إن ما وقع في مصر الشقيقة لا يمكن وصفه إلا بِـ انقلاب عسكري بلباس مدني مزيف، وبعيدا عن المواقف العاطفية التي لها ما يبررها بالنظر لهول هذا الخرق المكشوف لأدنى مبادئ الديمقراطية التي يتغنى بها مفجرو (ثورة) العسكر، أقول بعيدا عن هذه المواقف، يمكننا إذا أمعنا النظر في هذه الأحداث المتسارعة تسجيل الملاحظات السريعة التالية:
1 – رغم أن الحركة الإسلامية ممثلة في الإخوان المسلمين وحلفائهم تبدو في الظاهر الخاسر الكبير في هذه الأحداث، فلعلها تكون إذا وفقت في إدارة المعركة الرابح الأكبر،
أولا ، لأنها ستسترجع زخمها الشعبي الذي ربما نالت منه (طاحونة) التصدي للحكم ما نالت، خاصة أنها اضطرت لذلك في ظرفية عصيبة، جاءت بعد حكم فاسد مفسد استغرق ثلاثة عقود من الزمن خلف تركة ثقيلة من المظالم تنوء بحملها حركة واحدة مهما كانت قوتها، ووسط عراقيل متعددة وفخاخ قاتلة نصبتها معارضة غير شريفة، كل همها الإطاحة بالخصم وعدم إتاحته أدنى فرصة ليجرب حظه في الحكم ويطبق برنامجه الذي صوتت عليه غالبية الشعب.
وثانيا ، لأن قدر الله تعالى من خلال هذه الأحداث بوأها مكانة المتمسكة والمدافعة عن الشرعية والاستقرار ومبادئ الديمقراطية الحقة، ولعل ذلك كله يكسبها مزيدا من القبول شعبيا ودوليا
2 – إن تواطأ النخب الليبرالية بكل تلاوينها مع الانقلاب العسكري لن تغفره لها الشعوب العربية وسيبقى ذلك وصمة عار على جبينها، وسيؤثر بلا شك على مصداقيتها ومصداقية ما تتبجح به من مبادئ أثبتت هذه التجربة أنها مجرد شعارات جوفاء. ومهما تفنن الإعلام المعارض والمسنود من المال الحرام والبترودولار المنهوب في تصوير قبول الجماهير بهذه الثورة الانقلابية، فإن هذه الكذبة لن تنطلي على العقلاء، وليس أدل على ذلك من إقدام الانقلابيين على كم الأفواه المعارضة في بداية مشوارهم البئيس، وإغلاق القنوات المعارضة بالجملة واعتقال صحافييها بدون موجب قانوني، وبالمقابل أفسح نظام الرئيس مرسي المجال لمعارضيه ليقولوا فيه وفي حكمه ما لم يقله مالك في الخمر، رغم تأكده مما امتلكه هؤلاء المعارضون من قوة إعلامية هائلة تغذيها طبقة ناهبة لثروات الشعب المصري داخليا، ولثروات الأمة خليجيا.
3- بقدر ما نرى أن وراء هذا العسر يسرين سيغلبانه بإذن الله كما بشرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لأن من شأن ما وقع أن يعيد فرز الصفوف وتأكيد حقيقة كل القوى ومصداقية ما تتبناه من مبادئ، وفي نفس الوقت، سيعطي ذلك بإذن الحنان المنان وهجا جديدا للتوجهات الإسلامية الصادقة والمحتضنة من الشعوب المسلمة الحاملة للواء المغالبة السلمية المدنية، وسيمنحها دروسا بليغة في فقه الحكم وقوانين التدافع وترتيب الأولويات وبناء التوافقات والتحالفات وغير ذلك من الدروس البليغة، رغم ذلك أخشى أن تولد هذه المجريات نوعا من الإحباط في صف بعض الإسلاميين مما قد يدفعهم للكفر بالديمقراطية وما يرتبط بها، والجنوح نحو تغليب المغالبة العنيفة مما ينذر بخطر ماحق قد يضاعف كلفة التغيير في مصر وغيرها لا قدر الله، وآنذاك سيتحمل وزر هذا النفق المظلم هؤلاء المتنورون الذين يصفقون للانقلاب ويرقصون على جثة الشرعية والمشروعية