بل الرفيق الأعلى

Cover Image for بل الرفيق الأعلى
نشر بتاريخ

كلمة تختزن من الحب والشوق للذات العلية ما يكفي لأن يستعجل الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه لقاء الروح بالروح، لقاء الحب السرمدي الذي سكن سويداء الفؤاد؛ حب أدخل الحبيب غار حراء فخرج منه وقد شرب من ضمة سيدنا جبريل عليه السلام نور النبوة.

غار حراء

كل الزوايا هناك شاهدة على هيام الروح… كأنما الحبيب كان يلتحف النور بمقدار، حتى إذا ما حان موعد التجلي.. امتزجت المشاعر بالهيبة والجلال، وتدثرت الروح بالوصال. كانت لحظة فارقة اتصلت فيها السماء بالأرض وترجمها الأمر الإلهي “اقرأ”.

أية مشاعر هزت القلب الشريف وهو يبحث عن مستقر له بين أحضان الغار يضمه سيدنا جبريل ثلاثا ويرسله تباعا؟ كأنما كانت حاجته إلى ذاك الاحتضان النوراني ليتزود بالنور..

بيت أمنا خديجة رضي الله عنها

يعود وقد أخذ منه الموقف ما أخذ.. كانت حاجته صلوات ربي وسلامه عليه إلى أمنا خديجة قد بلغت حد الشعور الكامل بالأمن في حضورها، وكأنها وهي تدثره، تلف قلبه الشريف بالثبات، وتسكن رجفاته المتلاحقة، وتصب عليه بكلماتها الخالدة وعاء من طمأنينة الروح؛ “كلا واللهِ ما يخزيك اللهُ أبدًا، إنك لتصلُ الرحِمَ، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدومَ، وتُقري الضيفَ، وتعينُ على نوائب الحقِّ”، ظاهرها خمس مزايا وباطنها أسرار ووصايا.

من بيت أمنا خديجة رضي الله عنها، انبعثت معالم النبوة، ومعها انطلق الحبيب في مسيرة الحب؛ مسيرة الرفيق الأعلى، مسيرة تزينت بكل معاني الرحمات وإن لقي في سبيلها ما لاقى من إيذاء وهجر واستهزاء.

دار الأرقم بن أبي الأرقم

منتدى الأرواح الفارة من عنف الأسياد وغربة الأهل إلى رحابة القلوب المحبة للجمال النبوي الشريف.. كأنما قلبه الشريف مغناطيس الحب يجذب إليه القلوب النقية، القلوب المفطورة على الصفاء، قلوب تحررت من ربقة الاستعباد وتجهزت بالاستعداد لبذل الغالي والنفيس في سبيل نظرة رضا من حبيب أسر بجماله كل الأكوان. كانت دار الأرقم محضن الخلاص الفردي ومنطلق الخلاص الجماعي، وبكل الوفاء والفداء تهيأت الأرواح لتخرج رخيصة في سبيل الله.

الكعبة المشرفة

كعبة الحب، قبلة الشوق، ملتقى الأرواح، كعبة الوصال، كأنها في عليائها عروسا تتيه بين حسان، والحجر الأسعد هناك، يشهد للحبيب برجاحة العقل والحكمة والبيان. الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، محج التجليات ومغتسل الأرواح.. كيف كنت سيدي يا رسول الله تسير بخطواتك المحمولة بكل الحب لتخبر الكون: ها قد جئتكم بمفاتيح النجاة، وأصنامكم التي خدشتم بها كل هذا البهاء ما عاد لها هنا بقية مكان. الموعد موعد تطهير بيت الله للعاكفين والركع السجود وأهل التقوى والإيمان، وهم يطوفون طواف العشق.

المسجد الأقصى

مسرى الحبيب المبارك وأولى القبلتين.. هناك ولدت المعاني من رحم المعاناة… ثقيف تنكأ الجراح وربك الحبيب يواسيك بجمال اللقاء. صلى وراءك أنبياء الله، واستقبلتك السماوات العلا بكل ترانيم الحب، هذا حبيب الله يطوف بأهل الملكوت رفقة أمين الوحي، وعند سدرة المنتهى، تخترق جلال المكان بصمت يتزيا بالتسبيح … الحبيب في حضرة ذي الجلال والإكرام!

المدينة المنورة

دعوها فهي مأمورة.. هكذا اختارت القصواء مهبط التجليات النورانية لحضرة جماله الشريف.. بيوت الأنصار بيوت من نور تحيط بقلبه الشريف، وكيف تحيد عنه الأعين من شدة الانبهار والدهشة في حضرة الجمال. آخى الحبيب بين المهاجرين والأنصار ليمحو جدار الشح من القلوب ويكتب بأحرف من نور قصة الإيثار ..

بيت أمنا عائشة رضي الله عنها

يستأذن زوجاته الحبيبات أن يمرّض في بيت الحميراء ليستكمل بوح الروح وهو يصارع السكرات وفي آخر لحظات الوداع.. سواك يجمع بين ريقين، ورأس شريفة تتوسد فخذ الحبيبة، ليعلن حقيقة أن الحبيب قد أكمل لنا الدين.

وكما كانت البداية كذلك ستكون النهاية؛ بيت أمنا الحبيبة وسيدتنا خديجة بنت خويلد المأوى والملاذ، وبيت أمنا عائشة  الطاهرة المطهرة المستقر والمعاد.

بل الرفيق الأعلى.. مسيرة حب ومسار.