المحامي والحقوقي قنديل: الشهيد عماري تعرض للاغتيال مع سبق الإصرار

Cover Image for المحامي والحقوقي قنديل: الشهيد عماري تعرض للاغتيال مع سبق الإصرار
نشر بتاريخ

قدم المحامي والفاعل الحقوقي ميلود قنديل عن الفيدرالية المغربية لحقوق الإنسان، بعض النصوص القانونية التي تثبت الخروقات التي عرفتها قضية الشهيد كمال عماري، وكذلك بعض القرائن التي تثبت أن الشهيد “قد تعرض للاغتيال مع سبق الإصرار”، وذلك خلال مشاركته في الندوة الحقوقية والقانونية التي شكلت المحطة الأولى من برنامج فعاليات تخليد الذكرى 12 لارتقاء الشهيد كمال عماري، والتي كان موضوعها “عنف السلطة والإفلات من العقاب”.

وكان ميلود قنديل يتحدث في ندوة نظمتها “جمعية عائلة وأصدقاء الشهيد عماري كمال” في ذكرى استشهاده الثانية عشرة، يوم الأربعاء 31 ماي 2023، إلى جانب المحامي والحقوقي عبد الحق بنقادى عن الفضاء المغربي لحقوق الإنسان، والفاعل الحقوقي أحمد زهير عن الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، بمشاركة أب الشهيد الحاج عبد الرحمن عماري.

ووجّه قنديل التحية لعائلة الشهيد التي صمدت طيلة هذه المدة، ولأزيد من اثنتي عشرة سنة، معتبرا أن من يصمد في مثل هذا الواقع لا يسعنا إلا أن نرفع له القبعة، وأن نقدم له ألف تحية وألف إكبار وإجلال، خاصة أن كثيراً ممن هضمت حقوقهم اضطروا رهبة أو رغبة إلى التراجع عن مطالبهم.

وتوقف المتحدث أساسا عند بعض المواد التي ضُمنت في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، باعتباره أسمى قانون على المستوى الدولي، حيث انطلق من المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي جاء فيها “لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات“، موضحا أننا عندما نتكلم عن جميع الحقوق والحريات فنحن نتكلم عن أسمى حق وأقدسه ألا وهو الحق في الحياة، والتي هضمت وصودرت للشهيد كمال العماري بإصرار من رجال الأمن إبان تفريقهم للمظاهرة التي شارك فيها.

وانتقل المتحدث إلى المادة الثالثة من نفس القانون التي تنص على أنه “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وفي الأمان على شخصه“. ثم المادة السابعة من نفس القانون التي تنص على أن “الناس جميعا سواء أمام القانون“، وهو الفصل الذي تم خرقه من خلال عدم تمكين عائلة الشهيد من المحاكمة العادلة، ومن أن يكونوا كلهم كباقي المواطنين جميعا سواء أمام القانون. ثم المادة الثامنة التي تنص على أنه “لكل شخص حق اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلي” وهذه العائلة توجهت إلى المحاكم، لكن للأسف الشديد أبت السلطات المغربية إلا أن تضيف عقدا آخر من الهضم للحق في التقاضي، هذه المادة تم تدميرها وخرقها من خلال إصرار السلطات المغربية على أن تنهي ملف الشهيد كمال عماري بتلك الطريقة التي من خلالها قضت محكمة النقض برفض الطلب الذي تقدم به دفاعه. ثم المادة العاشرة التي تنص على أنه “لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة” وهو الأمر الذي افتقدناه في قضية الشهيد كمال عماري.

هذه بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والحقوق التي نص عليها، والأصل أن تحميها مؤسسات الدولة، لكن للأسف الأمر الذي عشناه في هذا الملف هو العكس، كما في ملفات أخرى، على اعتبار أن ملف الشهيد كمال عماري هو واحد من آلاف الملفات التي لم تطفو إلى السطح، والتي من خلالها يتأكد أن السلطات المغربية للأسف الشديد وكعادتها لا يسعها إلا أن تخرق كل المواثيق والعهود الدولية. يؤكد قنديل قبل أن يعرج على بعض الفصول المضمنة بالدستور المغربي، حيث اعتبر أن الترسانة التشريعية للقانون المغربي هي “منظومة يحتذى بها”، إلا أنه استدرك بالقول بأنه “للأسف تبقى حبرا على ورق”.

فالدستور المغربي الذي أتى في 2011 في الفصل العشرين ينص أن “الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان ويحمي القانون هذا الحق“، وهو  فصل راق وممتاز -يضيف المتحدث- إلا أنه للأسف هو والواقع لا يلتقيان. ثم في الفصل 21 الذي ينص على أن “لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه وحماية ممتلكاته“، هذا الفصل على المستوى النظري ينص على حق مقدس لكل شخص، لكن ما عشناه في ملف كمال عماري هو عكس هذا، وهو ضرب في الصميم لهذا الفصل. كذلك الفصل 22 الذي يقول “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية“؛ فصل واضح، ولكن الموضوع الذي نحن الآن بصدده يؤكد على أن هذا الفصل للأسف الشديد لم يتم تنزيله إلى الأرض. أضف إلى ذلك الفصل 120 الذي ينص على أنه “لكل شخص حق في محاكمة عادلة“، وبطبيعة الحال عندما نعرضه على ملف الشهيد نجد بأن هذا الفصل لم يتم للأسف الشديد تفعيله وتنزيله.

وبعد أن أثبت قنديل من خلال الفصول القانونية أن واقعة الشهيد كمال عماري كانت ضربا صارخا للمواثيق الدولية وكذا لأسمى قانون في البلاد الذي هو الدستور المغربي، انتقل إلى تقديم بعض القرائن التي تثبت أن الشهيد كمال عماري “قد تعرض للاغتيال مع سبق الإصرار”.

وجعل الفاعل الحقوقي من تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان المصدر الأساس للحديث عن هذه القرائن، التي عندما نعود إلى بعض الوقائع الواردة فيها نجدها واضحة وبينة ولا لبس فيها، ونتأكد أن الشهيد كمال عماري تم اغتياله وبإصرار، خاصة وأن التقرير صادر عن مؤسسة رسمية تابعة للدولة.

أول ما نجد بالتقرير هو الإفادات التي استمعت إليها اللجنة الموفدة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي أثبت من خلالها من تم الاستماع إليهم أن هناك من تحدث عن معاينته لواقعة الاعتداء على الشهيد كمال عماري وحدد المكان، وتحدث بدقة عن الوقائع، بحيث هناك من قال بأنه أثناء الاعتداء على الشهيد كمال عماري كان خمسة إلى سبعة أفراد من رجال الأمن يرتدون زيا مدنيا، وأكد أنهم ينتمون آنذاك إلى فصيلة الصقور، هذا الأمر جاء على لسان أعداد كثيرة، يعني تواترت هذه الواقعة على مجموعة ممن تم الاستماع إليهم بآسفي.

وتوضيحا لسنده في الحكم على الاغتيال أنه كان مع الإصرار، قال: “بالعودة إلى التقرير سنجد أن هناك من بين من تم الاستماع إليهم أكد أنه تم الاعتداء على الشهيد كمال عماري، وحاول الفرار بجلده ثم تمت ملاحقته مرة ثانية، هذا هو الإصرار، يعني الإصرار على قتل الشهيد، وهناك من تحدث أن ضرب الشهيد كان في أماكن حساسة من جسده. إذا هذه قرينة على أن الشهيد تم اغتياله من طرف رجال الأمن، وبطبيعة الحال بأمر أو تحت مسؤولية وزارة الداخلية.

أيضا هناك من الشباب الذين كانوا آنذاك تحدثوا عن أنهم هم كذلك تعرضوا للاعتداء، وقد عاينت اللجنة الموفدة من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان آثار العنف على أجساد هؤلاء الذين تم الاستماع إليهم. ثم هناك منهم من أكد على واقعة خطيرة جدا، وهو أنه كان يتم حملهم في السيارات ويتم إبعادهم خارج المدينة، ما بين عشرة إلى أربعين كيلومترا، وللإشارة فإن هذا الأمر وقع في مجموعة من الأحداث، سبق لي أن استمعت إلى أحد المناضلين إبان أحداث سيدي إفني فأكد لي أيضا هذا الفعل، واقعة أنه كان يتم حمل المناضلين خارج المدينة ويتم رميهم في الخلاء، وهذا طبعا لا يمكن توصيفه إلا بأنه جريمة تقوم بها مؤسسة رسمية للدولة المغربية.

بالإضافة إلى المرحوم إدريس الأزمي، الرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، تحدث عن الأمر إبان إلقائه أمام البرلمان المغربي يوم الاثنين 16 يونيو 2014، وقد تحدث عن واقعة آسفي بالاسم، وهذه قرينة تؤكد أن الشهيد كمال عماري تعرض للاعتداء والاغتيال من طرف رجال الأمن بآسفي، وقد تمت تصفيته إبان الحراك الذي عرفه المغرب سنة 2011″.

تأسيسا على كل هذه القرائن أكد الفاعل الحقوقي “أن الشهيد كمال عماري تم اغتياله، ومصادرة حقه في أن يتمتع ذويه بمحاكمة عادلة أو يصلون إلى الجاني”، وهو أمر “لا يمكن قبوله لا واقعيا ولا منطقيا ولا حتى قانونيا، نظرا لوجود إثباتات تؤكد أن الشهيد كمال عماري تعرض للاعتداء من طرف رجال السلطة وقد تم تحديدهم من خلال التقرير الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان”. 

وزاد موثقا: “هناك مجموعة من المنظمات ذات المصداقية التي أنجزت تقارير في الموضوع، وأكدت واقعة الاعتداء التي تعرض لها الشهيد كمال عماري، نتحدث عن الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان الذي حضر في الجنازة وأكد أن الشهيد كمال عماري تعرض للاغتيال. هناك أيضا منظمة التحالف الدولية أصدرت بيانا تؤكد فيه على واقعة الاعتداء. ثم هناك موقف المرصد المغربي للحريات العامة والوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. نتحدث عن هذه الجمعيات والمنظمات، وكونها اتفقت على واقعة الاعتداء التي تعرض لها كمال عماري، لنؤكد على القرائن التي سبق الإشارة إليها”.

وختم قنديل مداخلته بالتشديد أن السلطات المغربية حاولت ما أمكن أن تطمس الحقيقة، معلنا أنهم “كفيدرالية مغربية لحقوق الإنسان يعتبرون الدولة مسؤولة مسؤولية كاملة على هذا الاغتيال، وعلى عدم إعطاء فسحة للقضاء للبحث في الأمر، ونؤكد أن هذه الجريمة لا تتقادم، وأن عائلة الشهيد محقة في أن تحصل على المبتغى من خلال فتح تحقيق جدي مع المعتدين، ومع كل من ثبت تورطه في هذه الجريمة”. وأنهم كمهتمين بالشأن الحقوقي في المغرب “غايتهم المثلى من كل هذا هو أن نعيد للقضاء المغربي تلك الثقة المفقودة من طرف المواطن المغربي، وللأسف مثل هذه الملفات تزيد من تفاقم عدم ثقة المواطن المغربي بالقضاء المغربي”.