مداخلة خلال ندوة: “المرأة والنموذج التنموي الجديد بين التنظير والتنزيل” (الأحد 6 مارس 2022)
أولا: أهمية الوقوف عند التجارب التنموية المقارنة
لعل الكلمة المفتاح في هذا المحور الرابع من الندوة إلى جانب “التنمية” و”المرأة” هي كلمة “مقارنة”، وبالتالي فمن اللازم الوقوف عندها لأنها تحيلنا على سؤال المنهج المقارن باعتباره من المناهج العلمية المعتمدة عند دراسة مشكلة أو ظاهرة معينة.
والمنهج المقارن منهج قديم تم تطويره ليستخدم في دراسة الظواهر الاجتماعية بدلا عن التجربة العلمية بمعناها الدقيق لاستحالة تطبيقها في دراسة العلوم الاجتماعية.
إن إعمال هذا المنهج في الموضوع الذي نحن بصدده سوف يقتضي استدعاء مجموعة من التجارب المقارنة في إدماج المرأة في التنمية عساها تجيبنا عن الإشكالية المؤرقة.
ما هي الأسباب والعوامل التي أدت إلى نجاح العديد من التجارب التنموية في بلدان معينة وإخفاقها في أخرى رغم وجود تشابه كبير في مستويات عدة: السياق التاريخي، والموقع الجيوستراتيجي، والمقدرات الطبيعية والبشرية والسياسات التنموية المتبعة..؟
إن البحث عن جواب شاف لمثل هذا التساؤل يجعل من الوقوف عند التجارب التنموية المقارنة ومحاولة فهمها وتفحصها بهدف الاستفادة منها أمرا ضروريا، بل آكدا وواجبا لكل حامل مشروع مجتمعي يسعى للانعتاق من قيود التخلف والانحطاط.
أكيد أن التنمية هي ابنة بيئتها، وأن كل تجربة تتمتع بخصوصيتها، ومن الخطأ الظن أن التنمية تستورد كاملة كما تستورد الآلة، لكن في المقابل لابد من التأكيد أن للتنمية أسس ومقومات ومداخل وجب استحضارها واحترامها، فهي لا تعترف بخصوصية أحد، ولا تفاضل بين الشعوب. فإن انضبطنا إليها رفعتنا في سلم النمو وإلا رمتنا في قاع التخلف.
ثانيا: تجارب مقارنة في إدماج المرأة في التنمية: رصد وسمات
تعددت التجارب التنموية التي عاشتها مجموعة من الدول عبر العالم مع بداية الخمسينية الثانية من القرن الماضي، ثم توالت بعد ذلك في بداية العشرية الأولى من القرن الحالي، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر: التجربة الألمانية والتجربة الإسبانية في أوروبا، والتجربة البرازيلية في أمريكا اللاتينية، والتجربة اليابانية والكورية والماليزية والإندونيسية في جنوب شرق آسيا، ثم التجربة التركية.
وما يمكن تسجيله في هذا السياق هو العناية التي حظيت بها كل هذه التجارب رصدا وبحثا وتحليلا ومقارنة من لدن العديد من الباحثين والمفكرين، وحتى الفاعلين السياسيين، حرصا منهم على اكتشاف تلك “الخلطة السحرية” التي مكنتها من تحقيق طفرات في النمو والتقدم والازدهار في وقت وجيز وعلى كل الأصعدة والمستويات ولكل فئات المجتمع؛ ونخص بالذكر هنا “المرأة”.
وتجدر الإشارة هنا أن الحكم بنجاح التجربة التنموية يبنى على مؤشرات علمية واضحة تعكسها الأرقام والبيانات، بل أكثر من ذلك يمكن تلمسها حقيقيا في الواقع المعيش والذي تنال منه المرأة حظها الوافر. فما هي أهم السمات المميزة لهذه التجارب على تنوعها واختلاف التربات التي نشأت فيه والسياقات المصاحبة لها؟
أولا: الحرص على تحقيق الاستقرار السياسي الحقيقي النابع من توفر إرادة سياسية حقيقية للتحول نحو الديموقراطية، على اعتبار أنه المدخل والأساس والمنطلق لكل نهضة اقتصادية واجتماعية، فلا تنمية بدون ديموقراطية.
ثانيا: الحرص على تبني مفهوم “الدولة التنموية”، وهي تلك الدولة التي تلعب دورا محوريا في عملية التنمية بحيث تسعى لتحقيق النمو السريع والمعتمد على التصنيع الموجه نحو التصدير بالأساس، وهي بذلك تستعين بنخب ذات كفاءة، كما أنها تقيم تحالفا مع القطاع الخاص؛ بحيث تقوم بتوجيهه وقيادته نحو أهداف التنمية.
ثالثا: الحرص على ترسيخ ما يسمى “بالقيم الآسيوية” بصفتها مؤشرا وعاملا من عوامل قيام الدولة الإنمائية، ويمكن تلخيصها فيما يلي: إيمان الفرد بقيمة الأسرة والجماعة، وإعطاء الأولية للتعليم، ثم الاعتماد على نمط استهلاك معتدل.
رابعا: الحرص على أن تكون المرأة شريكا أساسيا في العملية التنموية، وذلك باستهدافها من خلال العديد من الخطط والبرامج التي توسع من فرص تعليمها وتكوينها وتأهيلها بما يحقق لها تمكينا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
ثالثا: بين يدي التجربة التنموية الماليزية: أي دور للمرأة؟
إن دراسة التجارب المقارنة لإدماج المرأة في التنمية تستدعي النظر إليها على مستويين:
المستوى الأول: يتمثل في مساءلة هذه التجارب عما مدى مساهمة المرأة في بلورة رؤاها التأسيسية، وإنضاج تصوراتها حول العديد من القضايا الملحة؛ إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القيمي.
المستوى الثاني: يتمثل في البحث من داخل هذه التجارب عن موقع المرأة في السياسات العمومية كالتعليم والصحة والتشغيل وغيرها..
ملاحظة: تم تمرير الكلمة للدكتورة إنكو ربيعة العدوية؛ أستاذة المالية الإسلامية العالمية بماليزيا، للتحدث عن تجربة المرأة في التنمية في ماليزيا.