خلق الله الذكر والأنثى وجعلهما مستخلفين، متكاملين في أداء وظيفة إعمار الأرض، الرجل مهمته القوامة والأنثى الحافظية، والحكمة واضحة؛ توفير الأسباب والظروف الملائمة لنشأة أسرة ومجتمع متوازن ومستقر وفق شرع الله تعالى، وكلاهما مقصودان بالعبادة والاستعداد للقاء الله عز وجل بالنية والعمل، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56).
والأسرة هي اللبنة التي تتكون من الزوجين والأبناء، وتكوينها يبدأ بالزواج معمار الكون وسكن النفس ومتاع الحياة، بقيامه تنتظم الحياة ويتحقق العفاف والإحصان، يجمع الله بالنكاح الأرحام المتباعدة والأنساب المتفرقة، وعد الله فيه بالغنى والسعة في الرزق، والله يرزق من يشاء بغير حساب.
فما هي مفاتيح السعادة الزوجية؟
1- تعظيم نعمة الزواج
وصف الله عز وجل الزواج بأنه ميثاق غليظ، كما في سورة النساء، وهو نفس الوصف الذي ذكره عن الميثاق الذي أخذه على أولي العزم من الرسل كما في سورة الأحزاب آية 7، قال قتادة: (الميثاق الغليظ) هو ما أخذ الله تعالى للنساء على الرجال، فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وقد كان ذلك يؤخذ عند عقدة النكاح، فالمطلوب تجديد النية قبل الزواج وبعده وتعظيم ما عظم الله وتجنب الظلم والأذية والخلق السيء.
2- الكلمة الطيبة
ليعوّد كل من الزوجين نفسه على أن يسمع صاحبه كلمة طيبة، سواء أكانت شكرا، أم ثناء، أم تعبيرا عن حب وامتنان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، ويُعِينُ الرَّجُلَ علَى دابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عليها، أوْ يَرْفَعُ عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، ويُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ” [1].
3- التعاون على أداء الطاعات
الزوج المؤمن والزوجة المؤمنة يعيشان معا في سعادة دائمة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلا تجدهما إلا متعاونان على فعل الطاعات محافظان عليها، تاركان المعاصي ومجتنبان إياها. يشتركان في قيام الليل، ويحرصان على بر والديهما وعلى حسن تربية أبنائهما، وفي التصدق على الفقراء، والدعوة إلى الله، وفعل الخيرات.. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلا قام من الليل، فصلى وأيقظ امرأته فصلَّتْ، فإن أبتْ رشَّ في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلَّتْ وأيقظتْ زوجها فصلَّى، فإن أَبَى رشَّتْ في وجهه الماء) [2].
ما أجمل أن يقرأ الزوجان معا آيات من القرآن ويتدارسان معانيها، ويذكران الله سويا مستقبلان القبلة، ويجعلان ذلك وِرْدًا ثابتا، وسيشعران بأثره الطيب وبركته على قلوبهم وبيتهم وأبنائهم وحياتهم، بل إنه يذيب ما قد يعلق بقلب الزوجين من آثار الخلافات والمشاكل و هموم الدنيا الفانية، فيسعد الزوجان في الدنيا والآخرة وتصفو القلوب وتطمئن.
4- الدعاء عن ظهر الغيب
فالدعاء مخ العبادة وهو سلاح المؤمن، فليدع كل منا لنفسه ولزوجه دعاء خاصا وخالصا عن ظهر الغيب، ومن الأدعية التي ينصح بها الدعاء المذكور في سورة الفرقان الآية 74: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍۢ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، ويبقى باب الدعاء مفتوحا مع استحباب اغتنام الأوقات الفاضلة كجوف الليل وما بين الأذان والإقامة وغيرها.
5- التغافل عن العيوب والزلات
قال الحق سبحانه وتعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم لما أخطأت بعض أزواجه: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (التحريم: 3)، وفي الآية توجيه رباني عظيم يؤصل لمنهج التغافل في حياتنا اليومية بشكل عام وفي بيوتنا بشكل خاص، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر) [3]. وهنا إشارة وتربية نبوية للتحلي بأدب التغافل في الحياة الزوجية، لأنه من الأخلاق الرفيعة والقيم النبيلة التي تحمل معاني الصدق والإخلاص في بذل المشاعر اتجاه شريك الحياة، فالزوجة المؤمنة والزوج المؤمن ينظران إلى بعضهما بعين التعظيم والرضا، فلا تكاد عيناهما ترى إلا الحسن والجميل في الآخر.
لنخفف اللوم والعتاب على كل كبيرة وصغيرة، فاللوم قتال كما يقولون، ولنتذكر حديث سيدنا أنس رضي الله عنه في النبي صلى الله عليه وسلم: “ما قال لي لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم أفعله لمَ لمْ تفعله” [4].
6- التواصل والحوار
لينصت كل منا إلى صاحبه، وليظهر اهتمامه بحديثه، فإن الإنسان يحتاج إلى من يفهمه ويحس به، وما بين الزوجين أقرب مما بين كثير من الناس، فالحوار يوسع مساحة التفاهم ويجيب عن الكثير من الأمور الغامضة والمغلوطة بين الزوج والزوجة، ويقرب البعيد، لنجلس في مكان هادئ ولنعبر عما يفرحنا ويضايقنا ولنبحث عن الحلول بكل مرونة مع الاستعانة بالله تعالى.
7- الصبر
فالصبر عدة المؤمن ومفتاح الفرج، ولأننا سنحتاج إليه كثيرا، لنتذكر أن الله تعالى أثنى على الصبر وبشر أصحابه بالرحمة والرضى منه تعالى، حتى تكرر ذكر الصبر في القرآن في قريب من تسعين آية.
ليكرم كل منا أهل الآخر، وخاصة والديه، وليحتمل ما يصدر منهما اتجاهه وليستحضر أن الدنيا فانية وأنها دار امتحان وابتلاء، والكيس من صبر وكظم غيظه وعفا وجعل وجه الله أمامه دائما وأبدا، فمن عرف ما طلب هان عليه ما وجد، يقول عز وجل: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال: 46).
8- الاعتناء بالمعاشرة الزوجية
فالمعاشرة الزوجية وما يسبقها من تزين وتطيب هي واحدة من أهم ركائز السعادة الزوجية؛ لأنها تقوم على التودد والانسجام، وتزيد من قوة العلاقة وصلابتها بين الطرفين، وتنمي الحب بين الزوجين، وتشبع الغرائز الدفينة في النفس البشرية.
والجماع من الأمور المهمة التي أتى ديننا الحنيف بتوضيحها وشرع لها من الآداب والأحكام ما يجعلها أكثر من مجرد لذّة بهيمية وقضاء عابر للوطر، بل قرنها بأمور من النيّة الصالحة والأذكار والآداب الشرعية التي ترتقي بها إلى مستوى العبادة التي يُثاب عليها المسلم. وقد جاء في السنّة النبوية تبيان لذلك؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد: (وأما الجماع أو الباه، فكان هديه فيه – صلى الله عليه وسلم – أكمل هدي، يحفظ به الصحة، وتتم به اللذة وسرور النفس، ويحصل به مقاصده التي وضع لأجلها، فإن الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية:
أحدها: حفظ النسل، ودوام النوع إلى أن تتكامل العدة التي قدر الله بروزها إلى هذا العالم .
الثاني: إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن .
الثالث: قضاء الوطر، ونيل اللذة، والتمتع بالنعمة. وهذه وحدها هي الفائدة التي في الجنة، إذ لا تناسل هناك، ولا احتقان يستفرغه الإنزال. .
وفضلاء الأطباء يرون أن الجماع من أحد أسباب حفظ الصحة) [5].
وقال رحمه الله تعالى: (ومن منافعه – أي الجماع -: غض البصر، وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة، فهو ينفع نفسه في دنياه وأخراه، وينفع المرأة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعاهده ويحبه، ويقول: (حبب إلي من دنياكم: النساء والطيب) [6].
9- التهادي
يعتبر تقديم الهدايا بين الزوجين من فترة لأخرى تجديدًا للعلاقة بينهما، ونوعًا من التشويق والتغيير من رتابة الحياة اليومية، وهي تؤلف القلوب وتدخل الفرحة عليها وتعمق أواصر المحبَّة، إضافة لكونها امتثالا لما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “تَهَادُوا تَحَابُّوا” [7].
فمن تمام شكر الله تعالى شكر الناس، والزوجين معا أحق بالشكر، فالزوجة تتعب وتقوم بأغلب أشغال البيت وتربي أبناءها وتجتهد من أجل إسعاد زوجها ومن حولها وقد تعمل حتى خارج البيت، والزوج كذلك يشتغل خارج البيت ويتعب ويبذل جهده ليوفر الراحة والسعادة لزوجته وأولاده، فتأتي الهدية، كتعبير عن الشكر ورغبة في التودد، وليس شرطا أن تكون ثمينة فكل حسب قدرته.
وبصفة عامة فالنجاح والسعادة في الحياة الزوجية رهين بتجديد النية وتعظيم هذا الميثاق والحرص على التخلق بالأخلاق الحسنة والآداب الإسلامية واتباع الهدي النبوي الذي أعطى الخيرية للأزواج المتصفين بالرحمة والرفق والذوق والمعاملة الحسنة، عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلِي” [8].
يقول الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى: “وإن الله تعالى أمر بالعدل والإحسان. فالذي كان يمسك البيت النموذجي والزوجين الفاضلين والمجتمع الأول ضوابط العدل والحقوق المؤداة، ثم الإحسان بهذا المعنى الأول للإحسان. قَلع المؤمنات والمؤمنين الإيمانُ والتطلعُ إلى مقامات الإحسان من أرض المشاحّة والمخاصمة على الحقوق. توَّج الإحسانُ العدلَ وتخلّله وسكن بين ضلوعه. فالمرأة الزوج تصبر عن بعض حقها إحسانا واحتسابا، والزوج الرجل يجتهِد ليوفيها حقها ويزيد خوفا من الله ورجاء في مثوبته وقربه، إن كان العدل يُسوّي كفتين إحداهما تنظر إلى الأخرى على صعيد بشري، فالإحسان يرفع نظر الزوج وزوجه إلى الأعالي” [9].
فالله نسأل أن يجعل بيوتنا سعيدة آمنة عامرة بالمحبة والوئام، يسودها الجو الإيماني الإحساني المتشوف لمقام الخيرية.
[1] المحدث: البخاري في صحيحه، الصفحة أو الرقم: 2989.
[2] التخريج: أخرجه أبو داود (1308) في مسنده وحكمه صحيح.
[3] المحدث: ابن كثير، المصدر: تفسير القرآن. الصفحة أو الرقم: 2/212، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
[4] المحدث: ابن عساكر، المصدر: معجم الشيوخ، الصفحة أو الرقم: 1/463، خلاصة حكم المحدث: صحيح، التخريج: أخرجه البخاري (1973).
[5] ابن القيم الجوزية، الطب النبوي، ص 249.
[6] رواه أحمد 3/128 والنسائي 7/61 وصححه الحاكم.
[7] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (رقم: 594).
[8] الترمذي في صحيحة، الصفحة: 3895.
[9] عبد السلام ياسين، تنوير المومنات. ج: 1، ط: 2. ص: 186.