تعديل مدونة الأسرة أمر لازم كلما كانت الحاجة ماسة إليه
اعتبر الدكتور رشيد العدوني أن أي قانون هو اجتهاد بشري ويبقى قابلا للتعديل والمراجعة، وأن مرور عشرين سنة بعد آخر تعديل لمدونة الأسرة منذ سنة 2004 كافية للمراجعة.
نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح قال، خلال ندوة “الحركة الإسلامية والأسرة المغربية: جدل تعديل مدونة الأسرة ومسؤولية الإصلاح” التي نظمتها مبادرة لافامي وأدارها الدكتور المحجوب لال، إن هذه المراجعة لها ما يبررها واقعيا؛ “ذلك أن تطبيقات المدونة خلال العشرين سنة الماضية أبانت عن اختلالات تطبيقية”، وضرب المثل بالمقتضيات المتعلقة بالطلاق والتطليق، إضافة إلى كون هذه المدة عرفت “وثيقة دستورية جديدة سنة 2011 التي دسترت مؤسسة الأسرة، حيث أصبحت الأسرة لأول مرة مؤسسة دستورية منصوص عليها في الفصل 32، ثم صدرت عدد من القوانين، وحدثت تحولات مجتمعية ثقافية قيمية تستدعي تدخلا تشريعيا من أجل الإصلاح”.
الأمر ذاته ذهب إليه الدكتور عبد الصمد الرضى، عضو اللجنة المكلفة بالنظر في مشروع مدونة الأسرة بجماعة العدل والإحسان، الذي أطر هذه الندوة إلى جانب العدوني بمناسبة النقاش الدائر بخصوص تعديلات مدونة الأسرة من زاوية الحركة الإسلامية والأسرة المغربية، حيث قال إن تعديل مدونة الأسرة “أمر لازم في كل فترة من فترات الزمن ومن دوراته كلما كانت الحاجة ماسة إلى ذلك، فما يتعلق بتغير أحوال الناس وتطور الزمن والتمازج بين القوانين التي تفرضها منظمات دولية أو غيرها يحتاج منا إلى تفاعل إيجابي”، على أن يكون أساس ذلك أن “الأسرة المغربية ذات مرجعية إسلامية مجتمعا، والدستور المغربي ينص على أن الأسرة خلية مجتمعية، وهي الخلية الأساسية القائمة على الزواج الشرعي”. لكن هذا التعديل -وفق المتحدث- لا يجب أن يكون استثناء من قضايا مجتمعية كثيرة تحتاج إلى تعديل؛ التربية والتعليم، مدونة الشغل.. “ولا نريد أن تكون مدونة الأسرة سببا في إثارة فقاعات من الصراع”.
وعدّ أستاذ التعليم العالي أن الحاجة التي قد تقتضي التعديل نوعان: حاجة ذاتية للمجتمع المغربي في تحولاته الثقافية والتربوية.. وخاجة موضوعية تتمثل في علائقه بالمجتمع الدولي الذي يضم مدارس كثيرة، منها ما يروم تفكيك الأسرة والذهاب باستقرارها ودوامها، مؤكدا على ما تنص عليه قوانين الفطرة أن الأسرة تحتاج إلى استدامة واستقرار لبناء مجتمع مستقبلي متماسك.
الحركة الإسلامية قامت بالواجب في التعديلين السابق والحالي
وأوضح الدكتور رشيد العدوني أن الحركة الإسلامية بعمومها، وهي تشمل فاعلين كثر في الساحة المغربية، قاموا بالواجب في المرحلة السابقة (تعديل 2004) ويقومون بواجبهم في هذه المرحلة، مقدرا أن المقارنة بين التفاعل في المرحلتين تستدعي أخذ التحولات بعين الاعتبار؛ أولا المراجعة السابقة كانت خطة حكومية سميت بـ”الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، وكانت صادمة ومستفزة للوجدان الشعبي المغربي المجتمعي، فما كان من القوى الحية في المجتمع بما فيها الحركات الإسلامية والعلماء والدعاة وعموم أبناء الشعب المغربي إلا أن ينتفضوا ضدها..”. السياق الحالي مختلف، يردف الباحث والفاعل المدني، حيث “جاءت المبادرة بخطاب ملكي سنة 2022 كان مؤطرا بقاعدة كبيرة “لن أحل حراما ولن أحرم حلالا””، وبالتالي “فمنطلق المعركة الحالية ليس هو منطلق المعركة السابقة” يرى العدوني.
وثانيا اليوم توجد وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تكن في الفترة السابقة، وهي تجعل الجميع يعبر عن رأيه، ويظهر أن عموم أبناء الشعب المغربي ينخرطون في هذه القضية، وقد عبروا عن مواقف غضب قوية بصيغ مختلفة (الفن والكوميديا والتدوين..).
ثالثا أنه خلال المراجعة السابقة كانت ما تزال الصحوة الإسلامية مؤطَّرة بالحركات الإسلامية، فكان طبيعيا أن تظهر هذه الحركات في قيادة الشارع المغربي، الآن طيف واسع من المجتمع المغربي تملَّك نفَس الدفاع عن المرجعية، فأصبح المغاربة يتحركون إن أحسوا أن مرجعيتهم الدينية وهويتهم يمكن أن تمس. وهذا يحسب لهذه الحركات لأن جهودها ساهمت في تمليك فكرة الدفاع عن المرجعية للشارع المغربي فأصبح هو من يتحرك.
ملتزمون بالاتفاقيات الدولية ما لم تتعارض مع الهوية الوطنية
فيما يخص الامتثال لضغوط خارجية لتعديل مدونة الأسرة جزم عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان أنه “لا يجب أن ننتظر الضغوط الدولية كي ننبري للتعديل، فلدينا حاجات ذاتية، لدينا تطور مجتمعي متقدم. وأعتقد أن الحركة الإسلامية في هذه المرحلة كانت في اللحظة التاريخية المناسبة”، مؤكدا أنه “لسنا ضد أي تعاقدات دولية بشرط ألا تمس الأحكام القطعية من ديننا، ومسألة المرجعية مسألة لا نساوَم عليها، ولا ننتظر أن يعطينا أحد شرف الانتساب إلى الإسلام، فهذا متجذر في النسيج المجتمعي وقد رأينا في وسائل التواصل الاجتماعي كيف عبر الجميع عن ذلك..”.
وأقر الدكتور الرضى أن “هناك اختلالات نتجت عن بعض الفهوم لعلاقة الرجل بالمرأة تراكمت عبر التاريخ، نعتبر المرأة من المستضعفين المتضررين أكثر من النظرة الدونية، ونسعى إلى رفع هذه النظرة عنها”، مؤكدا أن المرأة تحتاج إلى إنصاف، “لكن لا ننتظر إملاءات من جهات معينة، نتفاعل مع كل مقترح، فالعالم الآن صار قرية صغيرة والاجتهادات القانونية والتشريعية متعددة، لكننا لدينا أصول نعتمد عليها، وقد تكون نموذجا لمجتمعات أخرى”.
الدكتور العدوني يرى أنها هناك ضوابط يجب أن تحكم علاقتنا بالاتفاقيات الدولية؛ “أولها الضابط الدستوري، فدستور المملكة واضح في هذا الأمر؛ الاتفاقيات الدولية تسمو لكن بما لا يتعارض مع الثوابت الجامعة، لا يتعارض مع أحكام الدستور، لا يتعارض مع الهوية الوطنية. سواء في ديباجة الدستور، في الفصل 19 الذي يتحدث عن المساواة أو في غيره من الفصول، هذا التقييد ضروري، وإذا كنا نقول إن الدستور هو التعبير الأسمى عن إرادة الأمة المغربية فيجب أن ننضبط له”.
المسألة الثانية بالنسبة للعدوني هو الالتزام بالاتفاقيات الدولية؛ “من الناحية المبدئية الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان لا مشكل لدينا معها، بالعكس نعتقد أن الكثير من هذه الاتفاقيات إيجابية، لكن هناك أمور لا تتناسب مع الهوية ومع المرجعية، لذلك فحتى بمنطق الاتفاقيات الدولية فإن معاهدة 1969، معاهدة فيينا التي تعتبر بمثابة قانون للمعاهدات الدولية، تعطي للدول الحق في التحفظ، لأن هناك خصوصيات”، الحق في الخصوصية الدينية والثقافية هو بدوره حق من الحقوق المتعارف عليها دوليا، يؤكد العدوني؛ “لأن التنوع والاختلاف سنة من سنن الله عز وجل في الخلق، وبمنطق حقوق الإنسان لا يمكن أن نكون ضد الاختلاف والتنوع، ولا يمكن أن نسعى إلى تنميط العالم في نموذج واحد ووحيد هو نموذج الأسرة المادية التعاقدية العلمانية الإباحية الاستهلاكية الفردانية.. هذا نموذج نبت في تربة معينة، في سياق تاريخي معين، وفي سياق حضاري معين، لا يمكن فرض هذا النموذج على الدول التي لها اختلافات وخصوصيات ثقافية ودينية، فمن هذا المنطلق أيضا يجب أن تنضبط علاقتنا بالاتفاقيات الدولية”.
ثم “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون هذه الاتفاقيات الدولية مدخلا لإضعاف السيادة الوطنية ولإضعاف الاستقلال الوطني ولإضعاف القرار الوطني، فنحن كمغاربة لنا اختيار ديني، من حقنا أن نكون مسلمين ولا يمكن المس بإسلاميتنا بمبرر هذه الاتفاقيات الدولية والمنظمات الدولية”.
اللحمة الأسرية برج يجب أن نشتغل عليه لنقدم شيئا للإنسانية جميعا
وفي سياق كلامه حول اتهام الإسلام عموما وذوي المرجعية الإسلامية بتهمة معاداة تحديث المجتمع (من الحداثة) ومنه ما يرتبط بقضايا الأسرة، صرّح الرضى أن هذه تهمة قديمة “فحينما ننظر إلى التطور التاريخي الذي عرفته عموما الاجتهادات الإسلامية في التشريعات وفي تنزيل المقاصد للواقع، نجدها اتجاهات غاية في الأهمية”. وأحال على ما تعيشه هذه الحركات من تضييق قائلا: “الآن الحركة الإسلامية بالمغرب محاصرة ومحاربة، اعطني مساحات كاملة في الحرية والتعبير وسترى ابتكارا”، وشدد أن هذه الحركات لم تكن غائبة عن أي مرحلة من مراحل هذه التحولات، “بل أزعم أن الحركات الإسلامية واجتهادات العلماء المسلمين واجتهادات التجربة الإسلامية في بناء الأسرة سيكون مهما جدا”، مستشهدا بما وقع في ألمانيا حيث “كانت هناك مراسلة لمنظمة اليونسكو لمعرفة العناية بالعجزة، لما وقع عندهم من انفراط لعقد الإحسان الأسري بين الآباء والأبناء، فهم يسألون عن كيفية اهتمام الإسلام بكبار السن، وبلغتنا بالوالدين”، ليخلص إلى أنه “لدينا ما نقدمه ليس للمجتمع المغربي فقط بل للعالم”.
وأضاف أستاذ الاجتهاد والتطورات المعاصرة “أعتقد أن هناك مقتلان في السنن الكونية عند الأمم: الحكم إن فسد والفطرة إن تلوثت”، موضحا أن “المحافظة على الفطرة مرمى استراتيجيا، ليس فقط لأننا ذوو مرجعية إسلامية ولكن لأن غيرنا من غير المسلمين يرى بأن بناء الأسرة على الفطرة السليمة من أب وأم وأبناء، وتوسيع ذلك لتحقيق التراحم الذي يأخذ في المرجعية الإسلامية معنى دنيويا وأخرويا، يمكن أن ينخرط معنا فيه، وكثير من الناس أسلموا لأنهم يرون اللحمة الأسرية والتواصل الأسري والتراحم الأسري، فهذا برج يجب أن نشتغل عليه لنقدم شيئا للإنسانية جميعا”.
لإتمام الحلقة الشيقة نضعها بين يدي القراء الأجلاء: