كان المبتغى من وراء اعتماد 25 نونبر من كل سنة؛ أن يكون يوماً عالمياً لمكافحة العنف ضد المرأة وزيادة الوعي به، وللتذكير والحث على حق المرأة في العيش بسلام وطمأنينة، وحقها في حياة مستقرة وكريمة. غير أن المتتبِّعين والدارسين لواقع المرأة يتفقون على أن وضعها الحقوقي، سواء في العالم الإسلامي أو الغربي، ما زالت تشوبه الخروقات والأزمات، إذ أصبحت جرائم العنف المختلفة عابرة للقارات، تتسبب في أزمات صحية ونفسية واجتماعية للمرأة وللمجتمع كله.
– نساء العالم العربي والإسلامي وجه واحد للعنف الممارس عليهن رغم تعدد مظاهره.
تنتشر ظاهرة العنف ضد المرأة العربية والمسلمة وتتجذر في هذه البلدان، حيث تفاقمت وتيرته خلال السنوات الأخيرة في ضوء سياقات عدم الاستقرار الأمني والحروب في عدد من هذه الدول. ويتضمن العنف ضد المرأة العربية والإسلامية نفس النموذج تقريبا بممارسات ونسب متفاوتة الحجم من دولة إلى أخرى. ينتشر جليا العنف الاقتصادي والاجتماعي في بيئات الدول العربية الهشة قانونا وعدالة ورقابة، مما يفرز استغلالا واضحا للنساء المستضعفات، على مستوى ظروف التشغيل وساعات العمل، ناهيك عن العنف اللفظي والنفسي والجنسي الذي تتعرض له في كل مناحي حياتها.
ويشمل العنف سائر مظاهر التمييز ضد المرأة وحرمانها من حقوقها الإنسانية، الحرمان من التعليم والعمل والصحة والمشاركة السياسية…الخ. هذه الظاهرة التي تتخذ أشكالا مختلفة تتفوق فيها على ما يمكن أن يناهضها، على رأسها القوانين والاستراتيجيات التي تصاغ وتقدم لضمان حق المرأة في حياة خالية من العنف. إلا أنها تبقى غير كافية للحد منها أو لاجتثاثها من جذورها، ففي ظل عقبات عديدة على رأسها غياب مناخ سياسي عادل يضمن تفعيل هذه القوانين وضمان تطبيقها، إلى جانب الوضعية الاقتصادية غير العادلة والمتأزمة، ثم خفوت الوازع الديني والتربوي في الوجدان، الذي يُغيّب الرقابة والأوامر الإلهية في التعامل اليومي مع النساء والفتيات.
كما في أقاصي الأرض تلتحف نساء الإيغور القهر، كوجه من أوجه العنف الممارس على الأقليات المسلمة، تعيش نساء الإيغور في تركستان الشرقية تحت قبضة شديدة من النظام الصيني، يتم احتجازهن في معسكرات الاعتقال بشكل قسري، وإذلال المرأة الإيغورية بشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، إذ لا يفقدن حريتهن فقط، بل تنتهك كرامتهن بشكل ممنهج يوميا عن طريق الاغتصاب الجماعي الذي أصبح أداة للقمع والإمعان في الإذلال. وكل يوم يرتكب جحيم جديد ويمارس الفصل الأسري الممنهج، حيث تُفرّق الأمهات عن أطفالهن، وينتزع النساء والفتيات عن أسرهن، تُعقم أرحامهن وتُكسر إنسانيتهن داخل المعسكرات، في غياب كلي لما يمت بالرحمة أو الشفقة. هذه الممارسات جزء من قمع شامل وحملة منظمة لمحو الهوية الثقافية والدينية.
ومن تمام القهر أن توثيق هذه الحقائق الصادمة والممارسات اللاإنسانية تجاه أقلية سلمية بتقارير حقوقية وأدلة موثقة، لا يلقى له بال ولا اهتمام، حيث يتسيد الصمت الدولي المشهد ويظل مستمرا، مما يزيد من تغول الظالم ومعاناة الضحايا، فصمت العالم وحده، يعد عنفا آخر يمارس بحقهن.
ويبقى أن المرأة المغربية جزء لا يتجزأ من محيطها العربي والإسلامي، فهي عموما ضحية الفساد والاستبداد المستشري في البلاد، في غياب العدالة الاجتماعية والديموقراطية الحقة، ثم تغييب المقاربة الشمولية لمعالجة ظاهرة العنف بالمغرب… إذ يعد الفقر في بلادي عنفا، والأمية عنفا، وغياب التطبيب والصحة عنفا أيضا، ناهيك عما تتعرض له النساء من مختلف أشكال العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، سيطول بنا المقام والمقال إن نحن حاولنا استعراضها بالمظاهر والأرقام. مجمل القول فالمرأة المغربية بمختلف أعمارهن وفئتهن ومستوياتهن في حاجة لإصلاح مجتمعي وتعليمي واقتصادي وسياسي وقانوني، يضمن رفع الحيف عنهن لتمكينهن من العيش الكريم ببلادهن. فرغم توفر قانون مناهضة العنف بالمغرب رقم 103.13 غير أنه لم يأت بحلول فعالة وإصلاحات مجتمعية وتدابير حماية جادة للحد من ظاهرة العنف، حتى بطابعه الزجري.
_إذا كانت المرأة العربية والإسلامية نالت وما زالت حظها الوافر من ظاهرة العنف، فإن نظيرتها الغربية أيضا في فوهة العنف وإن اختلف شكله وماهيته ونوعه في حلته الغربية الغالبة، فالعنف الممارس هناك هو باسم الحداثة والعصرنة والمساواة، حيث تسعى آلة التشييء إلى استباحة جسد المرأة، وسلب الروح لتخرج على مقاييسها الخبيثة والدنيئة منتوجا تجاريا، تارة سلعة كما جميع السلع، وتارة أخرى كآلة للإنتاج لا يحق لها الشعور بخصوصيتها كأنثى وامرأة، فالمساواة ساوت بينها وبين الرجل في كل شيء، حتى فقدت كينونتها الأنثوية…
فبدعوى التحرر والحرية سلبت من المرأة الغربية شخصيتها واستقرارها وتوازنها، وأخضعت تحت سيطرة الإباحية والمتعة والموضة حتى صار مستقبل أغلبيتهن رهين السن والجمال، ثم بعد ذلك إما أسيرة دور العجزة، أو ضحية الاغتصاب والعنف أو المعاناة مع الأمراض الجنسية المزمنة. كما أنها لا تستثنى من العنف الأسري بشتى أنواعه، والعدوان عليها بشتى أشكال العنف.
وكنموذج لزيف الحداثة والحضارة الغربية التي تتغنى ببريق الشعارات المنصفة للمرأة، يوثق في فرنسا تصاعد ملحوظ لوتيرة العنف ضد المرأة، فحسب البعثة الوزارية لحماية المرأة بفرنسا يسجل أن كل 7 ساعات تتعرض امرأة للقتل، أو لمحاولة القتل، أو تدفع للانتحار من طرف شريكها الحالي أو السابق، كما تتعرض النساء للاغتصاب أو محاولة الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي كل دقيقتين، والتحرش الجنسي أو التعامل غير اللائق كل 23 ثانية.
في الختام، يعد العنف الممارس على المرأة في العالم بمختلف أشكاله بمثابة وباء عالمي وأحد أهم معوقات تنمية المرأة، يهدد العيش الكريم واستقرار النساء وتوفير بيئة سليمة لتمكينهن من القيام بالأدوار المنوطة بهن للمشاركة الفعالة والإيجابية في بناء المجتمع والدولة. إذ إن تكلفة العنف ضد المرأة لا تقع على الضحية فحسب، إنما تقع بالمثل على المجتمع بأسره الذي يُحرم من المشاركة السوية الكاملة لنصف القوة الفاعلة فيه والمربية والحاضنة لنصف الآخر في نفس الوقت، إذن المرأة هي المجتمع ككل، وبإنصافها ننصف المجتمع بكامله.