عبارة تؤرق أعين كل زوجين يعانيان من هذا الوباء المستشري في كثير من البيوت، وترتعد لها فرائس أطفالهما، وتحرم الجميع حق العيش في بيت تغشاه السكينة والأنس، ويعمه التفاهم بين طرفي الرابطة الزوجية عوض التوتر الدائم الناتج عن هذا الوباء الزوجي. فيا عجبا كيف يسهم الزوجان – من حيث يدريان أو لا – في تلبيد سماء عشهما الزوجي بغم النكد لتنطمس المودة والرحمة والسعادة والهناء التي جعلها الله بين الأزواج، فتمطر تباعدا بينهما وجفاءً، وتعاسة وشقاءً.
يتجلى النكد الزوجي في مظاهر عدة، نلخصها في: إطلاق أحد الزوجين أو كلاهما عنان لسانه لانتقاد كل صغيرة وكبيرة تصدر من الزوج الآخر، وعدم تفويت أي خطأ مهما كان بسيطا، وكثرة التأفف والتذمر، بل ربما التحامل على الشريك الثاني إلى درجة رفض كل ما يقوله أو يقوم به ولو كان مقبولا، وسوء تأويله..
كثرة النكد تفصح عن قمة رفض الآخر قلبا وقالبا، شكلا وصورة، قولا وفعلا، فيمسي أحد الزوجين أو كلاهما لا يطيق شريك حياته ولا يعجبه العجب فيه… كل ما يصدر عن أحد الزوجين من أقوال أو أفعال لا يستسيغها الزوج الآخر ولا تنال رضاه أو قبوله، بل يتلقاها بالانتقاد اللاذع، والسخرية المحبطة، واللوم المتكرر.. مما يسفر – عادة – عن أحد حالتين أحلاهما مر:
– المشادة الكلامية الدائمة والمتكررة بين الزوجين، وما ينتج عنها من فقد الاحترام والتقدير لبعضهما البعض، ومن ثم ضمور المودة والرحمة الجامعة بينهما، وتمكن النفور والتباغض منهما.. فيمسيان كيانين يزيدهما النكد تباعدا وجفاءً وبغضا لبعضهما البعض، وتتحول حياتهما الزوجية إلى جحيم دنيوي دائم الغليان، لا يطيق أحدهما العيش فيه أو التعايش معه، وقد تنتهي إلى زوال أي إلى طلاق لا قدر الله؛ وهذا غير ما أراده الله للزوجين حين اعتبر سبحانه الزواج آية من آياته من حيث السكن والتساكن والمودة والرحمة، كما أنه خلاف ما أسست له السنة ووضحته من خلال سلوك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وهو أسوة المسلمين عموما والأزواج خصوصا في التغاضي عن الأخطاء الزوجية؛ إن كانت بسيطة أي مما يتكرر – عادة – حصولها في البيوت الزوجية، أو معالجتها – إن كان الأمر يستدعي ذلك – لكن بالحكمة واللين والنصيحة.
– تمادي طرف في إذكاء النكد الزوجي، واستكانة الزوج الآخر وقبوله بهذا الوضع الممقوت على مضض واضطرار، فلا يلبث هذا السلوك العدواني أن يحول الزوج الثاني إلى إنسان محبط من كثرة النكد واللوم والعتاب، لا ثقة له بقدراته وطاقاته، فيصير شخصا سلبيا لا قدرة له على الإنتاج أو العطاء أو التغيير أو التفاعل الإيجابي مع زوجه ولا مع محيطه.. وأول ضحايا سلبيته زوجه الذي كان السبب المباشر في وصوله إلى هذه الحالة بفعل النكد المستمر والدائم، ثم بنيه.. وهلم جرا.
لسنا هنا بصدد تعداد أسباب النكد الزوجي أو الاطلاع عليها، فهو ليس بالضرورة ناتجا عن أسباب مقبولة، حيث إنه سلوك ممقوت يلجأ إليه أحد الزوجين أو كلاهما تماديا في غيه أو إرضاءً لنزوات نفسه، كما قد يكون في غالب الأحيان – إن لم نقل كلها – تعبيرا – يعتبر سلبيا – من طرف أحد الزوجين تجاه تصرفات ومواقف الطرف الثاني غير المقبولة.
وفي هذا السياق، فإن من المفيد جدا أن نشير إلى أمر كثيرا ما يغفله الزوجان ولا يكترثان له، بل يهمشانه رغم أنه يعتبر العامل الأساس في حصول النكد بين الزوجين وارتفاع حدته، ألا وهو عدم حصول الإشباع العاطفي كما الجنسي بين الزوجين.. فعندما يعاني أحد الزوجين أو كلاهما من برودة عواطف وأحاسيس ومشاعر الزوج الثاني، أو عندما لا يحصل التوافق الجنسي بينهما، ولا يعجلان بمعالجة هذا الوضع الشاذ عن فطرة الله التي فطر عليها الزوجين من تفان في تحصين كل واحد لصاحبه عاطفيا كما جنسيا، وسعي إلى تمتين المودة والرحمة بينهما، وإحساس كل طرف بسعادة البوح لصاحبه بكل ما يخالجه تجاهه من مشاعر المحبة والاعتزاز، وسعادة الطرف الآخر بسماع ذلك، والعمل سويا على تمتين هذه الأواصر العميقة بينهما واستمرارها..
وقبل هذا وذاك عندما لا يكترث الزوجان لخطورة عدم حصول ذاك الإشباع العاطفي والتوافق الجنسي بينهما على علاقتهما الزوجية، بل يستخفان به ولا يعيرانه ما يستحق من اهتمام – كما هو حاصل بين العديد من الأزواج في أسرنا المسلمة -، وذلك بالتوقف عند أسبابه ومناقشتها على أمل معالجته ولو نسبيا وبتدرج… عند حصول هذا وذاك تتغير المشاعر الطبيعية والفطرية – بالتأكيد – بين الأزواج لتنقلب كراهة ومقتا يفجران نكدا، ويغذيانه باستمرار ليصبح جزءًا لا يتجزأ من البرنامج اليومي للزوجين.
فلكل زوج يعاني الأمرين من نكد زوجه، أهمس في أذنيه(ها) بهذه الوصفة التي أثبتت فعاليتها في علاج هذا الوباء الزوجي والتقليل من حدته، فجرب(ي)ها: كلما لاحظت جنوح زوجك إلى النكد فاعلم أنه في إطار رد فعل ينبهك من خلالها إلى تقصيرك في الاهتمام به، والاكتراث لشأنه.. ومن ثم عليك التعجيل بالدنو منه، واستجلاء ما يغيظه منك، لتأكيد عمق مودتك له، والبوح له بقدر مكانته عندك.. ووعدك له(ها) بالسعي إلى إصلاح ما أفسدت، وستجد(ين) أن الصوت الذي كان يتعالى بالنقد والتعليق والسخرية وعدم الرضى والموافقة.. أصبح طيعا لينا هينا خافتا، والحركات التي كانت تعبر عن عدم الرضى عما يقوم به أو يقوله الزوج الآخر قد سكنت وهدأت، وأضحت لمسات تنم عن كل المودة والرحمة.