اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء

Cover Image for  اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء
نشر بتاريخ

تحتفل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومعها العالم في 25 نونبر من كل سنة باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء، ويمثل هذا اليوم بداية 16 يوما من الأنشطة المناهضة للعنف القائم على العنف الاجتماعي. التاريخ مرتبط بحادثة مقتل الأخوات ميريال سنة 1960 بجزيرة الدومينيكان حيث عاشت الثلاثة حياة أرستقراطية، ومارسن معارضة شديدة لنظام الديكتاتور تروخيلو الذي صفعته إحداهن دفاعا عن نفسها لتحرشه بها، فأرسل من قتلهن ليصبحن مثالا على العنف الممارس على النساء .
يستعمل مصطلح العنف ضد المرأة للدلالة على أي فعل عنيف يمارس بشكل متعمد أو بشكل استثنائي تجاه النساء أو اعتداء أساسه الجنس ويخلف إيذاء أو ألما جسديا أو جنسيا أو نفسيا ويشمل أيضا كل تهديد بهذا الاعتداء أو الحرمان التعسفي من الحرية .
العنف ضد المرأة أرقام مرعبة!!!
يمكن اعتبار العنف ضد النساء وباءا عالميا تعاني منه أكثر من 70 في المائة من نساء العالم اللواتي تشكلن 49,7 من سكان العالم، وتتفاوت النسبة من قارة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر، فمنذ عام 1999 م أعلنت منظمة الصحة العالمية العنف مشكلة صحية واتخذت من الإصابات الجسدية والعاهات الناتجة عنه أسبابا لهذا الإعلان .وانطلاقا من إحصاءات مستمدة من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية فإنه في قرية تضم 1000 نسمة نصفهم من النساء يفترض أن يكون عددهن 510، لكن 10 منهن لم يولدن بسبب الإجهاض الانتقائي القائم على الجنس و105 منهن أميات و145 يعشن على أقل من دولار في اليوم و167 من المجموع يتعرضن للضرب أو العنف بطريقة أو أخرى خلال حياتهن و100 منهن يقعن ضحية الاغتصاب أو التحرش.
وسنحاول عرض بعض الإحصاءات باختصار:
في أمريكا:

تسجل الإحصائيات أن 30 بالمائة من النساء يتعرضن للعنف الجسدي من قبل أزواجهن حيث أكدت دراسة أمريكية أن النساء اللواتي تعرضن للعنف خلال طفولتهن أكثر من الرجال بعشر مرات . وعادة ما تتعرض امرأة للضرب على يد شريكها كل 15 ثانية حسب دراسة الأمم المتحدة حول نساء العالم لسنة 2000 م . وتبلغ الشرطة بنسبة 16 بالمائة من النساء بحوادث الاغتصاب، وتغتصب امرأة كل 90 ثانية حسب وزارة العدل الأمريكية سنة 2000 م .
في فرنسا:
أكدت الجمعيات الفرنسية أن 95 بالمائة من ضحايا العنف من النساء، وأن 83 بالمائة من مرتكبي جرائم العنف قريبين من الضحايا، وفي تقارير لمنظمة العفو الدولية خاصة بحقوق المرأة بأن وضعية المرأة الفرنسية مثيرة للشفقة .
في جنوب افريقيا:
حسب إعلان الجمعية العامة لعام 2000 م استمر التمييز وعدم المساواة بين الجنسين سواء الاجتماعية أوالاقتصادية، وقد تم الإبلاغ عن 52975 حالة اغتصاب خصوصا في صفوف الفئة من 12 إلى 17 سنة التي تعتبر الأكثر عرضة لهذه الجرائم .
في مصر :
فمن بين كل ثلاث نساء مصريات تتعرض واحدة للضرب من قبل الزوج على الأقل مرة واحدة، والمرأة في الريف أكثر عرضة للضرب من المرأة في الحضر. وقد أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء دراسة بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان سنة 2015 م. حيث أكد أن 46 بالمائة من النساء تعرضن للعنف من طرف الزوج و90 بالمائة تعرضن لعملية ختان، و11 بالمائة أجبرن على الزواج …
في المغرب:
أجمعت كل الفعاليات الحقوقية على أن ما تعيشه المرأة المغربية من عنف يتزايد بشكل مخيف، فقد تجاوز تهديد السلامة الجسدية والنفسية للمرأة إلى تدمير الأسر، فحسب آخر تقرير للأمم المتحدة نونبر 2016 م بلغ عدد اللواتي تعرضن للعنف والتحرش 2,4مليون امرأة وقد انتقلت النسبة من 54,8 بالمائة إلى 63,3 بالمائة وفق المعطيات المسجلة لدى وزارة العدل والحريات إضافة إلى الاعتداءات الجسدية التي تشكل 47,7 بالمائة من إجمالي الحالات، وأن 80 بالمائة من النساء المعنفات تتراوح أعمارهن بين 19 و48 سنة .
وتجدر الإشارة إلى أن الاحصاءات والأرقام لا تشكل إلا الحد الأدنى من الحوادث التي تقع، لأنه لا يتم الإبلاغ عن جميع حوادث العنف نظرا لحساسية الموضوع، لكن الأرقام المتاحة تظهر ضخامة حجم هذه الظاهرة عالميا ومحليا.
قراءة في الأرقام:
إن أول الاستنتاجات التي تصرخ أمامنا بكل وضوح بعد قراءة الإحصاءات، أن العنف يمس كل الطبقات والأوساط الاجتماعية والفئات الثقافية والحضارية فالنساء معنفات في الغرب المرفه وفي الشرق المفقر، في حضارات التخلف والتبعية والحاجة والفقر وفي حضارات الصناعة والتقدم والتطور والثراء تختلف النسب والمؤشرات وأنواع العنف ولكن يظل المشترك الأبرز أن المرأة هي المستضعف الأكبر والمظلوم الأخطر مما يجعلنا نطرح سؤالا أعمق حول أسباب العنف وجذوره النفسية الإنسانية العميقة، هل الإنسان كائن عنيف بطبعه حيواني دوابي متوحش النزعات والنزوات ؟

أم أن طبيعة النموذج الحضاري الذي يراد تنميط العالم وفقه هو ما ينتج العنف ؟ حين يصور وجود الإنسان في الكون صراعا جدليا بين الطبقات والمفاهيم والنوازع والمصالح أو حين يصوره حيوانا مصلحيا أنانيا يغذي مصالحه وحاجاته ونزواته دون اعتبار للآخر سواء كان بيئة أو إنسانا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ؟
ومن هنا تأتي أهمية رسالة الإسلام للعالم وبدائله حين يقترح على الناس نموذجا إنسانيا قائما على الرحمة وعلى الأخوة والسلم.
المسلم من سلم الناس من لسانه ويده أي مجتمع عمران أخوي يكف فيه الأذى ويسوده الأمن في السرب ….وهذا جوهر الاختلاف مع النموذج الحضاري الجاهلي بشقيه الغربي والشرقي القائم على العنف والسيطرة والجبروت رغم محاولات الاختفاء وراء الحقوقية الإنسانية وقيم الحداثة والديمقراطية .إن ما قدمته الحضارة الغربية للبشرية طوال ثلاثة قرون من المادية المتسلطة حروبا كونية طاحنة وسباقا نحوالتسلح النووي وتخريبا للبيئة وعنفا ضد الإنسان بجنسيه وتكريسا لنظريات العنف والتهميش والإقصاء من خلال الثقافة والإعلام والفن وبث روح الشيطنة التطورية الصراعية أو الفرويدية المبررة للنزوات البشرية إن الجاهلية بماهي جهل بالله وجهل على الناس، قائمة على العنف مبدء ا ومعادا عنف لا يحده ولا يقيده إلا قانونية صارمة طورها الرجل الأبيض لضمان سلم اجتماعي مؤقت بعد حروب طاحنة أبادت البلاد والعباد وهو للأسف نموذج استطاع أن يفرض نفسه على باقي الحضارات في آسيا وافريقيا واستراليا ومن ضمنها المجتمعات الإسلامية التي تشترك مع العالم في ما تعانيه المرأة من شتى أنواع العنف والظلم وإن كان بدركات أكبر فالعنف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي و القانوني والأسري والجنسي صارخ لا ينكر ولايبرر و في أحيان لا يفسر .وهذا الاتفاق في التشخيص بالطبع لن يؤدي الى تبني نفس وصفات العلاج المفروضة بقوة النموذج الغالب…
فطريق التحرير من خلال الدفاع عن حقوق المرأة والدعوة إلى تحسين وضعيتها اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا من خلال نضالات الحركة النسائية العالمية والمحلية ومناهضة كافة أشكال العنف والتمييز ضد المرأة هو ضرورة شرعية و مطلب إنساني ملح ينبغي الانخراط فيه بقوة لرفع الحيف عن المرأة في العالم وفي مجتمعاتنا باعتبارها مستضعفة المستضعفين. …لكنه تحرير منقوص…مالم يتم تحرير المرأة/الإنسان تحريرا كليا بمعرفة انه عبد لله اولا مستقل و حامل للرسالة مؤتمن عليها، وظيفة حماية الفطرة في الأجيال المستقبلية وهذا رهان تربوي كبير يبدأ من تقدير المرأة لذاتها واحترامها لكينونتها ووعيها بمسؤولتها في تغيير الأجيال ورفضها لكافة أشكال التطبيع مع العنف أو القبول به أو الخضوع للأنماط الاجتماعية المنتجة له من خلال تكريس العادات والتقاليد فالإسلام جاء لتحرير الإنسان المرأة والرجل وحفظ الكرامة الإنسانية والوجود الأدمي .