اليوم والعالم وشرفاؤه يعيش بقلبه وعقله ومشاعره ما يعانيه سكان غزة في فلسطين؛ من إبادة جماعية فاشية وحرب وحشية ضد الإنسانية غير مسبوقة ولا مقبولة ولا مبررة، فقط لأنهم شعب وجد نفسه تحت الاحتلال فرفضه وقاومه، وناب على الأمة في الذود عن الحرم والمقدسات.
اخترت أن أجعل هذه المقالة رسالة لنا معشر الآباء والمربين، بعد أن صارت مأساة فلسطين خبز الناس وماءهم، وخرج أحرار العالم على اختلاف ألوانهم وألسنتهم ومعتقداتهم إلى الشوارع للتأييد والتنديد، فصارت فلسطين أهازيج الشعوب وأعلامهم في كل الدول والقارات.
لنسأل كيف يمكن ترسيخ القضية في عقول الأجيال ووجدانهم وأرواحهم؟ كيف نعلمهم أن يحبوا الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين؟ كيف نعلمهم أن الأقصى مسرى أمير الأنبياء ومعراجه إلى السماء؟ كيف نعلمهم أنها أرض الأنبياء والرسالات ومنزل الوحي؟ كيف نعلمهم أن حبها دين وإيمان وإنسانية؟ وأن أرضها أرض الرباط والمجاهدين والشهداء؟ كيف نعلمهم أن زيتونها وحجرها مبارك من رب السماء؟ كيف نعلمهم أن القدس والأقصى أرض مقدسة؟ كيف نعلمهم مقاومة الطمس ونحصنهم حتى لا تنطلي عليهم حيل من يجففون منابع التعلق بفلسطين وينشرون التطبيع والتعايش ويرسخون ثقافة النسيان؟ كيف نعلمهم أن فلسطين أمانة الأجيال وأنها الوجود لا الحدود، أنها العقيدة والقرآن لا السياسة والصراع، أنها البوصلة وأنها الوعد والعهد والميعاد؟ أنها شرف الإنسانية وضميرها.
ولأن العدو الصهيوني يراهن على النسيان وعلى محو ذاكرة الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية معه، ويستهدف قطع صلة الأجيال بالقضية وبالأرض وبرموز النضال والمقاومة بشتى الأشكال والأساليب، تعينه على ذلك أنظمة اختارت التطبيع والهرولة تحت مسمى السلام، لعل آخرها شطب كل ما يذكر برموز القضية الفلسطينية والصراع مع الصهيونية من مناهج ومقررات التعليم في دول الطوق كمصر والأردن ودول التطبيع، كان لابد للأجيال القادمة أن تحمل المشعل، وأن تصمد في وجه سياسات التهويد والتطبيع وطمس الهوية، ورب سائل يسأل لكن كيف وما السبيل إلى ذلك؟
1- حببوا إليهم وشجعوهم على حفظ سورة الإسراء وفسروها لهم تفسيرا مبسطا.
2- علقوا في بيوتكم صورة للأقصى حتى تنطبع في الوجدان وتثير عند الأطفال السؤال.
3- اجعلوا في بيوتكم حصالة للتبرع لأطفال فلسطين وللقدس.
4- زينوا غرفهم بخارطة فلسطين وأسماء مدن فلسطين.
5- احرصوا أن تجعلوا من مسموعاتهم ومحفوظاتهم أناشيد وأهازيج فلسطينية.
6- شجعوهم على المشاركة في أسابيع فلسطين في المسرح والرسم والمسابقات الثقافية.
7- خصصوا لفلسطين يوما أو يومين سنويا في أسابيعكم الثقافية في المدارس والمؤسسات والنوادي والمخيمات.
8- استضيفوا أطفال وأيتام فلسطين في العطل إن أمكن في أسركم ومخيماتكم الصيفية والربيعية.
9- اعرضوا صورا وأشرطة عن فلسطين، واصحبوهم لمشاهدتها في دور السينما والمراكز الثقافية.
10- انشروا رموز فلسطين كالعقال والكوفية والملابس كالعبايات الغزاوية والمقدسية، وعرفوهم بالعلماء والزعماء والشهداء.
11- أشركوهم في المتابعة والتعليق على أحداث فلسطين في الأخبار والإعلام.
12- شجعوهم على عقد صداقات مع أطفال فلسطين ومراسلتهم.
13- أحضروهم إلى الوقفات والمسيرات والمهرجانات.
ولأهلنا في المغرب الذين شرفهم الله عز وجل بخدمة بيت المقدس وبالرباط في أكنافه، والمساهمة في تحريره نقول:
14- عرفوهم بصلة أهل المغرب بأرض الشام نُصرة وجهادًا منذ عهد صلاح الدين الأيوبي.
15 – علموهم أن أوقافا وأحباسا كثيرة هي مغربية وملك للمغاربة. أوقفها صلاح الدين لأهل المغرب دون غيرهم، عرفانا بما أظهروه من بسالة وشجاعة وخبرة، وقد أرسل هذا الأسطول السلطان يعقوب المنصور.
16- عرفوهم بالمساجد والزوايا والمدارس المغربية بالأرض المباركة التي أنشأها أجدادنا المغاربة.
17 – عرفوهم بأنسابهم ورحمهم من الأسر المغربية والشرفاء من آل البيت الحسني (الفرع المشيشي نموذجا) المقيمين بالأرض المباركة والذين لا يزالون يحتفظون ببعض التراث المغربي.
18- ذكّروهم أن رأس سيدنا الحسين بن علي عليهما السلام كان بأرض عسقلان قبل أن ينقل الرأس الشريف إلى القاهرة. وهو رمز القومة ضد الظلم والظالمين للبلاد والعباد في كل زمان.
19- علموهم أسماء المغاربة والأندلسيين الذين فضلوا الاستقرار ومجاورة الحرم الإبراهيمي مثل أبي عبد الله محمد بن مثبت الغرناطي المقدسي.
20- اقرؤوا لهم ما ذكره الرحالة ابن بطوطة الطنجي عن غزة في مصنفه العظيم: “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار”، وزيارته للقدس والخليل وطبرية والرملة وعسقلان وعكا (التي استردها السلطان قلاوون بعدما أخذها ريتشارد قلب الأسد من صلاح الدين) والمشاهد المقدسة كبيت لحم، وهو مكان ولادة سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام، وجذع النخلة، وأضرحة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. علموهم من هم أهل مصر الحقيقين من المزيفين.
21- فهموهم أن رحلة ابن بطوطة لأرض الشام كانت بعد زوال سيطرة الصليبيين والمغول بالجهاد، وليس فقط بالتعبير عن القلق والاستسلام للواقع والهزيمة.
22 – أخبروهم أن رحلة قوافل قريش صيفا والمذكورة في سورة قريش كانت تصل لغوة، وهي سبب دفن جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها، ولذلك سميت غزة هاشم.
23- درسوهم أن تسميته هاشم كانت لهشمه الخبز لعمل الثريد في مكة لقومه سنة المجاعة، وهو ما عناه الشاعر “مطرود بن كعب الخزامي” في بيتين من الشعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه .. قـوم بمكـة مسنتين عجــــاف
سنت إليـه الرحلتــان كلاهمـا .. سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وقوموا بتحفظيهم هذه الشعر العظيم.
24 – أخبروهم أن عبد الله بن عبد المطلب، والد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خرج إليها وهو ابن 25 سنة، في قافلة لقريش تحمل تجارتها إلى الشام وفلسطين ذلك الزمان، فمرت القافلة حين عودتها منها بمدينة يثرب، وفيها ألم به مرض اضطره للبقاء بالمدينة عند أخواله بني عدي بن النجار، فبقي عندهم شهراً، فيما كانت زوجته آمنة بنت وهب، الحامل منه في شهرها الثاني بابنهما الوحيد، تنتظر عودته إلى مكة.
25- عرفوهم بحارة المغاربة ومساحتها التي تقدر بخمسة وأربعين ألف متر مربع، وهي بذلك تشكل ما نسبته (5%) من مساحة القدس القديمة. وهي ملاصقة لحائط البراق وهو المكان الذي حط فيه البراق، الذي حمل النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج. ويا سعد أهل المغرب بحيازتهم شرف المكان!
26- علموهم أن التزكية ومقام الإحسان مرتبط بالجهاد وليس القعود، واحكوا لهم قصص شيخ مشايخنا في السند التربوي والسلسلة النورانية: سيدي أبي مدين التلمساني تلميذ سيدي عبد القادر الجيلاني المشرقي وسيدي حرازم المغربي..
وأيضا قصص شيخ التربية والتزكية المغربي الزاهد سيدي عمر المصمودي وغيرهما من الأولياء.
27- علموهم أن حارة المغاربة وكل المعالم والأوقاف المغربية من مدارس وزوايا ومساجد وأسواق هدمت على يد أخبث جنس بشري بالجرافات.
28- ذكروهم أن الحجاج المغاربة تعظيما لبيت المقدس كانوا يزورون مكة المكرمة والمدينة المنورة، ثم القدس أو يبدؤون بها، واستوطنها البعض بعد رجوعهم من الحج.
28- حفظوهم مقولة صلاح الدين الخالدة عن أهل المغرب المشاركين في الفتح المبين في معركة حطين: “أسكنت هناك من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة”.
29- علموهم أن المغاربة الشرفاء الأحرار من السلف والخلف يتبرؤون من التطبيع والمطبعين.
30- علموهم علم اليقين أن الفتح المبين لا يكون إلا باتحاد كل المسلمين من المغاربة والمشارقة من الشاميين والعراقيين والمصريين والعجم، وأن تحرير أرض الرباط يبدأ من تحرير بلاد المسلمين من الحكام الجبريين الجبارين..
هذه نماذج عملية على سبيل المثال لا الحصر 1، وإلا فالهدف واضح والوسائل متعددة متغيرة بتغير البيئات والإمكانات، المهم غرس هذه القيم في النفوس، لأن ذكريات الطفولة مؤسسات للشخصية، فقط ابذروا وسيأتي يوم -إن شاء الله تعالى- تينع البذور وتكبر وتزهر وتثمر.