تحت القصف، وفي مرمى فوهات المدافع، يتوجه أهل غزة لله الجبار المنتقم، يسألونه الصبر والثبات والنصر، تقول الشابة الغزاوية الكاتبة “هبة أبو ندى” في إحدى تدويناتها: “إذا متنا اعلموا أننا راضون وثابتون، وبلغوا عنا أننا أصحاب حق” 1
ومن كلمتها، رحمها الله، وقد اختارها الله لتتقلد وسام الشهادة بعد أن حطم صاروخ أهوج منزل أسرتها بخان يونس، اخترت الحديث عن كلمة الثبات بكل ما تحمله من معاني الصبر والصمود والتوكل على الله والرضا بقضائه.
مناسبة الحديث عن الثبات هو ما تتعرض له غزة الأبية من الإبادة والقتل على يد الصهاينة الغاصبين، المدعومين من الغرب، منذ السابع من أكتوبر 2023، فقد أعطى أهل غزة، بمقاومتها، ورجالها، ونسائها، أعظم الأمثلة على الثبات والصبر والاحتساب، فلم يهنوا ولم ينخذلوا أمام جبروت الكيان الصهيوني ومن معه من الخونة والمبطئين، لقد ثبتت المقاومة وهي تسند ظهرها لشعب صابر، ومقاوم، ومحتسب لله ما يتجرعه من الآلام والأحزان، فالحاضنة الشعبية، للمقاومة، مؤمنة بقضيتها ومطمئنة إلى خطها، وراضية بمطارق القدر وهي تتنزل عليها.
وأمام هذا الابتلاء والبلاء الذي تتعرض له غزة العزة والشموخ والإباء، ما أحوجنا اليوم، وغدا، إلى استحضار مواقف الثبات، لرفع المعنويات، وتقوية صفوف الممانعة، وشحذ الهمم، ولن نجد لهذا الغرض أحسن من آيات من القرآن الكريم، ولا أجمل من السيرة النبوية العطرة.
ولهذا فإن تتبع آيات الذكر الحكيم، والتأمل في أحداث السيرة النبوية كفيل بتقوية صف المؤمنين، ورفع هممهم، بما تمثله من تجربة حية للصراع بين الحق والباطل، فالسيرة هي التطبيق العملي لسلوك المؤمنين في مواجهتهم ومدافعتهم لقوى الشر والظلم. وباعتبار هذه الخصوصية التدافعية، وجب قراءتها بعين فاحصة مستبصرة لتعطينا فهما صحيحا نقرأ به واقعنا الحالي، ونظرة ثاقبة تجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة، استشرافا لغد الحرية والكرامة والنصر.
لقد كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم رجال مؤمنون صادقون لم يبدلوا، وظلوا ثابتين، وصابرين: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا(الأحزاب آية 23).
نعم، لم يبدلوا، ولم يتراجعوا أمام صنوف الإغراءات والبلايا والاضطهادات، وما خفت وهج قلوبهم العامر بالإيمان، المتطلع لنصر الله تعالى، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين(آل عمران، آية 139)، إذ كيف يهون ويحزن من حبل قلبه معلق بالله تعالى، وآيات الله في كتابه العزيز، تعده بالنصر والتمكين وكان حقا علينا نصر المؤمنين(الروم آية 46).
مواقف الثبات تصنع النصر
الكل يستحضر ما وقع في السنة الثامنة للهجرة عندما دخل المسلمون مكة فاتحين منتصرين فرحين بنصر الله، لكن هذا النصر يجب ألا ينسينا ثبات البدايات، وأنه ثمرة مسيرة من الجهاد والصبر والثبات، فهزيمة المشركين في فتح مكة سبقتها هزائم، تلو هزائم، منذ بداية الدعوة الإسلامية في مكة، مرورا بهزائم عسكرية مباشرة في المرحلة المدنية.
فقبل أن ينهار صرح قريش، وينهزموا عسكريا، كانت هناك هزائم معنوية وأخلاقية ونفسية، تعتبر بمثابة تشققات في جدار المشركين، وتصدعات في أساسات الباطل قبل أن نشهد انهياره كاملا.
لقد كانت أولى بشائر النصر، هزيمة قريش على مستوى الحرب الإعلامية والدعائية، حيث فشلت حملاتهم الدعائية، وخرست ألسنتهم، وهم يسخرون من الدعوة ويتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر والجنون ويفترون عليه الأقاويل والأكاذيب، لكن ذلك لم يفت في عضد الدعوة، ومضى رسول الله في دعوته غير عابئ بسخرية المشركين، وتنزل القرآن ليفتح للمسلمين أبواب الأمل قائلا: ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون(الأنعام آية11).
فشل المفاوضات والثبات على المواقف
وبعد فشل الدعايات المغرضة، والاتهامات الباطلة، وتحطم آمال المشركين في كبح همم المؤمنين على صخرة الثبات والصمود، انتقلوا إلى صنوف أخرى من المكائد والإغراءات والضغوط، لتستمر سلسلة الكيد بمحاولة الضغط على أبي طالب ليمنع ابن أخيه من الجهر بالدعوة إلى الإسلام، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم الاستجابة لهم بقوله لعمه : “يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته” فقال له عمه: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا” 2. كان هذا الموقف الثابت والواضح بداية المواجهة مع رجال قريش، حيث رجعوا ناكسي الرؤوس والخيبة تعلوا وجوههم.
ثم فشلوا، بعد ذلك، في المفاوضات المباشرة مع النبي صلى الله عليه، حيث عرضوا عليه المال والسيادة والجاه، فرجع مبعوثهم، عتبة بن ربيعة، إلى قومه بعد فشله في إقناع النبي صلى الله عليه وسلم بعرض قريش، وقال لهم: “خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم” 3.
إن هذا الثبات على الموقف من طرف القيادة الربانية زلزل المشركين وأوهن موقفهم، وجعل الهزيمة تتسلل إلى نفوسهم، فكان بحق اللبنة الأولى في صرح الانتصار الذي تحقق، بعد سنوات، بفتح مكة.
ثبات المؤمنين رغم الاضطهاد
وبعد فشل الدعايات المغرضة، والعروض السمينة المغرية، انفجر غضب قريش، ورفعت رماحهم في وجه المؤمنين، وتفتقت عبقريتهم على ألوان من التعذيب والأذى. وواجه المؤمنون هذا البطش بالصبر والثبات.
فهاهي قريش تفشل في ثني بلال بن رباح رضي الله عنه عن الإيمان برسول الله، فيأتي التحدي البطولي لبلال ليضرب رمزية قريش في مقتل، ومن “عبد أسود وضيع” حسب زعمهم، الذي ثبت على كلمة التوحيد والصخرة تعلو صدره في بطحاء مكة، والرمل الحارة تحرق جلده، تعذيب ما بعده تعذيب، وهو ثابت يقول: “أحد أحد”.
لنا أن نتصور بلالا هذا وقد دخل مكة فاتحا، وعلا البيت رافعا صوته بالأذان، ليرسم بثباته مشهدا عظيما من مشاهد النصر، يثلج القلوب، وينسي ما مضى من سنوات الاضطهاد.
إنه ثبات البدايات رسم لنا هذه الصورة الرائعة الناصعة
وتستمر الهزائم القرشية عندما استشاط غضبهم، ووجهوا نبال حقدهم ليجهزوا على امرأة مستضعفة عاجزة عن مقاومة هذا العدوان، إنها سمية، فقد كانت الطعنة القاتلة التي تلقتها إيذانا بفشل قريش في معركة المواجهة مع المسلمين، بل يمكن اعتبار هذه الطعنة الحمقاء إزميلا مغروزا في جدار الشرك ليبدأ التصدع في الجبهة القرشية، فقد كانت أسرة ياسر (ياسر وعمار بن ياسر وأم عمار) رضي الله عنهم، مثالا للتضحية والثبات، وقد وعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة قائلا: “صبرًا يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة” 4.
وأمام شدة الأذى، أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالهجرة إلى الحبشة، حماية لهم من بطش قريش، فحاولت هذه الأخيرة إقناع ملك الحبشة بطرد المسلمين والامتناع عن استضافتهم. وبعد حوار واستماع للطرفين استقر حكم الملك على فتح أبواب مملكته للطالبين حمايته، ففشلت قريش في إقناعه، وسقطت حجتها أمام كلمة الحق الراسخة والثابتة، ورجع مبعوث قريش عمرو بن العاص ذليلا، منهزما، خاوي الوفاض، لتكون هذه الانتكاسة لبنة أخرى في صرح الانتصارات المتوالية للمسلمين.
وردا على هذه الانتكاسات قررت قريش حصار المسلمين ومقاطعة كل من يدافع عنهم (بني هاشم وبني عبد المطلب)، وكتبوا بذلك صحيفة علقوها على أستار الكعبة، واستمرت المقاطعة ثلاث سنين حتى أكلوا أوراق الأشجار وكادوا أن يهلكوا من الجوع، وقد فشل هذا الحصار أمام الإرادات الثابتة للمحاصرين 5 وهكذا، رغم الحصار والجوع والاضطهاد والقتل، اختار المسلمون الثبات والصبر بدل الاستسلام.
وها هي غزة تشق نفس الطريق الذي سلكه المؤمنون الصادقون، طريق تلوح في نهايته بشائر الفرح بنصر الله.
النصيحة النبوية
نصح المصطفى صلى الله عليه وسلم آل ياسر بالصبر، وهو عنوان الثبات، وعلامة على القوة في المواجهة، فلا غرو أن نجد القرآن الكريم يوصي به في أكثر من آية: ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون(آل عمران 200).
لقد كانت كلمات الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم لهم البلسم والشفاء والعزاء، وهو يعدهم بالجنة جزاء صبرهم وجهادهم، قال سبحانه: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين(آل عمران آية 142) .
وإلى القابضين على الجمر في زماننا، زمن الهزيمة والفتنة والوهن والتغول الصهيوني، تمتد نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكرة إياهم بالصبر والثبات، يقول صلى الله عليه وسلم: “فإنَّ مِن ورائِكم أيَّامًا الصَّبرُ فيهنَّ مثلُ قبضٍ على الجمرِ، للعاملِ فيهنَّ مثلُ أجرِ خمسينَ رجلًا يعمَلونَ مثلَ عملِه ) قال: وزادني غيرُه – يا رسولَ اللهِ أجرُ خمسينَ منهم ؟ قال: ( خمسينَ منكم )“ 6 إنها بشرى عظيمة للصابرين من أمته، بأن لهم أجر خمسين من الصحابة كما جاء في روايات أخرى للحديث.
وهذا حديث آخر أوصى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر عند لقاء العدو، قال عليه السلام: “يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف” 7
وفي وقتنا نرى صور الصبر، ومشاهد الثبات، على أرض فلسطين، تقول الشهيدة هبة: “نودع الجميع على عجل بلا دموع ولا جنائز وندعو بالثبات تحت القصف ونحن لا نعلم من سيلحق بهم، اللهم مددا من عندك”، وما هذه الصور والمشاهد إلا مقدمات لنصر قادم، وبشائر صبح قريب يلوح في الأفق، يؤذن بهزيمة الكيان وجلاء الاحتلال، واندحار فلوله ومعاونيه من المنافقين والمبطئين.
ولكنكم تستعجلون
وها هو الصحابي الجليل خباب بن الأرت يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد نال من الأذى أشده كيا بالنار وضربا بالسياط، وشتما بأقدح النعوت، قائلا: “ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا” فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ” 8
لا تستعجلوا واصبرو، بهذه الكلمات كان رسول الله صلى الله عليه “يبث عناصر الثقة في قلوب رجاله، ويفيض عليهم ما أفاضه الله على فؤاده من أمل رحيب في انتصار الإسلام، وانتشار مبادئه، وزوال سلطان الطغاة أمام طلائعه المظفرة في المشارق والمغارب” 9
ذكر المجاهدين ثبات ونصر
إن دوام الذكر من صفات المجاهدين، ففي طريقهم إلى مكة، قرب جبل جمدان، وهم في سفر جهادي، قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: “… سبق المفردون!” قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال: “الذاكرون الله كثيرا والذاكرات” 10.
وكثرة الذكر تعني المداومة عليه في جميع الظروف وكل الأوقات، فإنه لن يثبت في مواطن التدافع مع الظلم ودحر الطغيان إلا الذاكرون الله كثيرا والذاكرات، يقول الحق سبحانه: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون(الأنفال آية46).
“والثباتُ إنما يكون بقوة القلب وشدة اليقين، ولا يكون ذلك إلا لنفاذ البصيرة، والتحقق بالله، وشهود الحادثات كلها مِنْهُ، فعند ذلك يستسلم لله، ويرضى بحكمه، ويتوقع منه حُسْنَ الإعانة، ولهذا أحالَهم على الذكر فقال: وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا“ 11.
فالمعارك الكبرى مبدؤها ومنتهاها ما يعتلج في القلوب، ففي تفسيره لهذه الآية يقول الشيخ أبو زهرة: “النصر ليس بالسلاح ولا التخطيط فقط، بل مع ذلك بأمرين في القلوب: أولهما الثبات. وثانيهما ذكر الله تعالى، فإن الله يجعل القلوب تطمئن، وإن ذكر الله يملؤها إيمانا ويقينا، ورجاء في النصر. وإن ذكر الله يذهب فزع القلوب، ويساعد على الثبات” 12.
وذكر الله عند المواجهة يجعل المؤمنين يتعلقون بالله تعالى، فيتبرؤون من حولهم وقوتهم وأسبابهم، ويرجون النصر من الله تعالى، وخاصة إذا كان العدو أقوى عددا وعدة، يقول الشعراوي في تفسيره: “أما إذا كانت الفئة التي يواجهها المؤمنون كبيرة العدد أو كثيرة العتاد فذلك يتطلب الدراسة والاستعداد، وهنا طلب الحق الثبات ليعلم المؤمنون يقينا؛ أنهم لا يواجهون عدوهم بقوتهم ولكن بقوة الله الذي يجاهدون من أجله. ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: واذكروا الله كثيرا، أي تذكروا وأنتم تقاتلون أن الله معكم بعونه ونصره، فإن لم تستطع أسبابكم أن تأتي بالنصر، فإن خالق الأسباب يستطيع بقدرته أن يأتي بالنصر”.
ويقول رحمه الله كذلك: “كلنا نعلم أن الحق تبارك وتعالى قد وضع في كونه الأسباب، فإذا استنفدنا أسبابنا، اتجهنا إلى خالق الأسباب، ولذلك نجد أن من لا يؤمن بالله إذا خانته الأسباب ينتحر أو ينهار تماما أو يصاب بالجنون، ولكن المؤمن يقول: إذا خانتني الأسباب فمعي رب الأسباب وخالقها، ويأوي إلى ركن شديد “
غزة أرض الثبات
وها هي غزة العزة تأوي إلى ركن شديد، وتعبرعن ذلك الشهيدة هبة بكلماتها الصادقة التي تحمل معاني التعلق بالله تعالى: “يا الله ما لنا غيرك يا الله، هذه أيامك ونحن عبادك وهذه أرضك المباركة أنت المدد منك المدد وفيك المدد لا عرب ولا أحد…”
فما يقع في أرض غزة من قتل وبطش بالنساء والأطفال ومن هدم للبيوت وتخريب للعمران يعتبر بشارة خير بنصر قريب، لأن صدى كل عدوان يرتد على المعتدين فيشل إرادتهم ويفضح إجرامهم ويزيد التصدعات في حصونهم، إلى درجة أن يقتنع الجميع بإجرامهم وتهديدهم للحياة الإنسانية فوق الأرض، ويصبح من المسلمات لدى أحرار العالم، من ذوي الضمائر الإنسانية، أن الصهيونية داء يهدد البشرية والطبيعة على حد سواء.
أكيد أن الجراح ثقيلة، والآلام شديدة، لكن الرجاء عظيم، إنه النصر أوالشهادة، الحرية أوالجنة، يقول تعالى: ولا تهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون، وكان الله عليما حكيما(النساء آية 103).
فما يرجوه الثابتون في الميدان لا يمكن أن يفهمه من سدت في وجوههم أبواب الغيب، فالغاية وجه الله تعالى، ودخول جنته، وها هي الشهيدة هبة، مثلها مثل آلاف الشهداء، تترجم هذا اليقين إلى رغبة صادقة فيما عند الله تعالى، تقول: “في الجنة توجد غزة جديدة بلا حصار تتشكل الآن”. وقبل ارتقائها شهيدة في شهر أكتوبر 2023 كانت، رحمها الله، ترسل دعواتها وتوسلاتها للعلي الجبار بالثبات والصبر والمدد وحفظ غزة، تقول “استودعنا غزة بما فيها ومن فيها لله الحافظ الجبار”، وما صرختها إلا واحدة من آلاف الصرخات التي تعيد صناعة الأمة بإحياء روح الجهاد في أوصالها.
ومجمل القول، إن باب النصر لا يفتح إلا باتخاذ مواقف راسخة على مستوى الجهاد والسلوك والعلم والإعداد، والثبات عليها، مع التوجه لله تعالى بالذكر والدعاء ترقبا لتحقيق وعده سبحانه بنصر المؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ(سورة محمد آية 8).
[2] المباركفوري، صفي الرحمن، الرحيق المختوم، دار الهلال – بيروت، ط 1، ص: 86
[3] ابن هشام، جمال الدين عبد الملك المعافري، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، منشورات شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، سنة 1955، ط 2، ص: 294.
[4] نفسه ص: 320.
[5] المباركفوري، الرحيق المختوم، ص: 110.
[6] ابن حبان، كتاب صحيح ابن حبان، الرقم 385، الموسوعة الحديثية الدرر السنية.
[7] مسلم، كتاب صحيح مسلم، حديث صحيح رقم 1742، الموسوعة الحديثية الدرر السنية.
[8] البخاري، كتاب صحيح البخاري، حديث صحيح رقم 6943، الموسوعة الحديثية الدرر السنية.
[9] الغزالي، محمد، فقه السيرة، دار الكتب الحديثة، سنة 1965، ط 6، ص 110.
[10] مسلم، كتاب صحيح مسلم، حديث صحيح رقم 2676، الموسوعة الحديثية الدرر السنية.
[11] القشيري، عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك، لطائف الإشارات (تفسير القشيري)، تحقيق إبراهيم البسيوني، منشورات الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط 3، ص: 628.
[12] أبو زهرة، محمد، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، ص: 3148.