المشترك الإنساني عند الإمام عبد السلام ياسين

Cover Image for المشترك الإنساني عند الإمام عبد السلام ياسين
نشر بتاريخ

نقصد بالمشترك الإنساني، تلك القيم الإنسانية المشتركة التي تشكل القاسم المشترك بين مختلف الأديان والحضارات، والتي هي نابعة من حاجة الإنسان الفطرية، بصرف النظر عن انتماءاته، وبغض النظر عن اللون والعرق والجنس والمعتقد، حق الإنسان في الحرية والعدل، حق المرأة والطفل، حق العمل والصحة والتعلم، حق السكن الكريم، وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية للإنسان كيفما كان هذا الإنسان. وقد خصص الإمام عبد السلام ياسين رحمة الله عليه حيزا خاصا للحديث عن المشترك الإنساني وإبراز موقفه منه، موقف ينسجم وطبيعة المشروع الدعوي والتغييري للإمام، حيث حضور الهم الدعوي وحق الإنسان كفرد كيفما كان هذا الإنسان وحق المجتمع الإنساني ككل في معرفة الله عز وجل وسماع نداء الوحي، بأن من وراء الموت حياة وبأن الإنسان ليس دابة أرضية، يماثله حضور هم تحرير الإنسانية جمعاء من الظلم والاستعباد ومصادرة حقه في العيش الكريم، من منطلق الامتثال لأمر الله تعالى في نصرة المستضعفين في الأرض، والتعامل بالبر والقسط مع الآخر لا مع المسلم فحسب. همان متلازمان ومترابطان في كتابات ومشروع الإمام المرشد رحمه الله، هما كمال الإيمان وشرط الدعوة على حد تعبيره رحمه الله “وإن من كمال الإيمان وشرط الدعوة أن يؤرقنا هم المحرومين من النوعين” 1، هم المحروم من معرفة الله تعالى والمحروم من كرامة العيش الكريم، المستضعف في الأرض يعني بذلك رحمه الله. 

في كتابه “العدل، الإسلاميون والحكم”، يتحدث الإمام رحمه الله تعالى عن الضمير الإنساني المنادي بحقوق الإنسان عن إخلاص وصدق، ويختم رحمه الله ذلك بقوله “مع هذا الضمير نتناجى ونتجاوب، معه نتخاطب لنرفع مطمح الإنسانية إلى حقها الأزلي الأبدي الذي لا تكون الحقوق المتعارف عليها إلا حلقات من سلسلته، لا قيمة لما توفره حقوق الإنسان من كرامة وسعادة في الدنيا إن انقطعت دون حقه الأخروي” 2، ثم يتحدث عن ما أسماه بالضمير الإنساني المستيقظ المنادي بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وبالحقوق المدنية، والسياسية، والاقتصادية، بحق الإنسان في الحرية والعدل، بحق المرأة والطفل، بحق العمل والصحة والتعلم، بحق السكن الكريم، بحق المرضى والعجزة، فيعتبر رحمه الله ذلك من صميم ديننا، “وكل ذلك مما نعتبره دينا إن قسناه بمعاييرنا ووزنَّاه بِصُنُوجِ ميزاننا” 3، وفي نفس السياق يتحدث الإمام عن  الضمير الإنساني المطالب بحق الإنسانية في الحفاظ على الكوكب الأرضي نظيفا، والحفاظ على البيئة الطبيعية مصونة للأجيال المقبلة، فيثمن ذلك عاليا ويختم ذلك بقوله: “وهذه مرتبة عالية من الوعي نعطيها من الاحترام مثل ما تعطيه الأصوات الحرة” 4، ويستشهد رحمه الله، بكلمة الإمام علي كرم الله وجهه حينما قال: الناس صنفان: “أخ لك في الدين، ونظير لك في الخُلُق” فيعقب رحمه الله “يستحق الاعتبار من كان لك نظيرا في الخُلُق” 5، خلق الدفاع عن المظلوم والمستضعف والمطالبة بحرية وكرامة الإنسان كيفما كان هذا الإنسان، ثم يضيف قائلا “والنظيرية في الخُلُق حقها أن نبَرَّ ونُقْسِط” 6، وهي دعوة الى المعاملة الحسنة مع من هذه خلقهم من غير ديننا، وإلى التعاون معهم من غير تردد “ولا ينبغي أن نتردد في التعاون المخلص مع نداء الضمير الإنساني الرائع الذي يدفع الجمعيات غير الحكومية عند نظرائنا في الخلق للتضحيات المشكورة. ما لم يتعارض ذلك النشاط الإنساني مع أصل من أصول ديننا” 7، فالإنسانية جمعاء رحم واحدة، يؤكد الإمام رحمه الله، تجب صلتها والإحسان إليها “وأي إحسان أحسن وأرفع من تنبيه الغافل وإعلام الجاهل وإنذار المستهين وتبشير السادر بما ينتظر العباد بعد الموت” 8، تأدية لحق الرحم الآدمية على حد تعبير الإمام المرشد التي سنسأل عنها يوم القيامة مصداقا لقوله تعالى “واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا” 9، يقول الإمام في شرحه لكلمة تساءلون: “تَسَّاءلون: تُسْألون عن الرحِمِ الآدمية هل أديتم حقها. في مقدمة حقها البلاغ والبيان والشهادة بالسلوك النموذجي والإحسان، والجهاد الدائم لكشف عوائق الظلم حتَّى يسمَع الناس جميعا كلام الله. تعالى الله” 10.

فحضور المشترك الإنساني إذن في فكر الإمام، حضور محوري وينسجم، كما قلنا، مع طبيعة وحجم مشروعه الدعوي والتغييري، من خلال تثمين القيم العليا الإنسانية المشتركة والإشادة بها واعتبارها خلقا رفيعا تستحق التقدير والاحترام، بل واعتبارها جزء لا يتجزأ من الدين “إن قسناه بمعاييرنا ووزنَّاه بِصُنُوجِ ميزاننا” 11، حضور يتأكد من خلال الدعوة لتعزيز هذه القيم وتقويتها والتعاون في إطارها، واعتبارها صلة رحم مع الإنسانية جمعاء “فالإنسانية جمعاء رحم واحدة” 12، رحم يحب الله برها والإقساط إليها “بِر الرَّحِم الآدمية يحبهُ الله الجليل الرحيم. 13. قال عز من قائل: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ 14“.


[1] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 269.
[2] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 257.
[3] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 257.
[4] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 258.
[5] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 268.
[6] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 263.
[7] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 263.
[8] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 270.
[9] سورة النساء، الأية 1.
[10] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 270.
[11] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 257.
[12] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 270.
[13] كتاب ” العدل، الإسلاميون” الصفحة 271.
[14] سورة الممتحنة، الآية 8.