بعيدا عـن الدبلوماسية، أطلّ أبـو عبيدة الناطق الرسمـي باسم كتائب القسام لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يوم الجمعة (2025.07.18) ليوجه اتهاما صريحا لحكام العرب والمسلمين والنخب والعلماء وعموم الفاعلين المجتمعيين مُحمّلهم مسؤولية المشاركة فـي جريمة الإبادة والتطهير العرقـي الذي يتعرض له الشعب الفلسطينـي فـي قطاع غزة؛ اتهام مباشـر لا يحتمل تأويلا: “إن رقاب قادة الأمة الإسلامية والعربية ونخبها وعلمائها مثقلة بدماء عشـرات آلاف الأبرياء ممن خُذلوا بصمتهم”؛ اتهامٌ بمنسوب عال من الشعور بمرارة خذلان أمة المليارين لإخوة الدين والعروبة بل والإنسانية، حرّك وجدان الشعوب فهبت فـي مسيرات وفعاليات تضامنية فـي مختلف ربوع العالم تستنكر مخطط التجويع والتقتيل الممنهج لأهل غزة، ولم يكن للمغاربة أن يتخلفوا عـن الموعد، فحجّوا فـي مسيرة حاشدة ضاقت بها جنبات الرباط علـى اتساعها صباح الأحد 2025.07.20؛ مسيرة بحجمها وشعاراتها ومكوناتها المجتمعية والعُمْرية حُبلـى بالرسائل، ومنها:
– المسيرة بتنظيمها مؤشـر لا تخطئه عين المتتبع علـى المستوى العالـي للوعـي الشعبـي، فأن تحج هذه الجحافل من مختلف ربوع المغرب وتنتظم فـي صفوف تردد شعارات قاصدة دون تسجيل حالات إرباك أو إخلال بالأمن العام أو ضرر بالممتلكات العامة والخاصة، فهذا مفخرة للشعب المغربـي تجسد استثناءً حقيقـيا، وتدحض كل محاولات النيل من نضجه من خلال التركيز علـى حالات معزولة لاستدعاء المقاربات الأمنية.
– التأكيد علـى مركزية القضية الفلسطينية فـي وجدان الشعب المغربـي، فأن تهب هذه الألوف من مختلف الفئات والمناطق تجاوبا مع الدعوة للمسيرة، حيث لم تتجاوز مدة التعبئة 24 ساعة، معناه أن القضية الفلسطينية أولوية تؤجل كل الانشغالات.
– المسيرة بشعبيتها وعفويتها استفتاء شعبـي للرد علـى دعاة التطبيع والساعين لتثبيته.
– المسيرة بما هـي استنكار شعبـي لما يتعرض له أهل غزة من إبادة جماعية وتطهير عرقـي من طرف الكيان منذ أكتوبر 2023 إبراءٌ للذمة الجماعية للشعب المغربـي، الذي حالت حدود “سايس بيكو” المصطنعة بين الشعوب العربية دون ترجمة تعاطفه إلـى دعم حقيقـي كما يشهد بذلك باب المغاربة فـي القدس الشريف.
– المسيرة تبرؤٌ شعبـي مما يُتخذ من قرارات للتطبيع تحت دواع واهية أثبتت نوايا الكيان الغاصب التوسعية بوارها؛ قرارات تطبيع ترسخ واقع الخنوع والذيلية لأعداء الأمة.
– وبالمقابل، المسيرة وما يشهد به الشارع المغربـي من فعاليات تضامنية لم تنقطع منذ بداية العدوان تأكيد علـى استعداد الشعب لتقديم التضحيات دعما للقضية الفلسطينية باعتبارها أم القضايا التـي تفتل فـي حبل عزة الأمة.
– المسيرة رسالة للكيان الغاصب وداعميه غربا وعربا أن فلسطين قضية أمة إسلامية تتوارثها أجيال تتعبأ لمعركة فاصلة ضد أعداء الأمة علـى أرض فلسطين تحريرا للمسجد الأقصـى المبارك، واستعادة للعزة والتمكين الموعود به متـى توفرت شروط النصـر، والتـي تسطـر المقاومة الفلسطينية معالمه.
مرة أخرى، كان الشعب المغربـي فـي الموعد انتصارا للحرية والكرامة، وتجديدا لعهد نصـرة فلسطين صلاح الدين، كما فـي أندلس يوسف بن تاشفين، حيث لم تحُلِ العوائق الجغرافية دون تلبية النداء وتقديم الدعم والإسناد.
فتحية تقدير وإجلال للشعب المغربـي نسائه قبل رجاله، وشبابه قبل شيبته، وهو يسطر ملحمة شعبية قياما بواجب النصرة لأهالينا فـي غزة، والخزي والعار لمن اختار أن يركب سفينة التطبيع والخيانة، ورضـي لنفسه أن يكون بوقا للتخذيل والتثبيط. وصدق الله العظيم القائل فـي محكم التنزيل: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. والحمد لله رب العالمين.