افتتحت الأستاذة بشرى عصعوصي مداخلتها الموسومة بـ”الدعامة القيمية عند المرأة الداعية”، خلال ندوة “المرأة الداعية وسؤال القيم” التي نظمتها الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان، ونشرتها قناة الشاهد الإلكترونية مساء الخميس 8 يونيو، بتعريف الأخلاق؛ لغة بكونها “التخلق والدين والطبع والسجية”، واصطلاحا في الفكر الإسلامي بكونها “مجموعة من المبادئ و القواعد الناظمة للسلوك، يحددها الوحي كما يحدد علاقة الناس بغيرهم على نحو يحقق الغاية من وجودهم في هذا العالم”، وفي الفلسفة باعتبارها “دراسة معيارية للخير والشر. تهتم بالقيم المثلى، وتصل بالإنسان إلى الارتقاء عن السلوك الغريزي بمحض إرادته الحرة”، وفي علم الاجتماع بأنه “منظومة متكاملة لها قيمة كبيرة أساسها استحضار الخير والتصرف على أساسه”.
وأبرزت الباحثة في قضايا المرأة والأسرة، خلال مشاركتها في الندوة التي أدارتها الأستاذة السعدية الجغلالي، أهمية الأخلاق داخل النسيج المجتمعي؛ فهي سبب “حفظها وبقائها”، وغيابها يسبب “خراب المجتمع ودماره وانهيار كيانه”. والأخلاق “تزود المجتمع بالصيغة الملائمة التي تربط بين نظمه الداخلية المختلفة الاقتصادية والسياسية، وإحاطته بسياج يقيه التفكك والانحلال”.
انتقلت المتحدثة في محور ثالث لبسط الدعامات القيمية عند المرأة الداعية، مقدمة لذلك بالتأكيد على دورها المحوري “في معركة إحياء القيم الأخلاقية باعتبارها رسالة الله على الأرض، والسبيل الوحيد لبناء المجتمع وإصلاحه، والدرع الواقي من المسببات المؤدية لانهياره”. وركزت في العنصر الذاتي على الدعامة التربوية الأخلاقية، إذ “لا سبيل لتغيير ما بالأمة ما لم تغير المرأة ما بنفسها وتكتسب قوة ذاتية وإرادة إيمانية باعثة على التغيير” مقتدية بنساء العهد النبوي، طالبة للكمال الخلقي الذي يمكنها من التعامل مع الناس، والتجند لتطبيب أمراض المجتمع صابرة مجاهدة متوكلة على الله. قبل أن تتحدث عن دور هذه المرأة المتخلقة في إرساء قواعد المشروع المجتمعي المنشود، مستحضرة الواقع الاجتماعي الذي تتم فيه “محاربة القيم والتنصل منها وفصلها عن كل ما هو سياسي أو اقتصادي أو علمي”، بل ويتم استغلالها “من طرف العديد من السلطويات لإرساء دعائم الاستبداد”.
الأستاذة البتول المؤذن، في مداخلتها الثانية تحدثت عن الحضور القيمي للمرأة في الأسرة وفي المجتمع. عرضت في الواجهة الأولى وظيفتي المرأة الأساسيتين؛ الزوجية، حيث مهمتها “كبيرة في حفظ الاستقرار الأسري من خلال رعاية قيمة الرحمة”، من خلال “نشر الحب والتقدير والتغافل والصبر والاحتضان في بيتها، ودعوة بنات جنسها أساسا وميع من حولها لتمثل قيمة الرحمة أنى أتيح لها ذلك تعليما وتدريبا وتأليفا”. والأمومة المتمثلة في “بناء الإنسان وحفظ فطرته في زمن الغثاء الذي حذرنا منه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام”، وما يستلزم ذلك من “تعهد ورعاية قيمة البذل والعطاء التي فطرها الله عليها، وأقدرها على ممارسة متطلباتها بما وهبها من العاطفة القوية والرحمة الكبيرة. تستثمر المرأة ما جبلت عليه في تربية النشء على الإحساس بالآخر والإحسان إلى الخلق كافة وخاصة المقربين. وتحتسب هذا عند الله تعالى”.
في الواجهة المجتمعية استحضرت المؤذن موقف السيدة خديجة الخالد في مساندة زوجها “في لحظة عصيبة من أشد اللحظات في حياته، حين مبتدأ نزول الوحي”، لتخلص إلى أنه كان “حاسما في انبثاق هذه الدعوة المحمدية”، حيث “استطاعت السيدة خديجة؛ الناضجة العاقلة؛ تمييز هذه الشيم في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما سبق ودفعتها أمانته للسعي للزواج به”. وأشارت بناء على هذه الواقعة إلى قيمتين أساسيتين هما: التعارف والعناية بالعلاقات الإنسانية من خلال وصل الأرحام والإحسان إلى الأقارب واستعادة مفهوم الجوار والتعاون على البر والتقوى. ثم المسؤولية والانخراط في حمل هم الأمة والإسهام في بناء مستقبلها والعمل لاسترجاع خيريتها.
وأكدت في نهاية مداخلتها أن “المرأة هي بامتياز سفيرة المكارم وحافظة القيم”، ولن “يتأتى لها القيام بهذه المهمة الجليلة في أسرتها ومجتمعها ما لم تحفظها في الواجهة الأولى؛ الجانب الذاتي لها، فهي تعمل على ترجمة قيم الحب والرحمة والخير في نفسها أولا، تأسيا بأشرف الخلق صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن. كما أنها تعتني بما خصها الله به وتعتمد عليه في تحقيق الاستخلاف المطلوب منها، وهو الرحمة؛ جماع القيم وروح هذا الدين الذي هو رسالة الله للعالمين”.
في المداخلة الثالثة استحضرت الأستاذة كلثوم آيت أزوبير ما يعرفه العصر الحالي من انفجار رقمي، وما يحمله من انتشار للرذيلة ينبغي التصدي له ومعالجته بشكل شمولي، الأمر الذي يستدعي “تظافر جهود كل الفاعلين التربويين والعلماء والدعاة ورجال التعليم ومؤسسات المجتمع المدني وكل المؤثرين في المجتمع وناشري المحتوى الجيد من مدونين وأدباء وغيرهم”. وشددت على ضرورة امتلاك المرأة “أدوات معرفية وإرادة عالية وإيمانا راسخ بضرورة الإسهام في إصلاح ما تم إفساده، وولوج غمار هذه المعركة بكامل الاستعداد”، مقترحة لتحقيق ذلك أربع وسائل:
1- ضرورة تغيير الخطاب الديني، باعتبار أن الخطاب الديني التقليدي لم يعد مجديا، “لهذا وجب تجديد وسائل التأثير ومحتوى الخطاب”.
2- التركيز على تحسيس الأسر بدورها الأساس في غرس القيم الأخلاقية في وجدان الأبناء، فأصبح لزاما على “المرأة الداعية المرابطة على ثغر توعية الأسرة باستراتيجية دورها في إعداد جيل متخلق سوي، ورفع مناعته التربوية منذ الصغر، وهذا ثغر تتخصص فيه المرأة الداعية معرفة وتعلما واكتسابا لأدوات تمكنها من أداء هذا الدور المهم”.
3- استعمال وسائل التواصل المختلفة؛ الرقمية والمباشرة، فالمطلوب منها الإبداع في الأداء والتخصص في المجال، إذ إن الحكمة تستدعي “الإصلاح بنفس معول الهدم. وعلى الداعية أن تستثمر أبوابا أخرى للتأثير المجتمعي كالمسرح والرواية والشعر والأدب لترسيخ القيم بطرق غير مملة ومقبولة اجتماعيا”.
4- التخلق بالأخلأق الطيبة وتعظيم الخلق والدعوة بالرحمة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والدعوة بالحال أعظم من المقال. تؤكد المتحدثة.
الأستاذة فاطمة شعبان انطلقت من قول الحافظ بن حجر رحمه الله في فضل أمنا خديجة رضي الله عنها؛ أنها “أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام، فلها مثل أجر ما جاء بعدها، ولا يقدر قدر ذلك إلا الله تعالى”، لتبين أنه “لما كان هذا فضل الدعوة ومن اشتغل بها كان لزاما على المرأة أن تنخرط بكليتها فيها، خصوصا مع ما يحاك للأمة الإسلامية من مكائد وانهيار منظومة الأخلاق وتربص الأعداء بالمرأة والأسرة من كل جانب”.
ودعت المرأة الداعية، في تعقيب لها، “أن تغشى مجالس بنات جنسها لدعوتهن بحالها قبل مقالها، باللين والرفق وخفض الجناح”. مذكرة أنه ينبغي لها أن تكون مثالا للقيم السامية حتى يكون مقالها مسموعا محبوبا.
في تعقيب ثان، نوهت الأستاذة لطيفة المرابط بما حبا الله تعالى به النساء من “آليات التواصل والتأثير، بما هي منبع للرحمة والصبر والحلم والأناة والذوق..”، داعية إياهن إلى “استثمار هذه الجوانب في شخصيتهن للوصول إلى قلوب وأفهام شريحة كبيرة من الناس لم تكن متاحة قبل”.
وأضافت، في تعقيبها الذي ركزته في محور “القيم وتحدي الرقمنة”، أن هذه الوسائل “فرصة ومنحة ربانية لتحقيق عالمية الدعوة المحمدية بأيسر الطرق والإمكانيات”. غير أنها نبهت إلى ولوج “هذا العالم من غير إسراف حتى لا نصبح سجناء”، وحتى لا نفرط في يوم المؤمن وليلته، وفي أداء حقوق من لهم الحق علينا.