي أو المعنوي وتتبعه قوة إيذاء جسدي ونفسي، وهو ظاهرة اجتماعية تؤدي إلى نتائج سلبية على المجتمع.
وقد عرفته هيئة الأمم المتحدة في الإعلان العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الصادر في 1993م، بأنه: “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس، ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة”.
والواضح من هذا التعريف أنه تحدث عن فعل العنف الذي تتعرض له المرأة من قبل الرجل فقط، فماذا عن العنف الذي تتعرض إليه أمام المستشفيات من أجل الحصول على حقها في التطبيب، وفي المعامل من طرف المشغل، وكذا في المرافق العمومية؟
أما المشرع المغربي فقط عرف العنف في المادة الأولى من القانون رقم 13-103 على أنه: ” كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”.
ويقصد بالامتناع هنا، الامتناع عن تقديم المساعدة شرط أن يترتب عليه ضرر، وهنا نواجه صعوبة الإثبات، فكيف للمرأة أن تثبت أنها تعرضت لتعنيف معنوي؟
أنواع العنف
العنف أنواع نذكر منه:
العنف الجسدي: وهو السائد، أي باستخدام القوة البدنية.
العنف اللفظي: ويكون من خلال إهانة المرأة والحط من كرامتها باستعمال ألفاظ مسيئة.
العنف الاقتصادي: ويشمل محدودية وصول المرأة إلى الأموال، والتحكم في مستوى حصولها على الرعاية الصحية، العمل، التعليم، بالإضافة إلى عدم مشاركتها في اتخاذ القرارات المالية وغيرها.
العنف الجنسي: وهو كل قول أو فعل أو استغلال من شأنه المساس بحرمة جسد المرأة لأغراض جنسية أو تجارية أيا كانت الوسيلة المستعملة في ذلك.
وقد ظهر أيضا العنف الإلكتروني، وذلك من خلال استعمال وسائل التواصل الاجتماعي واستغلال المعطيات الشخصية لترهيب المرأة وتعنيفها نفسيا.
مسببات العنف
أما عن مسببات العنف فهناك مجموعة من العوامل أو الدوافع التي يمكن أن تكون سببا للعنف من بينها:
– الدوافع الاجتماعية: تتمثل في مجموعة من الأعراف التي تفضل الرجل على المرأة، فالمجتمع الذكوري لا يتقبل فكرة أن المرأة شقيقة الرجل، حيث يرى أنها كائن أقل منه لأنها أضعف منه بدنيا، ناهيك عن عادات الزواج المبكر والزواج القسري والتي تكون في كثير من الأوقات سببا من مسببات العنف، وفي بعض الأحيان يكون الفهم الخاطئ للدين على أساس أن الرجال قوامون على النساء، غير أن القوامة أساسها تحمل الالتزامات المادية والمعنوية اتجاه المرأة، وليس بسط وفرض السيطرة عليها إما بالرضا أو بالعنف، وهناك من يقول أن القرآن جاء فيه ضرب المرأة، أي أنه يجوز تعنيفها شرعا وهو أمر مردود عليه، فحتى معاني الضرب في اللغة العربية فهي مختلفة، فنجد أنه يضرب في الأرض أي يبتعد وضرب الخيمة أي إنشائها، وحتى وإن جاء مفهوم الضرب في سياق الآية يعني التأديب، فهو لا يقصد به الضرب المبرح كما أنه يتحدث عن صنف معين من النساء (واللاتي تخافون نشوزهن)، كما أنه آخر الحلول، ومنه لا يمكن القول بأن الضرب هو مباح شرعا.
– الدوافع النفسية: تعرض الطفل للإيذاء ومشاهدة العنف بين والديه، فيصبح لديه سلوك العنف أمر طبيعي تقتضيه ظروف الحال لمعالجة المشاكل.
– الدوافع الاقتصادية: أي الضغوطات المادية للحياة، والظروف الاقتصادية الصعبة، خاصة مع تفشي البطالة وغلاء المعيشة وضعف دخل المواطن الذي يجد نفسه غير قادر عل توفير ضروريات الحياة، مما يشكل ضغطا نفسيا كبيرا ينتج عنه سلوكيات عنيفة.
آثار العنف ضد المرأة
وتجدر الإشارة هنا أن آثار العنف لا تعاني منها المرأة وحدها بل الأسرة برمتها وخاصة الأطفال.
الآثار الصحية والنفسية: حيث تتعرض المرأة لإصابات جسدية، والتي يمكن أن ينتج عنها في بعض الأحيان عاهات مستديمة، ناهيك عن الأمراض النفسية كالاكتئاب وغيرها.
الآثار الاجتماعية والاقتصادية: بحيث تصبح المرأة منعزلة عن المجتمع، ولا تستطيع المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، كزيارة الأهل والأصدقاء، مرافقة الأبناء إلى المدرسة… بالإضافة إلى عدم قدرتها على العمل والإنتاج.
حلول للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة
للقضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة لابد أن تتضافر جميع الجهود، من طرف جميع الفاعلين سواء تعلق الأمر بالمجتمع المدني أو الفاعلين المؤسساتيين.
حلول اجتماعية:
– نشر الوعي بين الأفراد حول مخاطر العادات والتقاليد التي تعود بآثار ضارة على حياة المرأة بصفة خاصة، والأسرة بصفة عامة. وحول الظروف السيئة التي تواجهها النساء في الأرياف، وتثقيف المجتمع بحقائق انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة.
– تدريب المرأة وتعزيز قدرتها على كسب المال، إلى جانب دعم أسرتها.
– تشجيع مشاركة المرأة في العملية السياسية والتنمية الاقتصادية.
حلول من قبل الأسرة:
– تثقيف الأسرة وزيادة وعي أفرادها بضرورة نبذ العنف.
– اعتماد مقاربة الحوار والتشاور في حل المشاكل، وتغليب طابع الرحمة والمودة والاحترام عوض التعصب للرأي، وفرضه بالقوة.
– الرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف، التي تحث على المودة والرحمة واللين وتعظيم مكانة المرأة.
حلول من قبل المؤسسات التعليمية:
– يعد التعليم ركيزة أساسية في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما أقصده بالمساواة، ليس أن يعطى للمرأة ما يعطى للرجل، وإنما المساواة التي تحقق العدالة الاجتماعية.
– منع العنف ضد المرأة وذلك من خلال تهيئة بيئة علمية آمنة لجميع التلاميذ والطلبة.
– تشجيع المرأة على التعلم من خلال تحدي الصعوبات الناشئة بفعل الأعراف الثقافية للمجتمع.
– تركيز المدرسة على الحد من عدوانية الطلاب.
– إكساب التلاميذ والطلبة فنون التعامل وبناء علاقات تقوم على الاحترام بين الجنسين.
حلول من طرف الدولة:
– يضم القانون الجنائي مجموعة من المقتضيات الزجرية التي تجرم العنف ضد المرأة، سواء تعلق الأمر بالعنف الجنسي، أو الاقتصادي كإهمال الأسرة، وكذا العنف الإلكتروني الذي يكون من خلال بث صور وأقوال دون موافقة صاحبة الشأن، وهو أمر أصبح شائعا في الآونة الأخيرة مما حدا بالمشرع إلى إصدار قانون 13-103 المتعلق بالعنف ضد النساء سنة 2018، وذلك من أجل التصدي لمختلف أنواع العنف الذي يمكن أن تتعرض إليه المرأة، والذي دخل حيز التنفيذ في نونبر 2019، حيث جاء بمجموعة من المقتضيات ذات البعد الزجري والحمائي، فقد تم التنصيص على إحداث لجنة وطنية للتكفل بضحايا العنف باعتبارها آلية مؤسساتية جديدة مختصة في قضايا العنف ضد النساء، والتي طرحت مجموعة من الحلول منها ما تم تطبيقه، ومنها ما يزال مقيدا بصعوبة التنفيذ.
ومن بين الخدمات والحلول المقدمة:
– العمل على إبقاء المرأة المعنفة في بيت الزوجية، فلا يسمح للزوج بطردها، فهي تبقى فيه بقوة القانون، ويعتبر هذا المقتضى من المستجدات التي جاء بها القانون السالف الذكر.
– تعميم مراكز الإيواء، وحل صعوبة الولوج إليها.
– تدارك النقص في العنصر البشري (المساعدات الاجتماعية).
– إعداد أماكن خاصة لاستقبال المعنفات لدى الدرك والشرطة.
– تعزيز التقاضي وسبل الانتصاف، وذلك من خلال إحداث قضاء مختص أو جلسات خاصة.
– تمكين النساء المعنفات من الاستفادة من المساعدة القضائية.
– إحداث خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف، بالمحاكم الابتدائية وكذا محاكم الاستئناف، وبالمصالح المركزية واللامركزية للقطاعات المكلفة بالصحة وبالشباب وبالمرأة، وكذلك المديرية العامة للأمن الوطني والقيادة العليا للدرك الملكي، هدفها الإنصات للنساء المعنفات ومحاولة إيجاد حلول ناجعة.
لكن لا يخفى على أحد الصعوبات التي تجدها النساء المعنفات من أجل اقتضاء حقهن، ومن أهمها الصعوبات المادية التي تتطلبها المساطر الواجب اتباعها ابتداء من الشواهد الطبية وصولا إلى قاعات المحاكم، ناهيك عن الأعراف والتقاليد التي تحث المرأة على الصبر على الأذى وعدم المطالبة برفع الظلم عنها.
لكن ما يجب الإشارة إليه هو أن الحل الأمثل والأنجع الذي ليس له بديل هو في يد المرأة نفسها، من خلال تربية الجيل الناشئ على احترام المرأة وتعظيم مكانتها في المجتمع، ومن خلال عدم التمييز بين الذكور والإناث في التربية وإعطاء الولد قيمة مضافة على حساب البنت، وكذا محاربة العنف من خلال التخلي عنه هي نفسها في تربية الأطفال، ومحاولة التصدي للخلافات بالنقاش والحوار بعيدا عن مرأى ومسمع الأطفال. الحل هو رجوع الزوجين معا إلى تعاليم ديننا الحنيف التي تحقق التوازن والعدالة الاجتماعية لكلا الطرفين، ليأتي بعد ذلك سلوك المساطر القانونية عند تعذر الوصول إلى المبتغى.
وفي الأخير أقول إنه يجب تسليط الضوء على العنف الذي تتعرض له المرأة من قبل مختلف الأطراف، فلا يمكن حصره في العنف الأسري، فالعنف الذي تتعرض له المرأة العاملة في الحقول والمصانع أشد وقعا، وكذا العنف الذي تتعرض له المرأة عند مطالبتها بأبسط الشروط التي تحقق لها العيش بكرامة كالحق في التطبيب والتعليم والتوظيف يكون أشد، ومنه لابد من تسليط الضوء على العنف الذي تتعرض له المرأة في شتى المجالات دون حصره في زاوية معينة.
إن نجاح المرأة هو نجاح الأسرة، ونجاح الأسرة هو نجاح المجتمع، لذلك يجب أن تتضافر مجهودات جميع الفاعلين للنهوض بالمرأة حتى تؤدي دورها في بناء المجتمع على أتم وجه.