يتصف العصر الحالي بصفات عديدة ناتجة عن التحولات الحاصلة في السنوات الأخيرة مما أثر سلبا على مناحي الحياة عامة.
تنهمك المرأة المؤمنة في صناعة الإنسان وتحرص على الحفاظ على الفطرة السليمة فتزيد حشد جهودها متوثبة يقظة ولا تستسلم أو تبدي ضعفا، تتقاذفها أمواج مزمجرة، تناديها أصوات مزعجة من بعيد: “حي على الحرية والخلاص”، غير أن صوتا خفيا ينبعث من بين جنبيها مجيبا: “حريتي في ديني، فمم تحرروني؟!”.
تُرفع في وجه الجيل الجديد معاول ذابحة تهش بها منصات داعية للكفر والانحلال، تتعاضد هذه المعاول وتتعاون لتضرب ضربتها القاضية المميتة القاتلة تهوي بها على ظهر الأسرة المسلمة المفقرة المغلوبة على أمرها.
أول هذه المعاول: كثرة الضوضاء والهرج واللانظام، فلا تجد شيئا مرتبا؛ متاعا كان في محل أو أفكارا أو علاقات.. فكل شيء يعيش فوضى عارمة، وعشوائية تنعدم فيها الغاية والأهداف، فتصبح المؤمنة محبطة عاجزة على التكيف مع تقلبات العصر.
المعول الثاني: سرعة توالي الأحداث بانتشار وسائل الاتصال والتواصل التي جردت الإنسان من آدميته فأضحى يفكر ويتكلم على عجلة فلا يحس بتعاقب الأزمنة، مما أدى إلى انعدام البركة.
المعول الثالث: كثرة وجود الماديات أو ما يسمى الوفرة التي نقيضها: الخصاص والندرة، مما نتج عنه عدم تقدير وتقييم الأشياء والنعم من ملبس ومأكل ومشرب من حولنا كونها أعطيات سابقة دون تكلف أو طلب.
المعول الرابع: الحياة الانفرادية أو الفردانية، وهو وصف دقيق للإنسان المعاصر الذي ينزوي بمفرده أو بأسرته الصغيرة إن وجدت انزواء يجعله يتحرر من تبعات العلاقات الاجتماعية حوله، مما تمخض عنه تلاشي الروابط العائلية أو التفكك العائلي.
المعول الخامس: انتشار التفاهة والتشجيع عليها في مقابل طمس كل علم نافع والتعتيم عليه ومحاربة أهله حتى يصبح نشازا تعافه النفوس.
المعول السادس: إشغال الشعوب وإهدار الوقت حتى يستنفذ الإنسان ساعات يومه أمام شاشة تلفاز أو حاسوب أو شبكات تواصل في محادثات تافهة أو مباريات برمجت على أوقات الصلوات…
هذه المعاول – وغيرها كثير – تتهدد المرأة المؤمنة وأسرتها عموما سطرناها هنا لتعرف المرأة المؤمنة ما يترقبها من هجوم وما ينتظرها من واجب.
يتطلب البناء سواعد قوية لتقوم بأعمال تنعكس فائدتها وجدواها على بناء الإنسان، فعندما تتكاثف وتتظافر الجهود وتخلص النية لله تعالى تنبثق نتائج مبهرة متميزة.
ترتب المرأة المؤمنة لعملها الأولويات المهمة، وتتحسس عظم المسؤولية في مشاركتها مع شقيقها الرجل في التربية والبناء. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6].
ثم بعدها تتوقف عن التذمر وتحدد ما تريد حتى يسهل العمل الجاد، فالعمل في الهرج عبادة وأعظم بها من عبادة، تستعين آنذاك بتوصيات النبي الكريم الذي يحث على حسن ورعاية حقوق الجار والأهل والولد بعد رعاية حق الله تعالى .قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه” 1.
تتفقد المؤمنة أسباب البركة في كل وقت وحين، تتطلع إلى مقامات الإحسان بمعية من يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف: 28] بالمواظبة على طاعة الله تعالى، فإنها دافعة لكل شر جالبة لكل خير، والإلحاح في الدعاء بأن يبارك الله في المال والأهل والولد، والحرص على التقليل من فضول الأكل والمخالطة والمنام، والتفاني في تنظيم الوقت وتوظيفه في تجارة الآخرة، فتكون بذلك من الذين أنعم الله عليهم بالتقوى. قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96].