المسؤولية المجتمعية للدولة

Cover Image for المسؤولية المجتمعية للدولة
نشر بتاريخ

صحيح أن الدولة شخص معنوي إلا أنها تتصف بالإلزامية والإكراه والاستمرارية ما يجعل قراراتها ذات تأثير عميق في بنية المجتمع واشتغاله. يكفي التذكير أن طبيعة الدولة محدد لطبيعة النظام الاقتصادي والتي تنسحب بدورها على تصرفات الأفراد والجماعات لنهتم بالمسؤولية المجتمعية للدولة.

وكيفما كانت الدولة، سلطوية أو دينية أو مدنية أو تدخلية أو حارسة… فإن تشعب منظامها وآليات اشتغالها والعوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فيها وتجدر النظام السياسي الذي يحكمها لهي أمور يصعب معها الإلمام الدقيق بكل جوانب المسؤولية المجتمعية للدولة.

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن المسؤولية المجتمعية أو الاجتماعية للمقاولات في سياق الاهتمام بالثوابت الثلاثة للتنمية المستدامة والتي هي النمو الاقتصادي والتناسق الاجتماعي واحترام البيئة وكذا تلبية حاجيات ورغبات المتدخلين.

وبعد اعتماد المعيار المرجعي ISO 26000 تم توسيع مجال المسؤولية المجتمعية ليشمل كل المنظمات. وفي هذا الإطار يندرج هذا المقال.

إن المسؤولية المجتمعية للدولة يمكن مقاربتها على الرغم من تعدد أوجهها من جانب الكلفة والمنفعة المجتمعيتين التي تنتج عن قرارات واشتغال الدولة في شتى المجالات. وبعبارة أدق يمكن استعمال المصطلح الرائج لدى الاقتصاديين ألا وهو الفرصة الضائعة ولنسمه نحن “هامش التنمية غير المحققة”.

وتجدر الإشارة إلى أن اتخاذ وتنفيذ القرارات والاختيارات الاستراتيجية ذات المنفعة المجتمعية القصوى غالبا ما يكون لهما طعم العلقم شأنها في ذلك شأن الدواء الناجع في علاج العلل المستعصية. لكن يتوجب التأكيد على أن المسؤولية المجتمعية للدولة لا تعفي باقي المتدخلين من مسؤولياتهم تجاه أنفسهم وبعضهم البعض واتجاه الدولة.

الآن وقد اتضحت نسبيا الرؤية وفحوى ما نقصده بالمسؤولية المجتمعية للدولة فلنسلط الضوء على الحالة المغربية من خلال السلوكات التي تنهجها الدولة والتي تشكل انحرافا عن أدوارها الطبيعية في ظل سيادة القانون والتي تزيد من هامش التنمية غير المحققة أو بعبارة أصح توسع من قاعدة المهمشين والمعطلين والمحتاجين والمظلومين…

نظرا لأن كل مسألة تحتاج لتفصيل وتفريع واستدلال فسنورد الإشكالات الأساسية على شكل نقاط مختصرة نترك للقارئ التمعن فيها وتقليبها مبينين أن بعض الإشكالات يصطدم أحيانا بحجم الإمكانيات المتاحة ومن تم لا يجب تحميل الدولة كل المشاكل المستعصية. من أهم الاشكالات التي ميزت السنوات الأخيرة نخص بالذكر:

– في مجال التعليم التركيز على الشق الكمي والخصخصة وإرجاء العمل على المستوى الكيفي وذلك منذ الاستقلال.

– المقاربة الأمنية أو الإقصائية في التعامل مع المعارضين والمعطلين والمطالبين.

– التأخر في اتخاذ العديد من القرارات الاستراتيجية من قبيل القوانين التنظيمية أو الضرب على أيدي المفسدين.

– الشروع في مشاريع كبرى واستراتيجيات قطاعية قبل التقييم الاستراتيجي العميق لما سبقها.

– المخططات الاستعجالية في قطاعات لا تحتمل ذلك من قبيل الصحة والتعليم.

– القرارات الارتجالية الأحادية الجانب مراسيم القوانين الصيفية نموذجا.

– عدم تقدير كلفة الزمن السياسي الضائع من خلال تعطيل العمل الأمثل للمؤسسات الأزمة الحكومية نموذجا.

– التفريط في تقوية علاقات تجارية واقتصادية رصينة مع بعد الفرقاء من قبيل مقاطعة الباطرونا لزيارة رئيس وزراء تركيا للمغرب عقب عدم التفاهم مع الحكومة.

– تلميع الواجهات وإخفاء الهشاشة الاجتماعية ونواقص الحكامة المحلية عند كل تدشين…

اللائحة قد تطول ومن تم يعتبرنا القارئ سوداويين، والحقيقة أننا دائما نؤمن أن هناك منجزات لا يمكن القفز عليها ولكن القناعة من المزيد والأفضل الممكن حرمان، لذا فتركيزنا في باب المسؤولية المجتمعية للدولة على مجالات اللامسؤولية هو من باب وضع الأصبع على مكامن الخلل لعل قارئا يعيها ويكون من أهل الدولة فيأخذ بها. لأن في آخر المطاف الدولة يدبرها أشخاص ذاتيون.