مساهمة منها في النقاش الدائرة وطنيا حول تعديل مدونة الأسرة، نظمت “الجمعية المغربية مكارم للأخلاق والقيم” ندوة وطنية عن بعد مساء أمس الأربعاء 27 مارس ناقشت فيها موضوع: “تعديل مدونة الأسرة.. بين الانتظارات الحقيقية للمجتمع المغربي وتوصيات الأمم المتحدة”، أدارتها الأستاذة إكرام أيت لوحي وشارك فيها نخبة من الأساتذة المهتمين بالموضوع، سلطوا الضوء على مضامين الانتظارات الأممية التي تخص تعديلات مدونة الأسرة المغربية، وأهداف الجهات التي تسعى إلى ممارسة الضغط على الدولة في هذا الاتجاه، والدواعي الحقيقية للمطالبة بهذه التعديلات في هذه الآونة، وقضايا أخرى.
الأستاذ ميلود قنديل، رئيس الفيدرالية المغربية لحقوق الإنسان والمحامي بهيئة الدار البيضاء، أعلن في مداخلته الموسومة بـ”تعديل مدونة الأسرة: الدوافع والأسباب”، بأن الفيدرالية تعتبر هذه القضية “مركزية وأساسية ومصيرية في مجتمعنا المغربي”. وبنى مداخلته على طرح مجموعة من التساؤلات المفضية وفقه إلى بلوغ الغاية من طرح الموضوع.
لماذا تعديل مدونة الأسرة الآن؟ سؤال طرحه قنديل اعتقادا منه على أن “أي فعل جاد عقلاني راشد منتج يقتضي الإجابة عنه”.
ما الداعي إلى التعديل؟ وما موجباته؟ لأن الداعي والدافع حسب قوله “يكشف مدى جدية الفعل ومدى الحاجة إليه” ويكشف “عن الغايات والجدوى من التعديل”.
هل هناك حاجة مجتمعية كما تجري التعديلات في القوانين في أي نظام سياسي يحترم الإرادة الشعبية؟ و”التي تكون بالطبع إجابة للحالات المجتمعية”… وإذا كانت هناك حاجة مجتمعية للتعديل، هل هناك دراسات علمية سوسيولوجية كشفت عن الحالات المجتمعية التي تقتضي هذا النوع من التعديل؟ وما هي هذه الدراسات؟ وما هي الخلاصات التي خلصت إليها هذه الدراسات؟ هل تقدم أي منبر أو مؤسسة في البلاد بدراسات تبرز من خلالها الاختلالات المجتمعية التي دعت إلى هذا التعديل أم أن الداعي والدافع والغاية من موجب التعديل أجنبي بلباس حاجة مجتمعية؟… ليخلص إلى أن تتبع الواقع يظهر “جليا أن هناك قرائن تؤكد أن الدافع إلى هذا التعديل هو دافع أجنبي لا علاقة له بإرادة المجتمع”، وهو ما جلاه في بقية مداخلته.
الدكتور عبد السلام أيت سعيد، أستاذ باحث في الحكامة التوثيقية ومقاصد الشريعة وعدل موثق بدائرة محكمة الاستئناف بالرباط، تطرق في مداخلته لموضوع “إصلاح مدونة الأسرة وسؤال المرجعية”، وارتأى أن يمهد لها بثلاث مقدمات:
1- منهجية إصلاح المدونة، معتبرا أن هذا الإصلاح ورش مجتمعي كبير، “يحتاج إلى تأصيل علمي يرد الفروع إلى الأصول والجزئيات إلى الكليات، ويؤسس للقواعد اللازمة لوضع منهجية علمية لهذا الإصلاح والتعديل، لضبط المسار والأفق”… وأن هذه المنهجية “تحتاج إلى المزيد من الدراسة والمناقشة والملاحظة النافعة مع أهل العلم والاختصاص ورجال الفكر والقانون والخبرة”.
2- الأسرة وصناعة المعنى، فالأسرة يقول المتحدث “لها دور مركزي في الحفاظ على الهوية وهي منظومة صانعة للمعنى، هي بمثابة جماعة وظيفية تشمل ثلاث أجيال على الأقل”، ومهما كان شكل الأسرة فإنها “تقوم على دعامتين أساسيتين؛ دعامة بيولوجية تتمثل في علاقة الزواج والتزاوج وعلاقة الدم بين الأبناء والوالدين، ثم الدعامة الاجتماعية والثقافية والقيمية التي تتجلى في نقطتين أساسيتين؛ أولا- علاقة المصاهرة.. وثانيا- قوانين الأسرة والأحوال الشخصية والقيم الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد والأعراف وشبكة العلاقات مع الآخرين”… هذه الدعامة يجب استصحابها في تقنين وإصلاح المدونة كي لا يكون التشريع في واد والمجتمع في واد آخر، يضيف أيت سعيد.
3- المدونة إصلاح أم إلغاء؟ فـ”الإصلاح في المنهجية العلمية يراد به إصلاح الخلل وتجويد النصوص وإعادة النظر في القواعد الإجرائية بشكل واضح ومحدد” يبين المتحدث، ويضيف أنه بعد مرور 20 سنة على المدونة السابقة “ينبغي أن نقف من أجل تقييم الأثر التنظيمي لمدونة الأسرة، والمراجعة العملية للنصوص والقواعد الأسرية، وتطوير ملاحظات حول كيفية الصياغة الجديدة لهذه المدونة حتى يكون القانون الأسري أكثر كفاءة وفعالية”…
الأستاذة نبيهة التركوتي، فاعلة جمعوية وباحثة في شؤون المرأة والأسرة، لفتت في مداخلتها المعنونة بـ”مدونة الأسرة.. شروط الإصلاح والتنزيل” إلى أن “الموضوع حظي بنقاش واسع وتعددت فيه وجهات النظر وزوايا الرؤى حسب مقاربات مختلفة، امتزج فيها القانون بالفقه والسياسة وعلم الاجتماع والفلسفة”، لذلك فإن خلاصة هذا النقاش في العموم، تسترسل التركوتي “يتأرجح بين خطابين اثنين؛ الأول هجومي لا يعترف بالثوابت، تستفزه في الغالب مخلفات موروث تاريخ معين، ثم خطاب انفعالي تؤطره ثقافة الرد على الشبهات والتبرير”، لذلك ترى المتحدثة أنه “لا يمكن أن يتطور النقاش بدون تحديد مساحة مشتركة تكون فيها مصلحة الأسرة بكل مكوناتها أولى الأولويات”.
وبالتسليم بأن فعلا هناك حاجة لتعديل المدونة، يكون من الضروري الوقوف على “مجموعة من الشروط اللازمة لإنجاح هذا الورش، وهي شروط ستجيبنا لاحقا على سؤالين: هل إصلاح مدونة الأسرة غاية في حد ذاته؟ وهل نملك رؤيا واضحة لما بعد إصلاح المدونة؟”.
وقبل بسط هذه الشروط ساقت التركوتي معطيات “يمكن أن تساعدنا في تحديد السياق الصحيح لإصلاح المدونة” ذلك “أنه ليس وليد اللحظة بل جاء ضمن محطات متعددة كان آخرها سنة 2004″، استقتها من تقرير للمجلس الأعلى للقضاء حول موضوع الطلاق في الفترة الممتدة بين 2019 و2021، حيث “سجل ما يقارب 589 ألف حالة لطلبات الطلاق، توزعت على نوعين من الطلاق: قضايا الطلاق بمسطرة عادية وهي تمثل فقط 28% في حين مست قضايا التطليق 72%، منها 71% قضايا تطليق بالشقاق”.
وقراءة في هذه المعطيات خلصت التركوتي إلى الخلاصات التالية:
1- ارتفاع نسبة الطلاق مقارنة بطلبات الزواج، بعد تعديل 2004.
2- اتساع كبير في نسب التطليق بالشقاق، وذلك لأن هذه المسطرة لا تشترط إثباتا خاصا.. والبت فيها لا يتجاوز 6 أشهر، ثم تتنازل المرأة فيها على جميع مستحقاتها المالية.
3- تعدد مساطر الطلاق والتطليق لتصل إلى 10 مساطر وكلها فيها جانب كبير من التعقيد.
4- تعدد القراءات للنص القانوني والاجتهاد القضائي في إعمال النصوص جعل كل محكمة تقضي بحكم مغاير للأخرى.
5- يتضح أن المقاربة القانونية وحدها غير كافية للبت في القضايا المجتمعية، إنما نحتاج إلى مقاربة شمولية تتمثل في مجموعة من الشروط، ذكرتها فيما لحق من مداخلتها…
لمشاهدة المداخلات القيمة كاملة نضع الشريط بين أيدي قرائنا الكرام: