المصاب جلل فما العمل؟

Cover Image for المصاب جلل فما العمل؟
نشر بتاريخ

كتبت في أيام الصبا البريئة، وفي ظروف تشبه هاته التي تعيشها القضية الفلسطينية وإن كانت هاته أبشع بكثير، وإن كانت هاته بلغت القمة في الجرم والإبادة من جهة قتلة الأنبياء، وبلغت القمة في الصمود والثبات من جهة طلاب الحق، ولا قمة عربية أو إسلامية تعقد حتى لتقول حسبنا الله ونعم الوكيل .

كتبت حينئذ وأنا صبية بالكاد أستطيع أن أكتب جملة مفيدة على الأقل في إنشاء أم القضايا الإسلامية، لقد مر جيلين على هاته الكلمات، والحال يزيد انحدارا.

واليوم وأنا أحسب نفسي راشدة -على الأقل من حيث السن – وجدت نفسي أمام ما أرى وأسمع عاجزة كل العجز، حتى عن كتابة كلمات، لقد شلت حركتي ودمعت عيني وتقطعت أوصالي، وطالت حيرتي، عجز لساني، وجف قلمي، الخطب جلل فما العمل؟

صرت أمضي ساعات ليلي ونهاري أبحث عن أي مصدر لأي خبر عاجل، أبحث في القنوات كلها عساني أفهم، أستوعب، هل نحن فعلا عرب، أسمع لأي مراسل وإن كان على الحدود أعرف تماما أنه لا يعي هو كذلك حق ما يجري، أسمع لأي تحليل من المحللين السياسيين أو أي استنتاج لخبير من الخبراء الاستراتجيين أو العسكريين المتقاعد منهم وغير المتقاعد، أبحث عن أي شيء، ربما أبحث عن الحقيقة أو بمعنى أحق أبحث عن خبر النصر لأخوتنا في الإيمان.

فوجدت نفسي أمام حقيقة أخرى هي أني لازلت في مكاني، لم أغير شيئا بقعودي، أضعت أياما وأياما أبحث عن مجهول معلوم في قدر الله لم يخف عنا سننه في كونه، النصر لمن عمل على النصر. انتبهت لحالي فوجدت أن هجوم بني صهيون قد طالني، وتحقق مراد أعداء دين الله، أصابتني شظية من قنابلهم الفسفورية، أصابت حركتي وفعلي ووجودي، وأنا هنا في مغرب أرادوا له أن يكون موطن غروب شمس الحرية والحقوق، أبسط الحقوق، أرادوا له أن يكون غريبا ومغيبا وصامتا إلى أن يؤذن له بالإشارة، ربما لأنه بعيد في حساب الجغرافيا وليس بينه وبينهم معابر لتفتح أو تغلق. يتصورون أنه بعيد، ولا يعلمون أن جسد الأمة واحد، والهم واحد، والقضية واحدة، والموعود واحد، والاستخلاف واحد، ولا يعلمون أن المعابر متعددة، والأنفاق موصلة إلى غزة عبر شرايين القلوب وخلايا الأدمغة.

هي شظية لا شك تنير طريق المعبر الذي يجب أن نضع فيه أرجلنا ونقتحمه بكل قوة وصدق وأمانة. معبر نختاره بكامل قوانا القلبية والعقلية والجسدية ، يافطته المعلقة على بابه مكتوب عليها: “الله ربي ومحمد صلى الله عليه وسلم رسولي والإسلام ديني”، ثم ننضم لنكون أبناء لدعوة شعارها توبة ثم توبة ثم توبة من أجل الوصول إلى تحقيق غايتين أساسيتين الأولى تعبدية توصلنا إلى دوام التنعم في ما عند الله، والثانية استخلافية هدفها إشراك عباد الله في هذا النعيم المقيم.

هذا هو الطريق لتحقيق العزة والنصر، واستعادة الأرض والعرض. لابد من وقفة لرسم معالم خطة ذات أبعاد محددة معلومة وواضحة، لابد من مشروع متكامل مدروس، لابد من تصور واضح، لا مجرد هبة سرعان ما تذهب أو ردة فعل تنتهي بانتهاء ما نرى ونسمع إن هو انتهى، أو أصبح معتادا لا تستنكره الأنفس إلى أن يأتي ما هو أشد لنهب من جديد وهكذا إلى أن تمر الأجيال تلو الأجيال.

لابد من إعداد القوة ورباط الخيل، نرهب به عدو الله وعدونا، قوة نهجها الصحبة والجماعة والذكر والعلم والعمل والصدق والاقتصاد والجهاد.

و رباط خيل يربط القلوب والعقول بركب أمله اللقاء في آخرة تجمع المؤمنين الذين اتخذوا بعضهم بعضا أولياء، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويخسأ كل مخادع خائن منافق.