هل أخاطب أمة المليار أم أخاطب البشرية أم أخاطب نفسي؟ كلنا مسؤولون عن جوع أهل غزة؛ في رقعة صغيرة من العالم يموت خداجها وشيوخها ونساؤها جوعا في عصر الرفاهية والترف المادي وامتلاء حاويات الأزبال ببقايا الطعام، وأمراض العصر الناتجة عن التخمة وامتلاء الجوف، هل فشلت إنسانيتنا على طول وعرض هذا العالم أن تكسر الحصار عن أهل غزة؟ أعلم يقينا أن ثمة من يحترق قلبه لما يحدث ويلتمس كل الأسباب لإنقاذ وإسناد هذا الشعب المضطهد، لكن الجهود تبقى قاصرة عن بلوغ المرمى والغاية المنشودة، وبالتأكيد لا أخاطب في مقالي هذا أصحاب شعار تازة قبل غزة، ولا أخاطب من همه لا يتجاوز حدود انشغالاته اليومية بتفاهات الحياة، ولا أخاطب من وضع يده في يد مجرمي الحرب وشارك في تجويع أهل غزة، ولكن أخاطب نفسي أولا وإنسانية العالم ثانيا، أخاطب ضمائر حية تتألم وتتوجع لوجع من يشاركوننا الإنسانية، كيف نقبل أن يخط التاريخ صمتنا أمام ما يحدث لأمة مستضعفة دون نصرتها، ناهيك عن حجتنا أمام الله تعالى، وهل استفرغنا كل الجهد المطلوب لنمد يد العون بلا هوادة.
أن نقف موقف المتفرج الذي ينتظر نتائج المباراة ومن المنتصر فيها ومن الخاسر، أو أن نختار الحياد السلبي والاستسلام لمجريات الأحداث، هو ما يجعلنا في كفة الغثائية المُتَحكم في مصيرها المفعول بها لا الفاعلة، بل سنكون أدوات مستعبدة لدى الاستكبار العالمي وأدوات للقضاء على بعضنا البعض خدمة لطواغيت العالم.
إن ما يحدث بغزة اليوم ينتظرنا غدا فتنطبق علينا مقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”، هذا إن لم يتصدى كل العالم الإنساني للإجرام الصهيوني وأعوانه؛ بداية ممن يتحكمون برقاب الناس من بني جلدتنا ومن يدعمون هذا العدوان على أمتنا عبر الأقطار الممتدة.
أن ترى طفلا يبكي بكاء مريرا اشتياقا للخبز، ونساء يصيبهن الدوار من شدة الجوع، بل من يلتهم حجارة الأرض المختلطة ببعض الخشاش نتيجة الحرمان من الطعام، لهو الهوان والعار كل العار للبشرية المكتوفة الأيدي أمام ما يحدث. تذكرنا السنة النبوية بحديث نبوي شريف، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عُذِّبت امرأة في هِرَّة سَجَنَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سَقتها، إذ حبستها، ولا هي تَركتْها تأكل مِن خَشَاشِ الأرض» متفق عليه. ويا عجبا كيف كان حساب امرأة بسبب قسوة قلبها وحرمان هرة من حريتها وإطعامها أو تركها تأكل من خشاش الأرض موجبا للعقاب والحساب، فكيف بمن سجن وحرم مئات البشر من حقهم في الحرية والطعام، وأعان على ذلك فعلا أو صمتا ! وبمقابل من جوع فإن الله تعالى يكرم من أكرم، وقد جاء في حديث بروايتين رحم الله فيهما رجلا أو امرأة سقيا عطش كلب فشكر الله لهما فغفر الله لهما، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: “بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئرا فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر”. وفي حديث آخر في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به.
نعم في كل كبد رطبة أجر، فكم من أكباد غادرتنا جوعا وقهرا وما استطعنا لها سبيلا، فهل يتحرك ضمير العالم لإيقاف شرذمة الأشرار عن عدوانهم وظلمهم للمستضعفين، ولنا أمل في ذلك ويقين في نصر الله تعالى.
فاللهم اجعلنا عونا وسندا لإخواننا في فلسطين وفي كل رقعة من هذا العالم، واجعل الغلبة للإنسانية على الأنانية، وادحض الباطل بالحق واجعلنا من أهله.