مقدمة
إن المتتبع لمسار المنظومة التربوية ببلادنا، يلحظ دونما عناء انخراط المغرب في مسلسل من الإصلاحات التربوية لا ينتهي، إصلاح تلو إصلاح، ومشاريع متعددة ينسخ بعضها بعضا، وفي هذا السياق تم إحداث المجلس الأعلى للتعليم الذي تأسس أول مرة سنة 1973، وقد أُسس بظهير رقم 1.70.236 الصادر في فاتح شعبان 1390 هجرية الموافق لـ 3 أكتوبر 1973 بشأن المجلس الأعلى للتعليم.
وضم هذا المجلس بعد إعادة تنظيمه سنة 2006 في عضويته 112 شخصية! ليتم مرة أخرى إعادة تنظيمه وفق القانون 105.12، بتاريخ 16 ماي 2014 بغية تحقيق الحكامة الجيدة في قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي، المجلس الذي نص عليه الدستور الجديد.. لكن بقيت تركيبة هذا المجلس غامضة إلى حدود يوم الأربعاء 16 يوليوز2014 فكان الإعلان عن هذه التشكيلة التي يفترض فيها إنقاذ التعليم المغربي من الهاوية التي يتدحرج فيها…
فإلى أي حد تتماشى تشكيلة المجلس في نسخته الحالية مع أسس الحكامة الجيدة؟ وما هي المعايير المتحكمة في انتقاء عناصرها؟ وما هي الآثار المتوقعة لعمل المجلس مستقبلا وعواقب ذلك على قطاع التربية والتكوين؟
1. من أسس الحكامة الجيدة
الحكامة أو الحكامة الجيدة la bonne gouvernence من المفاهيم الشاسعة والكثيرة التداول في خطابات الفاعلين السياسيين، تم توظيفه داخل العديد من المجالات والأنشطة الإنسانية بما في ذلك مجال التربية والتكوين، فهي تعني تدخل أطراف أخرى إلى جانب الدولة من أجل تسيير وتنظيم الشأن العام، مع احتفاظ الدولة بحقها في المتابعة والمحاسبة والتقويم. وترتبط الحكامة كقيمة بمجموعة من القيم التربوية والمهنية كالتعاقد والاستقلالية والشراكة…
والحكامة الجيدة تتأسس على عدة مرتكزات وتعتمد معايير واضحة تكاد تتفق عليها جميع الدراسات والأبحاث؛ ومن ذلك معايير الحكامة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي:
المشاركة
أي حق المرأة والرجل في الترشيح والتصويت وإبداء الرأي ديموقراطيا في البرامج والسياسات والقرارات.
والمشاركة تتطلب توفر القوانين الضامنة لحرية تشكيل الجمعيات والأحزاب وحرية التعبير والحريات العامة وترسيخ الشرعية.
حكم القانون
أي أن القانون هو المرجعية وسيادته على الجميع بدون استثناء وفصل السلط واستقلالية القضاء ووضوح القوانين وشفافيتها وانسجامها في التطبيق.
الشفافية:
تعني توفر المعلومات الدقيقة في وقتها وإفساح المجال أمام الجميع للإطلاع على المعلومات الضرورية مما يساعد في اتخاذ القرارات الصالحة وكذلك من أجل توسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة ومن أجل التخفيف من الهذر ومحاصرة الفساد
حسن الاستجابة
يعني قدرة المؤسسات والآليات على خدمة الجميع بدون استثناء
التوافق
يعني القدرة على التحكيم بين المصالح المتضاربة من أجل الوصول إلى إجماع واسع حول المصلحة العامة.
المساواة
أي إعطاء الحق لجميع النساء والرجال في الحصول على الفرص المتساوية في الارتقاء الاجتماعي من أجل تحسين أوضاعهم.
الفعالية
أي توفر القدرة على تنفيذ المشاريع التي تستجيب لحاجيات المواطنين وتطلعاتهم على أساس إدارة عقلانية وراشدة للموارد.
الرؤية الاستراتيجية
أي الرؤية المنطلقة من المعطيات الثقافية والاجتماعية الهادفة إلى تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية.
فالحكامة ـ إذن ـ تقتضي إشراك الآخر في صنع القرار التربوي وتنزيله وتقويمه؛ وحسن التدبير؛ وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وإذا قلنا أن المقاربة التشاركية هي لب الحكامة التربوية فلا مجال للإقصاء حينئذ..
وفي ظل الدينامية الإصلاحية التي تشهدها منظومة التربية والتكوين بالمغرب، تم التركيز على مفهوم الحكامة الجيدة كقيمة من جهة وكآلية لتدبير الشأن العام من جهة أخرى، والقانون 105.12 المنظم للمجلس الأعلى للتربية والتكوين يشير في الباب السادس: التنظيم المالي والإداري للمجلس، المادة 24؛ إلى أن المجلس يتمتع بصفته هيئة للحكامة الجيدة بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي) 1 . فهل استجاب المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ـ باعتبار الصفة المعطاة له قانونيا ـ للمبادئ الأساسية للحكامة في تشكيلته ومكوناته قبل أن نتحدث عن آليات اشتغاله والمنتظر منه؟
2. سؤال الحكامة في تشكيلة المجلس الأعلى للتربية والتكوين
أ. تشكيلة المجلس
يتألف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، من 92 عضوا يتوزعون كالتالي:
ثلاثة عشر عضوا (13) معينون بصفتهم المؤسساتية، من ضمنهم وزراء ورؤساء بعض الهيئات والمؤسسات:
السيد رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني؛
السادة: لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، محمد أمين الصبيحي وزير الثقافة، أنيس بيروالوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، عبد العظيم الكروج الوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، سمية بنخلدون الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، محمد يسف الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى، المحجوب الهيبة المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، عمر الفاسي الفهري أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، العربي بنشيخ مدير مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، ادريس أبو تاج الدين مدير المركز الوطني للبحث العلمي والتقني.
عشرون خبيرا ومتخصصا (20) معينون من طرف الملك:
عبد الحميد عقار، ألبير ساسون، عبد الجليل الحجمري، عبد اللطيف الميراوي، محمد دحمان، ربيعة الناصري، نادية البرنوصي، نور الدين عيوش، رشيد الفيلالي المكناسي، نور الدين مؤدب، أحمد عبادي، علي أمهان، عبد الحي الموذن، نور الدين أفاية، عبد الناصر ناجي، لطيفة الجبابدي، التيجانية فرتات، نور الدين الصايل، عائشة حدو، نادية العراقي.
أربعة أعضاء (4) معينين من قبل رئيسي مجلسي البرلمان: محمد يتيم، سمير بلفقيه، عبد الحميد السعداوي، عبد الحكيم بنشماس.
فئة الأعضاء المعينين من قبل رئيس الحكومة، باقتراح من القطاعات والمؤسسات والهيئات المعنية، وتشمل ستة أعضاء (6) يمثلون مؤسسات التربية والتكوين: عز الدين المداوي، عمر صبحي، ادريس واعزار، محمد دالي، الجيدة ليبك، سمير بردعي.
عشرة أعضاء (10) يمثلون النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية: كريمة بنصفية، علال بلعربي، محمد سحيمد، بشرى الغويري، عبد الإله الحلوطي، آمنة ماء العينين، ميلود معصيد، حكيمة اللطفاوي، عبد الكريم المدون، أحمد بومعليف.
ستة عشر عضوا (16) يمثلون الأطر التربوية والإدارية: نور الدين مشاط، السعدية نسائي، عبد المالك المودن، لكبيرة التاجي، محمد الشعبي، عبد الباسط بنتومي، عبد اللطيف العلمي، سميرة العمراني، يسرى الحريري، خديجة الرحاوي، عبد العزيز أولعسري، إلهام بوفتاس، عبد الكبير بلاوشو، الحسين موغلي، عبد الغفور العلام، بوشعيب العلمي.
ثلاثة أعضاء (03) يمثلون جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ: يوسف الجميلي، ميلود قيداري، الكبير الغزاوي.
خمسة أعضاء(05) يمثلون التلاميذ: إخلاص العرود، عبد المومن هنو، بلقاسم المترجي، فاطمة الزهراء فتحي، فاطمة أزير.
ثلاثة أعضاء(03) يمثلون الجماعات الترابية: فاطمة الزهراء المنصوري، عبد الرحيم العماني، المامي بوسيف.
ستة أعضاء(06) يمثلون جمعيات المجتمع المدني: عبد الحميد ازريول، عبد اللطيف الجواهري، محمد حباني، ثورية بوعبيد، خالد الصمدي، محمد سمامي.
ثلاثة أعضاء (03 )يمثلون الهيئات الأكثر تمثيلا للمقاولات: مريم بنصالح شقرون، جواد الشيخ لحلو، مروان طرفة.
ثلاثة أعضاء(03) يمثلون الهيئات الأكثر تمثيلا لمؤسسات التعليم والتكوين الخاص: عبد الهادي زويتن، جاك كنافو، عبد السلام بناهرا.
ب. سؤال الحكامة في الاختيار والانتقاء
1. يلاحظ أن السمة الغالبة لاختيار أعضاء المجلس تحكم فيها أسلوب التعيين، فبالإضافة إلى رئيس المجلس المعين من طرف الملك؛ يعين الملك كذلك 13 عضوا بصفتهم المؤسساتية و20 عضوا بصفتهم خبراء ومتخصصين في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي!
وخول القانون المنظم للمجلس لرئيسي مجلسي البرلمان تعيين 4 أعضاء! ولرئيس الحكومة تعيين 6 أعضاء!
فإذا كان رئيس المجلس معينا والخبراء معينون (ما يقرب من نصف الأعضاء)؛ فأين هي مبادئ الحكامة التي تقتضي الانتخاب بدل التعيين!! أين هي المقاربة الاشراكية التشاركية؟ ألا يؤثر ذلك على الاستقلالية في الاشتغال والبحث العلمي وقوة الاقتراح؟ أليست هذه نزعة تحكمية بامتياز تفضي إلى الإمساك التام بخيوط القرار التربوي بالبلاد؟
2. ثم إن تشكيلة بهذا العدد مع اختلاف وتنوع في المشارب قد يؤثر سلبا على اشتغال المجلس؛ مما يوحي بأن الاتفاق على أي مشروع إصلاحي قد يتعثر أو يطول!
3. وارتباطا بما سبق؛ يتساءل المرء عن وجود شخصيات ضمن فئة الخبراء المختصين المعينين من طرف الملك؛ فأين هي الخبرة التربوية لدى رجل الإشهار والمقاولات نور الدين عيوش؟! إلا أن تكون دعوته لاعتماد الدارجة لغة في التدريس! وهو الذي صرح عقب تعيينه بأنه سوف يبقى مصرا على مشروعه الداعي للتدريس بالدارجة على غرار مقاولاته الإشهارية بالدارجة! أين هي الحكامة الجيدة في تعيين أناس يكنون العداء للغة الرسمية للبلاد، وآخرون يسوقون كل ما من شأنه تخريب منظومة القيم؟! أين هي الكفاءة والخبرة التربوية الحقيقية وتكافؤ الفرص بين الفاعلين؟ ولِمَ الإصرار على إقصاء الخبراء الميدانيين وخاصة هيأة التفتيش التربوي؟!
ج. إشكالية التمثيلية داخل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي
القانون رقم 105.12 المنظم للمجلس يشير إلى فئة الأعضاء الممثلين للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية؛ وبالرجوع إلى انتخاب ممثلي الموظفين والمستخدمين بقطاع التربية الوطنية (15 ماي 2009) نجد المعطيات الآتية:
والقانون السابق أشار بوضوح إلى النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية وليس إلى المركزيات النقابية؛ جاء في المادة 7 من الباب الثالث ج. فئة الأعضاء الممثلين للنقابات التعليمية …؛ 12 اثنا عشر عضوا ممثلين عن النقابات الأكثر تمثيلية يعينهم رئيس الحكومة باقتراح من النقابات التي تنتدبهم) 2 ، غير أن من عين أو اقترح أو وجه الدعوة؛ غيب وأقصى نقابة مفتشي التعليم من تشكيلة المجلس؛ رغم أن هذه الأخيرة احتلت المرتبة الخامسة!!
فلصالح من هذا الإقصاء؟ وهل هذه هي الحكامة التي يمثلها المجلس وهي الصفة التي منحها إياه القانون المنظم؟ ثم ماذا ننتظر من مجلس غيب هيئة تمثل القيادة التربوية للمنظومة؟ لماذا هذا الحنق على الهيئة ورجالها؟ من هم أصحاب الخبرة التربوية؛ هل هم أصحاب التأطير والتكوين والمراقبة التربوية وبناء المناهج أم رجال الإشهار والسينما والمقاولة؟
إذا كان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛ مؤسسة دستورية تشكل قوة اقتراحية بناءة، وآلية للتقييم والمتابعة والاستشراف، في مجال إصلاح وتأهيل المدرسة المغربية كما جاء في الخطاب الرسمي لرئيسه، فإن الانطلاقة التي انطلق بها والعناصر المكونة للمجلس؛ وغياب أبسط آليات الحكامة الجيدة في التأسيس والتدبير؛ مؤشرات في غاية الخطورة على تحويل قطاع التربية والتكوين من شأن مجتمعي يحتاج إلى مقاربة تشاركية تشرك الجميع ولا تقصي أي طرف..؛ إلى قطاع سيادي تابع للقصر ومحيطه حيث تنسج هناك خيوط القرار التربوي والسياسة التعليمية؛ وتبقى الوزارة الوصية على القطاع منشغلة بتدبير ما هو تقني ومرتبط بالأزمة بدل إنتاج مشاريع تربوية حقيقية مرتبطة بالمجتمع وهويته وكفيلة بالنهوض بالمدرسة الوطنية العمومية.
وبالتالي فلا نبني أحلاما وردية ونعلق آمالا وهمية على مجلس أنيطت به مهام ضخمة، لكن انطلاقته عوجاء منذ البداية؛ فالمنتظر هو السقوط. قيل عنه سقط، قال: من الخيمة خرج مائلا) حسب التعبير الشعبي. ولنا عودة للموضوع إن شاء الله.
خالد البورقادي: مفتش تربوي؛ باحث في قضايا التربية والتكوين