تشهد جل المجتمعات العربية والإسلامية في الظرف الراهن تزايدا لنداءات المساواة بين الرجل والمرأة في جميع الحقوق والميادين باعتبارها عنصرا فاعلا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وكذا السياسية، حتى أصبح مجال حقوق المرأة من الأمور التي يقاس بها تقدم البلدان وتأخرها.
ورغم بعض الترقيعات القانونية والحقوقية التي تحاول من خلالها هذه البلدان تلميع صورتها، ما زالت حقوق المرأة مهضومة وظروفها صعبة. وهذا ما لا ينكره عاقل.
نداءات وأيديولوجيات مستمدة من فكر غربي لائكي بامتياز غلافه الديمقراطية وحقوق الانسان ومضمونه التجرد من الدين والفضيلة. هذا الفكر اللائكي الذي استطاعت به المرأة الغربية التحرر من عنصرية الرجال: عنصرية نابعة متأصلة من نظرة دينهم المحرف للمرأة. ولعل ما ظل يروج على امتداد عصور من اجتهادات الأحبار “حول هل للمرأة روح؟ وكيف سيتطهر الرجل من رجس الشيطان ومطيته المرأة” خير دليل على ذلك.
خطابات صدرها لنا الغرب من خلال الاستعمار المباشر وغير المباشر؛ استحواذا على عقول وقلوب بناتنا ورجالنا بالسطوة الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية مما جعل الانسياق سلسا وكليا.
ولعل أصل الداء في المجتمعات العربية يكمن في الظلم الجاثم على صدور وعقول أبنائها، ظلم واستكبار واستبداد جعلنا نحنّ لرفاهية العيش وحرية القول، فتطلعنا إلى أن الحل هناك بأيديهم وبفكرهم متجاهلين أن الله حبانا بالإسلام دينا وشريعة ومنهاجا ولن نرضى بغيره مرجعا أو دستورا.
في المجتمعات الغربية المرأة حرة ربما من سطوة الرجال، لكنها أَمَة للمادة ولا ينفعها إلا قانون جاف مادي يعطيها ويأخذ منها الأكثر.
والذي لا يختلف عليه اثنان أن المرأة إن تساوت مع الرجل في الحقوق فهي بدنيا ونفسيا ليست كالرجال. فهي تحمل وتلد وتحيض وتنفس فأين هي المساواة إذا؟ فإن ساوته في أعماله وميادينه فلن يتساوى هو معها فيما جبلت عليه فطرتها وخلقتها، فتحمّل نفسها ما لا طاقة لها به بدخولها في اختصاصاته، فالأصل في عمل الرجل والمرأة التكامل والتناغم وليس التساوي.
وهنا أقول لك أختي إن الإسلام أعزك ونصرك وضمن لك ما لم يضمنه دين للمرأة من قبل ولا قانون، فهو جعلك مصونة محفوظة بخصوصيتك، نعم خصوصية حباك الله بها خلقا وخلقا؛ فقال تعالى: وليس الذكر كالأنثى، آية في سياقها القرآني قول امرأة كانت تريد وهب مولودها للخدمة فعلمت أن ما يتحمله جسم الرجل لا يتحمله جسم امرأة فقالت قولتها فجعلها الله آية تحفظ في القرآن الكريم نتلوها ونؤمن بها بل نقوى نحن النساء بها.
نعم خصوصية في الخلق والشكل تتفرع عليها خصوصية في الأحكام والتشريع وتتعداها إلى خصوصية في السلوك إلى الله عز وجل.
روى البيهقي في شعب الإيمان حديث رقم 8369 “عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيَّةِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُو بَيْنَ أَصْحَابِهِ، فَقَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، إِنِّي وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، وَاعْلَمْ – نَفْسِي لَكَ الْفِدَاءُ – أَمَا إِنَّهُ مَا مِنِ امْرَأَةٍ كَائِنَةٍ فِي شَرْقٍ وَلَا غَرْبٍ سَمِعَتْ بِمَخْرَجِي هَذَا أَو لَمْ تَسْمَعْ إِلَّا وَهِيَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِي، إِنَّ اللهَ بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَآمَنَّا بِكَ وَبِإِلَهِكَ الَّذِي أَرْسَلَكَ، وَإِنَّا مَعْشَرَ النِّسَاءِ مَحْصُورَاتٌ مَقْصُورَاتٌ، قَوَاعِدُ بُيُوتِكُمْ، وَمَقْضَى شَهَوَاتِكُمْ، وَحَامِلَاتُ أَوْلَادِكُمْ، وَإِنَّكُمْ مَعَاشِرَ الرِّجَالِ فُضِّلْتُمْ عَلَيْنَا بِالْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَشُهُودِ الْجَنَائِزِ، وَالْحَجِّ بَعْدَ الْحَجِّ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ إِذَا أُخْرِجَ حَاجًّا أَو مُعْتَمِرًا وَمُرَابِطًا حَفِظْنَا لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ، وَغَزَلْنَا لَكُمْ أَثْوَابًا، وَرَبَّيْنَا لَكُمْ أَوْلَادَكُمْ، فَمَا نُشَارِكُكُمْ فِي الْأَجْرِ يَا رَسُولَ اللهِ؟”“قَالَ: فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ كُلِّهِ، ثُمَّ قَالَ: “هَلْ سَمِعْتُمْ مَقَالَةَ امْرَأَةٍ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ مَسْأَلَتِهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا مِنْ هَذِهِ”؟”“فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا ظَنَنَّا أَنَّ امْرَأَةً تَهْتَدِي إِلَى مِثْلِ هَذَا، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: “انْصَرِفِي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، وَأَعْلِمِي مَنْ خَلْفَكِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ حُسْنَ تَبَعُّلِ إِحْدَاكُنَّ لِزَوْجِهَا، وَطَلَبَهَا مَرْضَاتِهِ، وَاتِّبَاعَهَا مُوَافَقَتَهُ تَعْدِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ”. قَالَ: فَأَدْبَرَتِ الْمَرْأَةُ وَهِيَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ اسْتِبْشَارًا.”
جمع لك صلى الله عليه وسلم الجهاد والحج والعمرة والعبادة الشاقة في “حسن التبعل”؛ كلمة شاملة لمجموعة من الخصال قد يصعب عليك القيام بها إن خاصمت فطرتك واستمعت لمثل هذه الخطابات وأخذتك الأنفة والكبر وإن لم يكن الله نصب عينك حاضرا في حركاتك وسكناتك “أن تعبد الله كأنك تراه”.
معاني إحسانية ترقى بك إلى مدارج السالكين فما بالك لو اتبعت سيرة سيدتنا أسماء خطيبة النساء علمت من الرسول صلى الله عليه وسلم ما يجب فعله ففعلته وطلبت الأعالي فزاحمت الرجال في الجهاد وحمل هم الأمة وهكذا كان جيل النبوة رجالا ونساء.
وجهاد المرأة مزدوج: تبعل وحفظ داخل البيت تجاهد فيه المرأة نفسها لتتهادى وتتسامى وتتلطف، وجهاد خارجه آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، آلياته العلم والعمل وسلاحه الحكمة والكلمة الطيبة، متقاسمة مع الرجل الأدوار ومشتركة وإياه في الشورى والولاية، قال الله تعالى: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر.