تصنف غزوة بدر الكبرى من الغزوات الحاسمة، وما يسمى في القاموس الحربي بأم المعارك، ليس لأنها أول مواجهة عسكرية يخوضها المسلمون بعد سنوات “كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ”، بل لمخرجاتها على الدعوة والمشروع الإسلامي، وحسبنا في هذه المقالة التذكير ببعض دروسها، ومنها:
· ترسيخ الثقة في القيادة النبوية الرشيدة المؤيدة بالوحي، نعم، والمؤازرة بالصحابة رضوان الله عليهم: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ.
· تعبئة الصف والحرص على جمع الكلمة/الإجماع حقيقة لا زيفا، مهما كانت وثوقية القيادة من قراراتها: أخذ موافقة الأنصار الذين بايعوا النبيّ صلى الله عليه وسلم على نصرته وحمايته داخل المدينة، وليس خارجها. قال زعيم الأوس سعد بن معاذ رضي الله عنه نيابة عن قومه: “امض يا رسول الله فنحن معك، فلو خضت البحر لخضناه معك، وما تخلف واحدٌ منا”.
· التربية على الشورى تقوية للولاء للمشروع، وتدريبا على تقاسم أعباء البناء: نزول الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأي الحباب بن المنذر لوجاهته في اختيار مكان عسكرة المسلمين.
· إعداد العدة والاستعداد في حدود المستطاع أخذا بالأسباب المادية: وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة، وإلا فالنصر يقينا من الله تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (سورة الأنفال: 10).
· للنصر مفاتيح بعد حسن الإعداد والتعبئة، لخصتها غزوة بدر في الدعاء: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ.
إن غزوة بدر الكبرى حُبلى بالدروس والعبر، وفي شتى المجالات، وربطا للغزوة بما تعيشه الأمة الإسلامية من جائحة الوباء، تظهر بجلاء قيمة ما سبق من عناصر في كسب الرهان مهما كانت التحديات، فمع القيادة الراشدة وما يعتبر شروط وجوب لأي حكم راشد من تعبئة الجهود وتوفير شروط المشاركة الجماعية، وصدق النية وحسن الإعداد مع جميل التوكل على الله تعالى بدوام الاستقامة والدعاء “قد أجيبت دعوتكما فاستقيما”، لن تعجز الأمة على مواجهة جائحة الوباء وغيره من جوائح التخلف وتعثر مسار التنمية، مثل الأوبئة الاجتماعية (الفقر والمرض والجهل…)، والسياسية (الاستبداد والفساد…)، والاقتصادية (الاحتكار والنهب والاستغلال…)، والأخلاقية (دعم الأنظمة الفاسدة والاستمرار في تدمير المجال البيئي…)، وما إلى ذلك.