قدّمت العدل والإحسان وثيقتها السياسية اليوم، الثلاثاء 06 فبراير 2024، في لقاء إعلامي بالرباط، بحضور وجوه وشخصيات مجتمعية بارزة من مشارب سياسية وأكاديمية واقتصادية وحقوقية ودعوية متنوعة، وبحضور منابر إعلامية ووكالات أنباء، وهي الوثيقة التي حبلت بـ777 مقترحا في مختلف المجالات، وتؤطر مقترحات الجماعة للعشر سنوات المقبلة، وقابلة للتطوير والتجديد وفق نفس المقاربة التشاركية التي حكمتها.
اللقاء الإعلامي الذي أداره نائب رئيس الدائرة السياسية الأستاذ محمد حمداوي، وألقى كلمته الافتتاحية رئيس الدائرة الدكتور عبد الواحد المتوكل، وبسط محدداتها ومحاورها الدكتور محمد منار إلى جانب الدكتور عمر إحرشان والأستاذة أمان جرعود، عرف تفاعلا كبيرا ونقاشا من قبل الصحافيين والحاضرين الذين أغنوه بتساؤلاتهم الموجهة إلى الأمانة العامة للدائرة السياسية للعدل والإحسان بشأن الوثيقة التي قدمت مضامينها.
وتناولت أسئلة الصحافيين ومداخلات الحاضرين الجهة المستهدفة تحديدا بهذه الوثيقة، كما تساءل عدد من الإعلاميين عن إمكانية اعتبار هذه الوثيقة بوادر لتأسيس حزب سياسي، كما تساءل آخرون عن مدى تضمّن الوثيقة لمسائل يمكن أن تكون مطروحة للتفعيل الآني في الأسابيع المقبلة فضلا عن موقف الجماعة من الملكية البرلمانية، وكذا علاقة الوثيقة بالنظرية المنهاجية التي أسسها الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله، وغير ذلك من القضايا التي أثارها الحاضرون.
متوكل: الوثيقة إسهام في تحريك الوضع السياسي الراكد
الدكتور متوكل، رئيس الدائرة السياسية للجماعة، كشف أن الوثيقة كانت جاهزة منذ عدة أشهر غير أن الجماعة ارتأت تأجيل نشرها؛ بداية لغياب إرادية حقيقية للإصلاح، وبيئة تعددية ديمقراطية قابلة لاستيعاب الجميع ودون إقصاء، ثم بعدها بسبب الكوارث التي توالت على بلدنا؛ زلزال الحوز وسعار التطبيع والاحتجاجات الاجتماعية والحرب الهمجية على غزة. وأن الإعلان عنها في هذا الوقت جاء مخافة أن تتقادم معطياتها.
وأوضح بأن الوثيقة تقدم “مقترحاتنا في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمجتمعي، ليس بنفَس البرنامج الانتخابي، وإنما بصيغة يرجى أن تكون مساهمة في تحريك الوضع السياسي الراكد وإثارة نقاش عمومي حول الإصلاحات العميقة التي يحتاجها بلدنا للخروج من حالة الاختناق التي يعيشها وما ترتب عليها من إفساد للبلاد وظلم للعباد وحرمان من العيش الكريم لفئات واسعة من هذا الشعب المبتلى”.
وأعرب عن أمله في أن “تكون حافزا على العمل المشترك مع الغيورين في هذا البلد وتبديد الحواجز النفسية.. والتنبيه على خطر تضخيم الخلافات بين أبناء الوطن الواحد والدخول في معارك هامشية تثير الأحقاد وتستنزف الجهود وتترك المجال فسيحا للمفسدين لكي يفعلوا بالبلاد والعباد ما يشاؤون دون حسيب ولا رقيب”.
حمداوي: الجماعة سبق أن أسست مراكز الدراسات لبناء قوة اقتراحية مسايرة لتطور الواقع
ثم تحدث الأستاذ محمد حمداوي نائب رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان عن سياقات الوثيقة العام والخاص، ضمن سلسلة الوثائق السابقة للجماعة، وكذا كيفية خروجها للعلن.
ففي السياق العام أوضح أن تاريخ الجماعة عرف محطات في إصدار وثائق داخلية كثيرة، لا مجال للحديث عنها الآن، ووثائق أخرى معلنة وهي نوعان: وثائق عامة وأخرى خاصة أو متخصصة. فأول وثيقة أصدرها المرشد الأستاذ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه كانت، قبل تأسيس الجماعة، سنة 1974، وهي الرسالة الشهيرة إلى الراحل الحسن الثاني الإسلام أو الطوفان، ثم رسالة القرن في ميزان الإسلام من الإمام ياسين أيضا سنة 1982، ثم رسالة إلى من يهمه الأمر سنة 2000 للملك محمد السادس، ثم رسالة المجلس القطري للدائرة السياسية التي كان عنوانها: “جميعا من أجل الخلاص” سنة 2007.
أما الوثائق الخاصة فمنها: التقارير السياسية الدورية التي يصدرها المجلس القطري للدائرة السياسية، والتي قررنا أن نخرجها للعلن في السنوات الأخيرة، ثم الوثيقة المنتقدة لدستور 2011 والتي أصدرتها الأمانة العامة للدائرة السياسية سنة 2012.
وبالنسبة للسياق الخاص، فقد بيّن عضو مجلس إرشاد الجماعة أن تأسيس مراكز الدراسات والخبرة سنة 1998 مع تأسيس الدائرة السياسية، كان أولا لحرص الجماعة على الجمع بين الخبرة العلمية الدراسية والخبرة التنظيمية الميدانية في اتخاذ القرار وتدبير شؤون الجماعة، تفعيلا للمبدأ الذي ينص على أن المعلومات الكافية والصحيحة تؤدي إلى اتخاذ القرارات المناسبة والأكثر دقة. ولحرصنا ثانيا على بناء القوة الاقتراحية للجماعة، والمسايرة لتطور الواقع وتطور المجتمع وحاجاته المختلفة وتطور الوضع الإقليمي والدولي.
منار: الوثيقة ليست ورقة مذهبية وليست برنامجا تنفيذيا
وفي مداخلته وقف الدكتور محمد منار عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية على ست محددات عن طبيعة هذه الوثيقة، موضحا في الأولى أنها ليست ورقة مذهبية تنحصر في التعريف بالتصور الاستراتيجي العام. وليست برنامجا تفصيليا تنفيذيا، إذ هي منزلة بين المنزلتين، وهي لا تلخص المنهاج النبوي ولكن تنطلق منه وتتأسس عليه للتقدم خطوات فيما يتعلق بالتنزيل والتفصيل، بما لا ينزل إلى مستوى البرنامج التتفيذي. لأن موقع الجماعة ولا طبيعة المرحلة يسمحان بذلك.
وفي المحدد الثاني، اعتبر منار أن الوثيقة ليست وثيقة تشخيص ووصف للواقع وإنما ذلك يحتل حيزا ضيقا، وما يغلب عليها هو الاقتراح، نعم كان هناك تشخيص واسع للواقع لكن التعبير عن هذا التشخيص كان باقتضاب وتركيز شديد واكتفينا بالتطرق للاختلالات الجوهرية. يقول المتحدث.
واسترسل منار معتبرا أن ما في الوثيقة من اقتراحات حكمتها أربعة أمور أولها الانطلاق من منطلقات الجماعة التصورية، والثاني تشخيص الواقع والثالث التجارب الناجحة، بينما الرابع تحري قابلية الاقتراح للتطبيق، حيث إن ما اقترح هنا ليس تعجيزيا وإنما قابل للتطبيق متى تحققت الإرادة وحصل التعاون على ذلك.
فإذا شملت اقتراحات الوثيقة مختلف المجالات وكلها تشكل نسقا متكاملا غير مفصول بعضه عن بعض، كما ذكر منار، فإنها مقترحة لمرحلة زمنية نقدرها بعشر سنوات، وكما أنها تعبر عن تطور طبيعي في مسار جماعة العدل والإحسان فإنها قابلة للتطوير والتجديد وفق نفس المقاربة التشاركية التي حكمتها.
جرعود: أن تحمل الوثيقة تدقيقا وتطورا لا يعني القيام بتراجعات عن مواقفنا المعروفة
وفي تفاعلها مع أسئلة الصحافة اعتبرت الأستاذة أمان جرعود أن الوثيقة السياسية التي طرحتها الجماعة اليوم، فيها تطور طبيعي لمواقف الجماعة، وكونها تحمل تطويرا وتدقيقا في عدد من القضايا والمواقف والاقتراحات لا يعني أنها تحمل أي انزياحات أو تراجعات في المواقف المعروفة عن الجماعة.
وشددت جرعود في كلمتها على أن الوثيقة السياسية لم تُعد على عجل، وإنما أخذت ما يكفي من الوقت ومن التداول داخل المؤسسات باختلاف اختصاصاتها، وذهبت إلى أن الضمائر الحية التي تسعى دائما إلى إيجاد المساحات المشتركة، معول عليها. وتابعت موضحة أن رفض الجماعة لتأسيس حزب، ليس اخيارا وإنما ضرورة أملاها سياق الحال والمعايير التي تتأسس بها الأحزاب في السياق المغربي.
وذهبت إلى أن الجماعة دائما كانت تقترح، مع تباين حجم مقترحاتها في كل مرحلة حسب اختلاف هذه المراحل، لكنها الآن ارتأت أن تقترح بعض الاقتراحات التفصيلية وفق ما تراه مناسبا.
ونفت أن تكون الجماعة من خلال هذه الوثيقة أرسلت رسائل أو مؤشرات إلى جهات معينة باعتبارها حسن النوايا من أجل الانخراط في الممارسة السياسية وتأسيس حزب سياسي، مشددة على أن الجماعة في صلب الممارسة السياسية كما تفصل ذلك العلوم السياسية التي تميّز بين الممارسة من داخل النسق الرسمي ومن خارجه بأدواتها ووسائلها وأشكالها وأهدافها والتعبئة والتواصل والضغط والاحتجاج التي طورتها التنظيمات التي تشتغل من خارج النسق الرسمي، لكنها بالأكيد تمارس فعلا سياسيا يؤثر في المشهد السياسي وأكثر من هذا يؤثر في القرار السياسي، ولهذا فنحن نعتبر أننا في عمق العمل السياسي.
إحرشان: الوثيقة تريد أن تسهم في إثراء النقاش وفي توسيع أجواء الثقة
من جهته اعتبر الدكتور إحرشان في جوابه عن سؤال مرتبط بالملكية البرلماية أن الأنظمة لا تتفاوت وتتفاضل من حيث أشكالها ولكن من حيث محتواها، ونرى أن المرحلة الآن تفرض علينا الحديث عن المضامين وهي باتت معروفة لدى الجميع، لذلك جاء في الوثيقة وتكرر أكثر من مرة “التأسيس لنظام ديموقراطي”، وجاء أيضا “جعل الانتخاب الشكل الوحيد المعبر عن إرادة الأمة”، وأيضا فيها “المدخل الأساس للتخلص من الفساد يكمن في الانتقال من نظام سياسي سلطوي إلى نظام ديموقراطي”، وغيرها من المضامين في هذا الاتجاه.
وأشار إحرشان في معرض حديثه إلى أن الوثيقة هي وثيقة إعلان مؤسساتي من طرف جماعة العدل والإحسان، المقصود بها أولا كل المغاربة، والمقصود بها ثانيا باقي الشركاء في هذا الوطن ومكوناته جميعا، كثرت نقاط الاتفاق معهم أم قلت لكي نزيل الغبش عن عدد من الآراء المرتبطة بالجماعة، مشددا على أن مجموعة من الآراء التي كانت مجرد آراء لكنها اكتسبت الآن صبغة المؤسساتية بعد صدور هذه الوثيقة.
وذهب إحرشان إلى أن الجماعة مستعدة للتضحية إلى جانب الباقي في سبيل تقوية جبهة محاربة الفساد، لأن تغيير ميزان القوى يحتاج إلى تضحيات، ولسنا في مرحلة تقسيم الغنائم. موضحا أن الوثيقة تريد أن تسهم في إثراء النقاش، وفي توسيع أجواء الثقة، ونقدم فيها مقترحات كلها بنَفَس توافقي لأن النَّفَس الذي كتبت به الوثيقة هو البحث عن التوافق.