قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا أنس بن مالك: “اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة اللَّه عز وجل فإن لله عز وجل نفحات من رحمته تصيب من يشاء من عباده، وسلوا اللَّه عز وجل أن يستر عوراتكم، وأن يؤمن روعاتكم” (مجمع الزوائد، 10/234).
فالحمد لله الذي أمد في آجالنا حتى حلت علينا نفحة من رحمة ربنا وهي هذه الأيام العشر التي هي من أحب الأيام عند الله، والتي سماها في كتابه بأكثر من اسم؛ فهي الأيام المعلومات وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ (الحج، 28)، وهي الليالي العشر وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ (الفجر، 1 – 2)، وهي أيام العمل فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما العمل في أيام أفضل من هذه العشر” قالوا: ولا الجهاد؟ قال: “ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء” (رواه البخاري). وسبب هذا الامتياز أن عشر ذي الحجة اجتمعت فيها أمهات العبادة من صلاة وصيام وصدقة وحج، ولا يتأتى مثل هذا في غيرها.
كيف نتعرض لهذه النفحات؟ وبم نتعرض؟
– بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه.
– بأداء مناسك الحج والعمرة، لمن استطاع إلى ذلك سبيلا. وهما أفضل ما يعمل في هذه العشر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ” (متفق عليه).
– بالصيام: يسن صيام الأيام التسع من ذي الحجة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته قالت: “حدثتني بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم عاشوراء، وتسعاً من ذي الحجة، وثلاثة أيام من الشهر”. وقال النووي عن صوم أيام العشر: مستحب استحباباً شديداً، وخاصة يوم عرفة الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” (أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي..).
– بالذكر: ويستحب في هذه الأيام الإكثار من الأذكار من تهليل وتكبير وتحميد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر. فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” (رواه الطبراني في المعجم الكبير). ولقوله صلى الله عليه وسلم قال: “خير الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير” (رواه الترمذي).
وكم يجدر بنا أن نبادر لإحياء سنة التكبير التي أميتت في عصرنا فننال بذلك أجر إحياء السنة، فعن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال بن الحارث: اعلم، قال ما أعلم يا رسول الله؟ قال اعلم يا بلال، قال ما أعلم يا رسول الله؟ قال: “إنه من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا..” (رواه الترمذي وابن ماجة).
والتكبير في هذه الأيام عند العلماء نوعين: تكبير مطلق وتكبير مقيد. فأما التكبير المطلق فيبدأ من أول شهر ذي الحجة في جميع الأوقات ولا يخص بمكان معين، كان ابن عمر يكبر بمنى وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه، تلك الأيام جميعاً. وأما المقيد فهو كما قال ابن تيمية : “أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة: أن يكبر من فجر عرفة إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة..” (مجموع الفتاوى، ج 24، ص 20).
– بذبح الأضحية يوم العيد: أخرج الترمذي وابن ماجه عن عائشة مرفوعًا: “ما عمل ابن آدم من عمل يوم النحر أحب إلى الله عز وجل من هراقة الدم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم يقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسًا”.
فـ”الغنيمة الغنيمة بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة. فما منها عوض ولا لها قيمة. والمبادرة المبادرة بالعمل. والعجل العجل قبل هجوم الأجل. قبل أن يندم المفرط على ما فعل. قبل أن يسأل الرجعة ليعمل صالحا فلا يجاب إلى ما سأل. قبل أن يحول الموت بين المؤمل وبلوغ الأمل. قبل أن يصير المرء مرتهنا في حفرته بما قدم من عمل” (من أقوال بن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف).
الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله. الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد.