إن إنعاش الاقتصاد الوطني وتنشيط الاقتصاد المحلي اليوم، لا سيما بعد تداعيات فيروس كورونا – كوفيد 19 – وما نتج عنه من ركود اقتصادي عالمي، وما سايره من انكماش، يتطلب منا مرحلة حاسمة من التأهب والاستعداد لقفزة نوعية نحو اقتصاد قوي صامد في وجه الأزمات ومواجه لمختلف التحديات الآنية والمستقبلية المفروضة من قبل مجموعة من العراقيل داخل البلاد، أو تلك التي استجدت في الساحة الدولية كالتوجهات العولمية، وتحرير سوق العمل، وتأثير الرأسمالية في مختلف المجالات، وهي كلها عوامل التغاضي عنها وعن أهميتها في مسايرة رهانات الإصلاح قد تسببت في عجز حاد وتعثر ملحوظ بخصوص النهوض بالتعليم التقني ومآلاته قبل وبعد التخرج، إضافة إلى ما يواكب الوضع من هضم للحقوق في صفوف الشغيلة وتعنت مفتعل في التعامل مع مطالبها خاصه قطاع التقنيين، الأمر الذي ترتب عنه ضرب موعد آخر بعيد للتنمية المنشودة في البلاد.
بمعنى أنه أصبح علينا لزاما التحدث عن مستويات متدنية بخصوص الترتيب العالمي في صفوف مؤشرات التطور التكنولوجي والمعلوماتي والصناعي والمعرفي… لنصبح أخيرا بعيدين كل البعد عن مجابهة الدول المتقدمة في هذا المجال.
علما أن فئة التقنيين هي من الفئات المساهمة والمشاركة في إعداد مختلف البرامج المحلية والجهوية والوطنية، والسهر على تتبعها، والإشراف على إنجاز مختلف المشاريع ذات الطابع التقني سواء في القطاع الخاص أو العام.
كما أن التعليم التقني يعد من أبرز العوامل المساهمة في الرفع من مردودية الاقتصاد والزيادة في الإنتاجية، وبالتالي فهو يعتبر أحد أسباب النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
وفي هذا الصدد، نؤكد أن التقنيين بالمغرب يعتبرون من أهم دعامات تقوية قطاعات الاقتصاد الرئيسية كالصناعة والفلاحة والتجارة…
وانطلاقا من هذه المعطيات، يطرح السؤال حول الأسباب الحقيقية التي كانت تمنع الدولة المغربية من الاهتمام بهذا القطاع ابتداء من فئة التقني والتقني المتخصص إلى الكوادر التقنية، مادامت عاملا جوهريا وحيويا في التنمية المستدامة؟
ثم كيف يتغاضى أصحاب الاختصاص أو القرار في هذا المجال – طول هذه المدة – عن الهوة المهولة الموجودة بين مخرجات التعليم التقني الحالي، وبين ما يتطلبه المجتمع في سوق الشغل والعمل من احتياجات عديدة ومتنوعة تؤهله لولوج العالمية في هذا القطاع .
ويبقى السؤال الأهم هو ماذا عن تأهيل الموارد البشرية وفق متطلبات الاقتصاد الوطني والمحلي والدولي؟ هل تخلت الدولة عن دورها في هذا الورش؟ ومن يواصل احتكار هذا القطاع على مستوى التراب الوطني؟
لنخلص إلى تساؤل آخر حول ما الذي يمنع من وضع خارطة طريق وطنية، أو تعزيز التوجهات الاستراتيجية نحو تعليم تقني ومهني فاعل وفق مناهج تعليمية ذات مستوى عال من المهارات التقنية والمعرفية، تكون ملائمة للاحتياجات التنموية المطلوبة، آخذين بعين الاعتبار محاولة اكتساب مهارات جديدة متوافقه مع التغيير السريع الحاصل في ثورة المعلومات، وسوق عمل مترابط مع التقدم العلمي والتكنولوجي؟
فإذا كان التعليم التقني عامة ومجال العمل خاصة قد دخلا في مسار الانحطاط لمدة طويلة فإن المرحلة اليوم تستدعي يقظة شاملة بميزة الروح الوطنية والمصلحة العامة للانفتاح والإصلاح، حتى نستطيع قلب الأوضاع الراهنة والسائدة من تعليم وعمل متهالك إلى تحول جذري في كلا المجالين، على مستوى التفكير في الرقي بمقومات تعليم تقني متحضر مستجيب لكافة مطالب السوق. ثم على مستوى الممارسة والاشتغال وفق منهجية واضحة المعالم ومقومات قوية نابعة من وعي وإرادة سياسية اجتماعية اقتصادية مستجيبة لمطالب الشغيلة للرفع من مقومات نجاح هذا الإصلاح.
وعليه نقول إن التناقض الكبير بين الدينامية الكبيرة التي يعرفها العالم في سوق الشغل – في القطاع الخاص والعام أيضا – والنقص أو الفشل الهائل في مواجهتنا لهذا الاكتساح، قد ولد تناقضات حادة داخل المجتمع في سوق العمل، الأمر الذي يتوجب معه العمل ببرنامج إصلاحات مستعجلة وهندسة موازية للمسار التكنولوجي والانفتاح على واجهة السوق العالمي وفق خصوصيتنا، وما يتطلبه اقتصادنا الوطني والمحلي من تجاوز لمستوى التنظير والتخطيط والتفكير إلى مستوى التجهيز والإنجاز والممارسة، ساعين كذلك إلى الانفتاح الواعي على تجارب الأمم الأخرى من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال. وهذه كلها عوامل تشكل في حد ذاتها مدعمات وإطارات قوية للإقلاع الاقتصادي التنموي. على أساس أن يكون أصحاب الاختصاص في هذا المجال قد فطنوا مبكرا إلى التحديات التي تفرضها الحداثة الغربية مع الاحتراز من طابعها الهيمني والاستتباعي.
وعليه، وفي ضوء التحديات التي تم تقديمها آنفا، نقترح بعض النقاط للنهوض بمستوى مؤسسات التكوين المهني والتقني من خلال تطوير طاقات التكوين، وهي كالتالي:
– الإلمام بأهمية التكوين المهني والتقني، ومحاولة ترسيخ الدور المنوط بالتكوين المهني في النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.
– دعم مراكز التكوين من جهات متعددة لتحقيق المرغوب من الجودة والفاعلية والرفع من الإنتاجية.
– وضع شراكات مع مراكز ومؤسسات التكوين والشركات للاطلاع الدائم على احتياجات الطلب من تخصصات مطلوبة، حتى لا يكون التكوين والتدريب حول تخصصات محددة لا تتناسب واحتياجات سوق العمل. حيث يجب التركيز على ملاءمة التكوين مع سوق الشغل.
– فتح اختصاصات جديدة تستجيب للاحتياجات الاقتصادية وتنويع شعب التكوين الموجودة، لتستجيب اليد العاملة المؤهلة لطلبات المؤسسات الإنتاجية والصناعية والخدماتية للقطاع الاقتصادي.
– توسيع ورفع قدرات المراكز الموجودة لتكون نوعية التكوين والتعليم واكتساب المهارات والمعارف داخل المؤسسة مكيفة ومناسبة لاحتياجات السوق والاقتصاد .
– بناء مراكز جديدة لتستجيب لعدد المسجلين.
– الأولوية الراهنة تقتضي التغيير في طرق وأنظمة التكوين والمناهج البيداغوجية وفق آليات متطورة وأساليب مرافقة للتنوع التكنولوجي في عالم كل القطاعات الاقتصادية.
وانطلاقا من كل ما سبق ذكره من معطيات ومقترحات مفصلية، يبقى أمر تطوير التكوين المهني رهينا وضحية للغموض الذي يلف هذا الملف ولأسباب متعددة، من ضمنها ما هو متعلق بأسباب نرجعها لسوء التدبير والتسيير، مما يؤخر عجلة تنويع العرض التكويني خاصة فيما يتعلق بإنجاز مدن المهن والكفاءات، حيث عرف هذا الورش تعثرا ملحوظا رغم أنه يعتبر من المشاريع الأساسية التي يجب أن تكون قاطرة مهمة لرفع تحديات تطورات متطلبات السوق بالمقارنة مع نوع التكوينات الموجودة، والتي يجب أن تواكب المهن المستقبلية والذكاء الصناعي.