افتتحت جماعة العدل والإحسان أنشطتها لتخليد الذكرى الثانية عشرة لرحيل الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، بندوة فكرية حول موضوع “الشباب ورهانات البناء والتحرير” نظمتها الأحد 8 دجنبر 2024.
حضرت الندوة وجوه سياسية وحقوقية ومدنية وطنية من مشارب مختلفة، وغلب عليها الطابع الشبابي سواء على مستوى المداخلات أو التعقيبات أو التسيير أو التنظيم.. في إشارة لمركزية قضية الشباب وما يحظى به من اهتمام بالغ؛ بدءا بالتأطير النظري حيث أولاه الإمام عبد السلام ياسين عناية فائقة تشعّ بها مكتوباته ومسموعاته وتوجيهاته المباشرة في اللقاءات والزيارات التي كان يخص بها هذه الفئة الاستراتيجية، ثم التربية العملية من خلال برامج متنوعة تتوافق ومرحلتهم العمرية، والحرص على إشراكهم في الهيئات التنظيمية المختلفة وأيضا في المحطات النضالية.
تناوب على منصة الندوة، التي تغيت مساءلة الواقع الشبابي الراهن والوقوف على تحديات وإكراهات ومتغيرات الوضع الشبابي ومناقشة الرهانات والآفاق المستقبلية من أجل البناء والتحرير المنشودين، كل من السادة: زياد بومخلة الكاتب والباحث السياسي، ومحمد قنجاع الباحث في قضايا الفلسفة والفكر السياسي، وسليمان الريسوني الكاتب الصحفي، ورشيد العدوني الباحث في القانون الدولي والأمن والجيوبوليتيك، وأدارت فعالياتها الأستاذة آسية جامع.
وتميزت الندوة أيضا بكلمة افتتاحية لفضيلة الأمين العام للجماعة الأستاذ محمد عبادي، واختتمت بمداخلة لنائبه الناطق الرسمي باسم الجماعة الأستاذ فتح الله أرسلان.
وقد واكبت بوابة العدل والإحسان فعاليات الندوة الفكرية بأخبار وتقارير مختلفة، فبعد الإعلان الأولي الذي نشر يوم الجمعة 7 دجنبر، افتتحت متابعتها الإعلامية صباح الأحد 8 دجنبر بنشر الأرضية ثم الإعلان عن انطلاق الندوة، لتباشر نشر تقارير منفصلة عن كل مداخلة من المداخلات وكلمة من الكلمات، نجمعها في هذا التقرير الذي يحيط بكافة جوانب هذا النشاط الأول.
أرضية الندوة الفكرية: الشباب ورهانات البناء والتحرير
أهداف الندوة:
تروم الندوة تحقيق الأهداف التالية:
– مساءلة الواقع الشبابي الراهن، من خلال القراءة في منجز مختلف الفاعلين في الحقل الشبابي.
– الوقوف على تحديات وإكراهات ومتغيرات الوضع الشبابي.
– مناقشة الرهانات والآفاق المستقبلية من أجل البناء والتحرير المنشودين.
اقرأ الأرضية كاملة.
تنوع سياسي وفكري يبرز “فضيلة الحوار” التي آمن بها الإمام ياسين
تميز هذا اليوم الأول بتنوع في الحضور؛ إذ تعددت مشاربهم الفكرية والسياسية والدعوية والحقوقية، في تقليد سنوي دأبت الجماعة عليه منذ الذكرى الأولى لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله. ففضلا عن المتدخلين الرئيسيين المشاركين في الندوة، حضر عدد من الفضلاء الذين عرفوا بجهودهم في ربط أواصر الصلة والحوار بين الفرقاء السياسيين، سواء من المستقلين أو من اليسار، أو من الحركة الإسلامية وخاصة منها حركة التوحيد والإصلاح والحركة من أجل الأمة والسلفيين.
ذ. عبادي: لنكثف اللقاءات الحوارية فيما بيننا لتبديد الأفكار الخاطئة
افتتح الأستاذ محمد عبادي كلمته بتحية الحاضرين والترحيب بهم، وشكر للمنظمين ومعظمهم شباب عملهم، وترحم على الإمام صاحب الذكرى الذي احتفى بالشباب واحتضنهم، ليتوجه رأسا إلى قضية الأمة الأولى اليوم فلسطين، مذكرا بصمود أهلها ومقاومتها أمام حرب الإبادة الصهيونية الوحشية التي تجري أمام ناظري عالم “أصبح أصم عن سماع صرخاتكم وآهاتكم واستغاثاتكم، وأعمى عن رؤية أشلاء أطفالكم التي تعرض عليه صباح مساء على شاشات التلفزة. أين من يتبجحون بالديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان؟”.
وبعد أن ذكر بأن الإمام ياسين رحمه الله وبعد أن هاله واقع الأمة، عمد إلى وضع مشروع شامل للتغيير “فصل فيه نظريته الاجتهادية التجديدية التي أودعها كتبه القيمة التي مازالت بكرا تحتاج إلى من يغوص فيها لاستخراج كنوزها، وهي تتمحور حول نقطتين ثنتين، أولاهما: كيف نربي أجيالا صالحة مصلحة تتحرر من طغيان النفس، والشيطان، والهوى، وتشتاق إلى لقاء الله، فتبذل الغالي والنفيس طلبا لمرضاة الله وسعيا في إنقاذ خلق الله مما يقطع طريقهم للوصول إلى الله. وثانيهما: كيف نبني مجتمعا يسوده العدل والأمن، والرخاء والتكافل الاجتماعي بين أعضائه، أطلق عليه العمران الأخوي”.
اقرأ نص الرسالة كاملة.
ذ. بومخلة يستعرض التحديات التي تواجه الشباب في العالم العربي ويقترح منطلقات بناء وتحرير الأمة
أجمل المتحدث كلامه عن التحديات التي تعترض الشباب في ستة، أولها أن هذه القضية مستهلكة وشعاراتية فتحضر في مواسم الانتخابات وتغيب في خلافها، تحضر في وزارة الشباب الفلكلورية والوزارات التي تقدم فقط مشاريع لتبديد طاقة الشباب واستهلاكها وتحويلها إلى منتجات غير صالحة لصناعة مشاريع مستدامة تنمو بالمجتمع.. ثانيها: الهزيمة النفسية والخوف الكبير من المستقبل والعجز.. ثالثها: ثقافة الضحية والمظلومية والانتظارية.. رابعها: طغيان ثقافة الكسب السريع.. خامسها: تحدي النموذج.. سادسها: تحدي الرؤية والتصور..
متحدثا عن التحديات والإمكانات والمداخل.. ذ. قنجاع يعرض سبل إسهام الشباب في معركة البناء والتحرر
أما الأستاذ محمد قنجاع، الباحث في قضايا الفلسفة والفكر السياسي، فقد اقترح في مداخلته ستة مداخل اعتبرها أساسية وحاسمة في إسهام شباب الأمة والوطن في معركة البناء والتحرر، بدأها بالمدخل التربوي الذي يتجسد في قوة الإيمان عبر غرسه ورعايته “إيمان يتجدد ويسري في القلوب ويصير الباعث الإيماني شاحذا للعقول رافعا للهمم مُقوّيا للجوارح ومُعينا على حمل الأخطار”. وأضاف، ضمن عرضه الذي توزع على ثلاثة محاور: التحديات التي تعوق الشباب؛ وإمكانات الشباب التي تؤهلهم لهذا الاسهام؛ وسبل إسهام الشباب في معركة البناء والتحر، أضاف مداخل أخرى منها مدخل الثقة “ثقة القيادة في الشباب وثقة الشباب في نفسه”، ومدخل اكتساب العلم والتحصيل العلمي، وكذا الانفتاح والتلاحم في أوساط الأمة…
ذ. الريسوني: 7 أكتوبر قلبت عقارب الساعة العربية إلى زمن 2011 الثوري
الصحفي المغربي سليمان الريسوني، استهل مداخلته التي عنونها بـ”الشباب المغربي وأسئلة التغيير والتحرير” باستدعاء حدث يجلي متانة ارتباط الشباب المغربي ببلده، قال: “في يوليوز 1994 التقى بمدينة طنجة فلسطينيان وسوري وتونسي ومغربي بالكاتب محمد شكري؛ الفلسطيني الأول هو الروائي والصحافي إيميل حبيبي، الذي كان برلمانيا في الكنيسة باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي ورئيس تحرير جريدة الاتحاد لسان حال هذا الحزب، وهي الجريدة الوحيدة التي كانت زمن إيميل ناطقة بالعربية في فلسطين المحتلة. الفلسطيني الثاني كان هو المفكر هشام شرابي أستاذ التاريخ بجامعة جورج تاون الأمريكية. أما الثالث فكان الروائي وعالم الاجتماع السوري حليم بركات الذي قضى أزيد من ربع قرن أستاذا في نفس الجامعة جورج تاون. والرابع كان هو الروائي والمترجم التونسي المقيم في ألمانيا حسونة المصباحي. بينما كان خامس هؤلاء هو الشاعر المغربي محمد بنيس أحد رموز الحداثة الشعرية في العالم العربي”.
ذ. العدوني: التدين وسط الشباب ينبغي أن يكون تدينا منتجا ومثمرا نافعا للبلاد والعباد
الأستاذ رشيد العدوني الباحث في القانون الدولي نبه إلى أن قضية صراع الأجيال تم تسييسها، من أجل تحريف حقيقة الصراع والتدافع السياسي والاجتماعي بما صراع وتدافع على الثروة والسلطة والقيم، منبها إلى أن هذه العلاقة لا تتخذ هذا الشكل الوحيد بين الأجيال (الصراع) بل هناك صيغ أخرى للتفاعل بين الشباب والشيوخ تتجلى في التواصل والتوارث والتعاقب، المبني على نقل التجارب وتوريث الخبرة مقابل الاعتراف بفضل السابقين والبناء على منجزهم.
ذ. أرسلان يؤكد أن الحوار خيار استراتيجي للجماعة ويدعو إلى جعل التصدي للتطبيع قضية وطنية جامعة
وفي كلمته في نهاية الندوة، اعتبر الأستاذ فتح الله أرسلان نائبُ الأمين العام لجماعة العدل والإحسان أن احتفاء الجماعة بفضيلة “الحوار والانفتاح والمذاكرة والتذاكر والنقاش في القضايا التي تجمعنا جميعا” هو وفاء منها لصاحب الذكرى الذي لطالما كان “يُلحُّ على ضرورة الانفتاح على كل أطياف المجتمع فعليا وليس مجرد شعارٍ”.
فقد كان بيته، الذي انعقدت فيه الندوة، “فضاء استقبل فيه الإمامُ سياسيين بمختلف أطيافهم اليسارية والليبرالية والإسلاميين، ومثقفين وكل أنواع الطيف المجتمعي”. بل خصّ الإمام رحمه الله، يضيف عضو مجلس إرشاد الجماعة جملة من كتبه للحوار مع مختلف شركاء الوطن والأمة من قبيل “حوار مع الفضلاء الديمقراطيين”، “حوار الماضي والمستقبل”، “حوار مع صديق أمازيغي” … قناعة منه رحمه الله أن الانفتاح على الناس والاشتراك معهم في كل القضايا الحية، هو مدخل من مداخل إصلاح الأمة وتغيير ما بها.
مجلس الإرشاد في زيارة وفاء إلى قبر الإمام ياسين رحمه الله
وسيرا على عادته الحميدة، نظم مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، عصر الأحد 8 دجنبر 2024، زيارة وفاء وعرفان ودعاء إلى قبر الإمام المؤسس عبد السلام ياسين رحمه الله بمقبرة الشهداء بالرباط.
وقد كانت الزيارة مناسبة لاستذكار أفضال الإمام وبذله وجهاده، وفرصة لتجديد عهد المواصلة على ذات درب المنهاج النبوي منهاج العدل والإحسان.