نشرت مجلة تايمز الأمريكية 1 تحقيقا من داخل مدرسة أمريكية بولاية آلينوا تضم 636 طالبا وطالبة حيث الحجاب هو الزي الرسمي للطالبات من السنة الأولى الإعدادية وهو اختياري لما دون ذلك. وقد عبر أحد القراء في منتدى من المنتديات عن إعجابه بالخبر قائلا:لايسعني إلا أن أقول لاحول ولاقوة إلا بالله على مايحدث في مدارسنا في بلادنا العربية المسلمة، هذا هو حال مدرسة في أمريكا، نعم في أمريكا، لكن للأسف أغلب مدارسنا في دولنا المسلمة تسير على غير ذات النهج تماما ندعو الله أن يصلح حالنا جميعا) 2 لعل القارئ يرى للوهلة الأولى أن الأمر جميل بل سيعجب به كحال قارئنا العزيز صاحب التعليق. قبل ذلك لابد من الإشارة إلى جملة أثارت انتباهي في هذا الخبر، فقد جاء أنّ الزيّ الرسمي في هذه المدرسة هو الحجاب، اختياري لما دون المستوى الإعدادي أي بعبارة أخرى إجباري لما فوق ذلك، نعم إجباري وقد سجل قارئنا إعجابا لا متناهيا بهذا الأمر ولعله لم يفطن إلى أن من هؤلاء الفتيات من يضعنه كرها، وهل ياترى فكرنا ولو لحظة في أمر مهم : هل حمل بناتنا على ارتداء الحجاب في المدرسة معيار لتشبتنا بديننا وقيمنا الإسلامية ؟؟؟
إننا لا ننكر أن الحجاب فرض في دين الله عز و جل، وقبله وبعده فروض أخرى وواجبات وأخلاق لابد من التشبث بها وإلا كان تشبثنا بإسلامنا تدينا أجوفا لايرى من الحجاب إلا زيا كغيره من الأزياء يلهث وراء آخر الصيحات والتقليعات، دون أن يصاحبه فهم للدين وتخلق بأخلاق الرحمة المهداة للعالمين، فتحمله طوعا فلذات أكبادنا من بنات المسلمين.
ولنقف الآن مع الحدث وقفة عميقة، فهذه مدرسة إسلامية في دولة غير مسلمة كان العمل بها بناء على خوف طبيعي لآباء على أبنائهم من قيم جديدة عليهم ومجتمع غريب لا يعتد بأعرافهم وتقاليدهم، قادهم إلى إنشاء هذه المدارس الخاصة بأبنائهم المسلمين، وكأنهم مجتمع وسط المجتمع ودولة وسط الدولة. ومن المفارقات الغريبة في الأمر، أن ذلك الأب نفسه الذي قاده خوفه الغريزي إلى مدارس إسلامية خاصة، يدفع بابنه وهوفي أحرج سنوات عمره وأصعبها إلى الحياة العامة دون أن يعلمه شيئا من فنون السياحة في هذا المجتمع الغريب عنه لحد الآن. فترى ذلك الفتى وتلك الفتاة وغيرهم، وهم في ريعان الصبا وتفتح الشباب يصطدمون بواقع لاقبل لهم به.
فمنهم من يرفض الأمر جملة وتفصيلا وينكفئ على نفسه معتقدا في ذلك خلاصه الفردي، ضاربا عرض الحائط بسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي علمنا كيف نخالط الناس برحمة ولين ونصبر على آذاهم• ومنهم أيضا من يضيع في تلك الدروب•حضارة جديدة و״حرية״ مزعومة تجذب عقله وتسلب لبه. ولعله يجد فيها متنفسا عن بعض الأمور التي أكره عليها وهو صغير دون أن يتكبد الكبار عناء شرحها له برفق ولين، فيخبط خبط عشواء لا يلوي على شئ.
إننا إن لم نسع ليندمج أبناءنا في مجتمعاتهم وهم صغار، فسينفرون منها وهم كبار وربما يغوصون فيغرقون إلا من رحم ربي ونكون قد نسينا أوتناسينا وصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لنا بأن نعلم أبناءنا فيما نعلمهم فنون السباحة، سباحة مجردة أي نعم، لكن أيضا تتعداها الى سباحة في دروب الحياة تجعل من أطفالنا أقوياء في لين ورحمة لا ضعفاء في عنف وشدة.
ولا ننسى في هذا الخضم أن نؤكد على أن تربية أبنائنا ليست مسؤولية فردية تعنى بخلاصهم الفردي وعملنا الصالح فقط، بل هي مسيرة مجتمع ومصير أمة صلاحها من صلاحهم ومستقبلها من مستقبلهم. نعم هي بناء يستلزم منا الصبر والوقت كي نؤهل أطفالنا عقليا ونفسيا وعمليا في عملية الاندماج في مجتمعاتهم والعضوية الفاعلة في الحياة.
طبعا لا يمكن أبدا أن نتجاهل خوفنا الطبيعي على أبنائنا وبناتنا من رفقاء السوء خارج البيت يجرونهم إلى الضياع في مجتمع لا علم لهم بثقافته، ولكن بدلا من أن نجعلهم يتوارون عن الدنيا وأبنائها، ندفع بهم إليها ونزودهم بما يلزم من نماذج وأفكار تجعل منهم جيلا متميزا وطليعة بين الأقران. وإلا فلن يجدوا منهم إلا الرفض والاستهجان.
وختاما أحبتي الكرام أعرض بين أيديكم وجهة نظري ولكم واسع النظر.