لا شك أن غزة فقدت الآلاف من شعبها؛ رجالا ونساء، شيبا وشبابا وأطفالا.. لأن الكيان المحتل استهدف بدون هوادة المدنيين العزل، وانتقم منهم كثور هائج جريح يلتفت يمينا وشمالا بدون اكتراث لما حوله، محاولا طمس هزائمه أمام قلة من الناس، يملؤهم اليقين والثبات..
نعم؛ انتصرت غزة.. انتصرت بعد أن قدمت للإنسانية أروع مثال، فمن الآن وصاعدا ستُكتب مواثيق وعهود جديدة. ستُطْوى المقررات الأكاديمية العتيقة المتشدقة بثقافة حقوق الإنسان، والفلسفات الرائدة في علم الاجتماع، لتحل محلها تجربة ميدانية لَخَّصت كل الحكاية، بل أصبح معظم الناس يبحثون عن أصل هذه الحكاية وفصلها.
انتصرت غزة عندما دخل أفواج من الناس في دين الإسلام، لمَّا رأوا بأم أعينهم الثبات والطمأنينة والرضا الذين يضج بهم فؤاد الغزاويين، و قد فقدوا كل ما يملكون و أعز ما يملكون ..أسلموا بعد أن امتلأ المدى بعبارة “الحمد لله” التي يرددها الجميع بعد كل فقد ولوعة وابتلاء..
انتصرت غزة عندما وفى رجال المقاومة بوعدهم؛ فكانت النساء على رأس قائمة الأسرى المحررين، ليقدموا للعالم أروع دروس في الكرامة والإباء عن مكانة المرأة في الإسلام، وليخزوا كل الحركات التحررية التي تتهم ديننا بإهانة المرأة وحرمانها من حقوقها وقهرها..
انتصرت غزة عندما قدمت أطرها الطبية في واجهة السجال؛ فكانوا أروع من بذل وضحى حتى النخاع، بل كرَّسوا كافة أوقاتهم ليلا ونهارا في خدمة الجرحى والمرضى، واستقبال الضحايا، والحرص على تقديم أقصى ما يستطيعون ..
انتصرت غزة وهي تقدم أجمل الأخلاق وأسماها، عندما تركت كل ثاراتها وانتقاماتها جانبا، وحرصت على معاملة الأسرى بما ينص عليه الشرع الحكيم ..
انتصرت غزة عندما أعدت عدتها بتوازن دقيق؛ يجمع ما بين التربية الإيمانية والعمل الجهادي، عندما ربطت بين القرآن والنصر، بين الرباطات التربوية والاستعدادات العسكرية، فأشعلت جذوة اليقين في نصر الله في قلوب أبنائها..
انتصرت غزة عندما كسبت تعاطف الشعوب الذين اكتشفوا حقيقة المغضوب عليهم، عندما ظهرت الحقائق وضوح الشمس، فانكشفت مخططاتهم، وفضحت كل من يواليهم من بني جلدتنا، فلا شيء أصبح مستورا بعد غزة..
انتصرت غزة بعد أن أعادت الإنسان لفطرته السليمة، وأسلوبه الغذائي المتزن البعيد عما ينتجون ويصدرون من مواد غذائية لا يعلم مخاطرها إلا الله. رجع الإنسان إلى الطبيعة الأم، واتسع الوعي بالمقاطعة..
انتصرت غزة عندما ربطت ماضينا بمستقبلتنا، وعندما أعادتنا لقراءة التاريخ من جديد، مستنبطين العبر والدلالات. وعلمتنا ألا نستعجل النتائج، ولا النجاحات، فكل ميسر لما خلق له، وكل شيء بقدر..
انتصرت غزة عندما فتحت أبصار الأجيال الجديدة على الواقع، وعندما أحيت القضية في نفوسهم وفي سكناتهم وحركاتهم، عندما ربطتهم من جديد بمسرى نبيهم وبقضايا أمتهم..
فشكرا لك غزة. وتقبل الله شهداءك في عليين.
وما النصر إلا من عند الله العزيز الحميد.