بلاغة الأولين في طرق الأكل

Cover Image for بلاغة الأولين في طرق الأكل
نشر بتاريخ

لتنبيه الناس لأخطاء قد يقترفونها عادة ما نجد: لا تفعل كذا! بل كذا! انتبه أن..! لا تحاول!. . نحن في عصر السرعة والرغبة في التغيير… وهذه أساليب مملة، بدائية… فلنغير! ها هي العملية معكوسة. مجهود بذل في انتقاء الأنسب فيما… ليس هو الأنسب، وذلك ل….القيام بالأنسب!! لنلق نظرة إذن وتأتي مقدمة ما يلي في آخره…

المفرقِع

هو الذي لا يضم شفتيه عند المضغ، فيسمع لأشداقه صوت من باب بيته؛ وربما ينتثر المأكول من أشداقه، والأدب أن لا يسمعه الأقرب إليه.

الملقُو

هو الذي يأكل اللقمة الكبيرة، فترى من خارج فكه، فيصبح كالملقو (المصاب باللقوة)، ولو صغر اللقم، لأمن ذلك وأتى بالسنة.

المبعبع

هو الذي عندما يريد الكلام لا يصبر إلى أن يبلع اللقمة، بل يتكلم والأكل في فمه فيبعبع كالجمل، ولا يكاد كلامه يُفهَم، وخصوصاً مع كبر اللقمة.

الآكل بخمس..

هو الذي يستعين بأصابعه الخمس لتناول الطعام، دون حرج. وذلك إن لم يستخدم عَشْرَهُ!

قال الشافعي رضي الله عنه:الأكل بإصبع واحدة من المقت، وبإصبعين من الكبر، وبثلاث أصابع من السنة، وبأربع وخمس من الشره، والشره ليس من السنة إطلاقا)

الرشٌاف

هو الذي يجعل اللقمة في فمه ويرشفها، فيُسمَع له ساعة البلع حس لا يخفى على أحدٍ. قد تجده يصنع نفس الشيء في شربه، والأصل هو أن لا يحدث أي صوت لا في أكل ولا في شرب؛ وإن كان المشروب ساخنا فلينتظر إلى أن يبرد، ذلك أهون من أن يكون.. “رشافا”.

المتجشئ

هو الإنسان الدائم التجشؤ (نفس المعدة الذي يخرج عند امتلائها)، حتى أثناء الأكل. وذلك من قلة اللياقة والأدب. فإن حدث فليضع ظاهر يده على فمه وهو مطأطئ الرأس ويحاول التجشؤ دون إصدار أصوات عالية -كالذي يصرخ في جُبٌٍ- على ألا يطيله ويعتذر من الجالسين.

أتى صحابي لمجلس النبي صلى الله عليه وسلم يتجشأ فنهاه المربي الكريم قائلا:“اكفف عنا جشاءك فإن أطولكم شِبَعاً في الدنيا، أكثركم جوعاً في الآخرة”

البقار

هو الذي يخرج لسانه كالبقرة وقتاً بعد وقت للحس شفتيه، خارج فمه!!

الجملي

هو الذي لخشيته من تنقيط المرق على أثوابه يمد رقبته، ويتطاول إلى أمام كالجمل حتى ينقط ما يقطر من فيه على المائدة أو المئزر.ويجدر به عوض ذلك أن لا ينقط ولا يكثر الحركة على المائدة

المقطع

ويسمى القطاع، وهو الذي إذا تناول اللقمة بيده جعلها كبيرة، فعض على نصفها، ثم عاود غمس النصف الآخر في الطعام وأكله.

والأدب هو أن لا شيء يرجع إلى إناء الطعام إن تم عضه، حتى وإن كان كعكا أو رغيفا..

الدفاع

هو الذي إذا جعل اللقمة في فيه أدخل معها بعض سبابته، كأنه يدفعها بها!!

اللطاع

ويسمى اللحاس، وهو الذي يلحس أصابعه ليميط عنها ودك (دسم) الطعام، وذلك قبل أن يفرغ من الأكل، ثم يعيدها للطعام. أما لعق الأصابع( بشكل سني جميل أنيق) فبعد الفراغ، على أن لا يعاود الإنسان مد يده إلى الطعام. وأفضل الحالين تعهد الأصابع بما تمسح به: مناديل ورقية أو ما شابه.

النثار

هو الذي يفرط في القهقهة، واللقمة في فيه، فيشاهد جلساؤُه ممضوغَهُ داخل شدقه، ويتناثر منها ما انسحق.

الحكاك

وهو الذي يحك رأسه وموضعاً في بدنه بعد غسل يده وقبل الأكل. ولا يلي غسل اليد إلا الخبز. أما أثناء الأكل فلا تلمس اليد شيئا غير الطعام وأوانيه، وهذه قاعدة..

المعطاش

هو الذي إذا عطش، وفي فمه لقمة، لا يصبر حتى يبلعها ثم يشرب، بل يمسكها في شدقه (جانب الفم) ثم يشرب الماء، ثم يعاود إلى مضغها.

ويجدر به أن يصبر إلى أن يفرغ من الأكل، فإن لم يستطع فعليه إفراغ فمه أولا ثم مسح أصابعه إن أمكن؛ وإلا فليمسك الكأس من الأسفل براحة اليد والإبهام والخنصر، طريقة يجب التعود عليها والقصد منها عدم توسيخ الكأس حتى وإن كان خاصا بالشخص لمفرده.

يمسك الكأس نظيفا ويضعه كأنه لم يلمسه.

حاطب ليلٍ

هو الذي لا يستقصي تأمل ما يأكله، فربما تجده أكل ذبابةً عساها تقع في الإناء، وإن أكل سمكاً لم يستقص تنقيته من الشوك، فتراه في أكثر الأوقات وقد نشب العظم في حلقه، وأشرف منه على مكروه.

الصعب

وهو بضد حاطب ليلٍ، هو من ينقي اللقمة في يده مما لا يحترز التنقية كقشور حمص، وعظم الرمان، وغير ذلك؛ ويجعلها قدامه منتثرة. وهو مما يثير الاشمئزاز ويخل بالأدب. فعلى الشخص أن يحرص على أن يحفظ ما أمامه نظيفا تماما. وإن كره شيئا أو أزال عظما أخفاه تحت آنية الأكل. وبالأحرى إن كان شيئا ممضوغا أو مستخرجا من الفم.

البحاث

وهو من يبحث الطعام، ويفرقه، وينظر في أجزائه حتى يغثي نفس من يراه، ويخطئ عقل من يؤاكله.

تفحصت هذه الأوصاف وأعدت الكرة مرات ومرات فحفظت منها ما حفظت واحتفظت في ذهني بما احتفظت ، فإذا بي أصبحت أنتبه أن في مؤاكلي منها الكثير والمتنوع، ولا أخفي عنكم أن… لي كذلك فيها حصتي..

والعجب أن هذه أوصاف انتقيتها من كتب المسلمين، وقد كتبت منذ سنين، بل قرون مضت…

فكيف بهم كانوا ينتبهون لهذه الأمور ونحن نجعلها آخر ما قد يخطر ببالنا تدارسه ومعرفته؟

أهذه كذلك من مظاهر انحطاطنا التي صارت جلية حين أهملنا السعي للسمو بأذواقنا وأخلاقنا مع ما أهملنا من السنة النبوية الشريفة النظيفة؟

لا شك أن الجواب إيجاب… يا للأسف!

الأمة بأكملها معنية بالأمر لكن اللوم أحق بأن يلقى علي وعليكِ، فهذه مهمتنا التي حين قصرنا فيها صار مجتمعنا رمزا لكل ما يرمز له اليوم…

أنت وأنا المسؤولتان..لا أحد غيرنا

أم ومربية وصانعة أجيال..نحن الأمة فلك أن تعيدي لها ذوقها الحسن وأخلاقها…