بقلم: عبد المنعم الذيب
أولا: السياق
اعتبرت جماعة العدل والإحسان في الأربعين سنة الماضية، إحدى التنظيمات المؤثرة في السياسة المغربية، رغم عدم وجودها داخل المؤسسات التمثيلية الرسمية، ويعود هذا لاعتبارات عديدة، أبرزها شخصية مؤسسها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، ومنهاجها التربوي والفكري والسياسي، وكذا اتساع قاعدتها الشعبية المنتشرة في مختلف مناطق المغرب، فاكتسبت بذلك قدرة على التفاعل والمشاركة في مختلف المحطات المطالبة بالتغيير والإصلاح منذ نشأتها.
ولم يكن النظام السياسي يرحب بها، فحاول التضييق عليها بمختلف الوسائل، ووصل الصدام بينهما إلى الاعتقالات والمحاكمات وتشميع بيوت أعضائها ومضايقتها في تنفيذ أنشطتها، رغم اعتراف مختلف المحاكم المغربية بقانونيتها وشرعية اجتماعاتها.
وأكثر ما كان يعيب عليها متتبعوها، أنها لم تكن تتجاوز تصورات وكتابات مؤسسها، ولم تضع لنفسها مساحة خاصة مستقلة.
ولما أسلم الأستاذ عبد السلام ياسين الروح لله تعالى في دجنبر 2013، انتظر خصومها حصول انشقاقات وتصدعات داخل صفها، أو مرونة في خطها ومواقفها خاصة مع بروز الجيل الثاني لقادتها والمتمثل في الشباب الطامح لموضع قدم في تدبير شأن الجماعة الداخلي أو الخارجي.
لم تنكفئ الجماعة ولم تتراجع وإنما دشنت محطات جديدة للتواصل والحوار مع الفضلاء من داخل المغرب وخارجه مستثمرة فعاليات ذكرى وفاة الأستاذ ياسين المختلفة، فأبانت عن قرب، أن الجماعة التي كان ينتظر أن تنقسم وتختلف قيادتها تشتغل بمؤسسات مختلفة ومتنوعة تسهر على تدبير شؤونها الداخلية، وتصرف تصوراتها السياسية والمجتمعية، وما الوثيقة التي عرضت يوم الثلاثاء 6 فبراير 2024 إلا تأكيد على حيوية ودينامية الجماعة ومختلف أجهزتها الدعوية والسياسية.
ثانيا: الحدث
في عصر يوم الثلاثاء 6 فبراير 2024، نظمت الدائرة السياسية التابعة لجماعة العدل والإحسان ندوة تواصلية أعلنت من خلالها وثيقتها السياسية التي قاربت صفحاتها 190 صفحة، ومن خلال هذا الإعلان يمكن الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات نجملها كالتالي:
1) الجماعة تشتغل بالممكن والمتاح، ولا تشترط توفر الإمكانات المادية من وجود مقرات وقاعات عمومية ولو أن ذلك من حقها في دولة تحترم القانون؛
2) حضور نوعي ومتنوع في مشاربه السياسية واهتماماته المجتمعية، وكذا في نوعه (ذكورا وإناثا)؛
3) حرص المنابر الإعلامية على الحضور رغم صعوبة الاشتغال (ضيق المكان، ضعف التجهيزات)؛
4) الإقبال وقبول الأنشطة التي تنظمها الجماعة.
حرص منظمو الندوة على توضيح محتويات الوثيقة رغم صعوبة المهمة، اعتبارا لطولها وضيق الوقت، لكن من خلال العرض أو التفاعلات مع المداخلات يمكننا التقاط عدة إشارات نفصلها كما يلي:
§ الوثيقة السياسية تطور طبيعي لنمو الجماعة ومؤسساتها المختلفة؛
§ نشر الوثيقة لا يعني تغييرا في المبادئ والمواقف المعلن عنها سابقا؛
§ لا تمتهن الجماعة المعارضة السلبية، وإنما تساهم في اقتراح حلول للأزمات المختلفة، ومنها كذلك تقديمها لمقترحات تخص تغيير مدونة الأسرة؛
§ تشتغل الجماعة بمؤسسات مستقلة ذات صلاحيات واختصاصات واضحة، الناظم بينها التعاون على تجسيد وتحقيق شعار العدل والإحسان؛
§ تأكيد الجماعة على أن الاختلالات المختلفة لا سبيل للخروج منها وحلها إلا بإرادة جماعية وتشارك في العمل؛
§ تركز الجماعة على أن المدخل الوحيد للتغيير هو الحوار الواضح والبناء بين كل الغيورين، ولا تضع سقفا لنقاشها حول سبل التغيير ومآلاته؛
§ تغليب النبرة الإيجابية في عرض مضامين الوثيقة، والانفتاح على الجميع لتقوية جبهة مناهضة الفساد والاستبداد.
ثالثا: تداعيات الحدث
لا شك أن هذا الحدث ستكون له تداعيات على عدة مستويات، وسيساهم في إثراء النقاش الوطني حول الواقع السياسي المغربي، ويمكن أن نسجل الانتظارات التالية:
1) الطبقة الحاكمة: ينتظر منها ألا تتجاوب رسميا مع هذه الوثيقة، حتى لا تضيف لخصمها ميزة إيجابية، بل ستحاول طمس النقاش حولها بكل الوسائل؛
2) الطبقة المنتفعة من الريع السياسي: يتوقع منها أن تتجاهلها، وفي أحسن الأحوال تبخيسها وبيان محدوديتها، وأن مثلها يمكن أن يأتي به شخص أو مكتب دراسات، وبذلك لن تكلف نفسها عناء مدارستها والتواصل مع أطرافها، فمصالحها تتعارض مع مناهضة الفساد والاستبداد؛
3) الطبقة التحررية: الباحثة عن سبل تقوية جبهة مقاومة الفساد والاستبداد والمكونة من تنظيمات وجمعيات ومنظمات وشخصيات وطنية، مختلفة المشارب والانتماءات، مهمة وفاعلة في الميدان، عليها المعول في مناقشة مضامين هذه الوثيقة والتقارب فيما بينها للعمل المشترك من أجل إنضاج شروط تغيير حقيقي وشامل؛
4) الطبقة الشعبية: وهي السواد الأعظم من الشعب المغربي، لا يجد القدرة لمعانقة مثل هذه المبادرات نظرا للسياسات العمومية المنتهجة من أجل إلهائه وتحييده، ويمثل الشباب نسبة عالية فيها، والمأمول تكثيف الجهود من أجل إدماجه وإعادة الثقة له في الحياة السياسية وانخراطه الإيجابي فيها.
وأخيرا:
مهما كانت تداعيات هذه الوثيقة، فيكفي جماعة العدل والإحسان أنها عبرت بوضوح عن رؤاها وتصوراتها، ولم تتركها حبيسة خزاناتها، وهذا السلوك ينم عن مسؤولية قيادتها في الرقي بمؤسسات الجماعة تنظيما وزحفا باقتراح حلول للمعضلات القائمة، وإشراكا للمجتمع وقواه الحية في الإطلاع على إنتاجاتها وخططها من أجل تقويمها وتطويرها، ومساهمة في تجويد الأداء السياسي لمختلف مكونات المجتمع عبر مد جسور التواصل والحوار بينها.