الحمد لله حق حمده، نصر عبده وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام الأطيبان الأكرمان على من لا نبي بعده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه وحزبه.
فلسطين أرض الإسراء وبلد العطاء إلى يوم القيامة، لا يَثني ليوثَها الشجعانَ من خذل قضيتهم، ولا تُخيف أشبالَها الأبطالَ شدةُ بطش عدوهم عن المضي قدما لانتزاع حقوقهم مهما غلا الثمن وعظمت التضحيات.
ها قد مضت أزيد من ستة عقود من الزمن على وقوع أرض الإسراء والمعراج بين مخالب الاستكبار العالمي المتمثل في التحالف الصهيو- صليبي، وأمة المليار ونيف في فُرقة وضياع وهوان، لا تسمن أعدادنا الغثائية ولا تغني من جوع إزاء قلة متعلمة منظمة مسلحة من اليهود الغاصبين، استطاعت أن تعبئ طوال هذه العقود ولا تزال إلى جانبها ولأجل أهدافها ومصالحها كبارَ العالم.
ما كانت هذه الفواجع لتحدث لو صلح حال أمراء الأمة وعلمائها، فلم يشهد التاريخ يوما تفوق المكر اليهودي والخداع اليهودي على ذكاء المسلم وفراسة المؤمن لما كانت الأمة على سكة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا، أبداً. يرحم الله شيخ الدعوة والحجة عبد الحميد كشكاً، كان يردد: استأسد الحمل لما استنوق الجمل!) ويسرد قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه عندما غلبت فطنتُه دهاءَ ذلك اليهودي الذي كان يبتز أرزاق المسلمين الضعفاء يبيع لهم ماء بئره بغلاء، وكيف تمكن عثمان من شراء تلك البئر رغم أنف عقل وذكاء اليهود، أرجو أن يعود القارئ الكريم إلى قصة بئر عثمان لما فيها من جميل الدلالات وجليل العظات.
لقد جربنا خلال هذه العقود منازلة الصهيونية الدينية بعقيدة القومية العربية فهزمتنا، وقاتلناها بإيديولوجية التقدمية اليسارية فقهرتنا، ثم سلكنا سلاح المفاوضات السلمية فخدعتنا، ومن حين لآخر نشهد بوادر النصر في غزوات متقطعة يقودها هنا وهناك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، غير أنها لا تدوم طويلا نظرا لضخامة المؤامرة الدولية في مقابل وهن جسم الأمة.
أما الآن والمنة لله وله الحمد، فإن شمس الصهاينة ومن والاهم قد بدأت فعلا في الأفول، لقد بَطُلت أسطورة الجيش الذي لا يقهر في جنوب لبنان، ثم على صخرة غزة العزة مراراً، وسرت الروح الجهادية البطولية في أنحاء فلسطين الصابرة من أقصاها (المسجد) إلى أقصاها (المناطق)، امتدت إلى الأراضي التي التقمها العدو في حدود 1948 بتاريخ النصارى، وحسِب الاحتلال أن أهلها قد تقبلوا الجنسية الإسرائيلية وأذعنوا، وأنهم لن تقوم لهم قائمة.
كان المسجد الأقصى المبارك ولا يزال المحرك الرئيسي لقلوب المؤمنين وهمة المجاهدين، فكلما انتهك الصهاينة حرمة أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين هب الجميع لتلبية النداء رغم قلة الزاد وانعدام العتاد، رغم بطش العدو وخذلان القريب والصديق، رغم التدمير والتهجير، ورغم التقتيل والترويع، ينبري المدنيون العزل بما أوتوا من حجارة وسكاكين لا مجال لمقارنتها مع سلاح جيش العدو المدجج بتكنولوجيا الاستعلام والمراقبة وقوة الحديد والنار، ومع ذلك فقد بات أمن “إسرائيل النووية” في مهب الريح، قذف الله تعالى الرعب في قلوب بني صهيون وآتاهم من حيث لم يحتسبوا، يخافون من المرأة ومن الطفل، بل ويفزعهم حتى ظلهم، لا يثقون في أي شيء، لا جرَمَ يلتفتون في الشوارع يمينا وشمالا، ويتوجسون فيمن خلفهم وفيمن أمامهم، فهم أحرص الناس على حياة! شبح طعنات السكاكين يزعج راحتهم ويطارد نومهم.
فأين جنة أرض الميعاد التي تواعدتم على الالتقاء فيها معشر الصهاينة وجلبتم إليها بني جنسكم من كل أنحاء المعمور؟! ما عليكم إلا أن تعودوا من حيث أتيتم، فهو خير لكم إن أردتم التخلص من كابوس السكاكين.
قال الله عز وجل في الآية 5 من سورة القصص: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.