تهنئة وعبرة ورجاء
17/01/2025
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.
الله أكبر انتصرت غزة، بل نصر الله غزة، وأيدها الله، وتولاها الله، وأخزى الله الصهاينة المعتدين وأشياعهم ومن معهم من المتآمرين.
انتصر أهل غزة في الحرب التي شنها الصهاينة المحتلون عليهم، وليست كأي حرب سبقت، سمعنا بها أو قرأنا عنها في سجلات التاريخ.
انتصرت فئة قليلة، وبرقعة من الأرض صغيرة، بحجم المنديل، محاصرة برا وبحرا وجوا، من الأقارب قبل الأباعد، بقعة منكشفة تماما، وبموقع جغرافي غير مساعد، فلا جبال شاهقة، ولا مرتفعات وعرة، أو أودية ملتوية، تعينها على الاحتماء من غارات المعتدين، وتحرش البغاة والمجرمين، وكأنها تشي بموقعها الجغرافي إلى رغبة صادقة للعيش في سلم وسلام.
انتصرت غزت إذن وهي مجردة من كل الوسائل التي يستعين بها الناس عادة في الشدائد. وكأن الله عز وجل أرادها أن تكون هكذا، مثالا للتجرد من الحول وكل وسائل القوة المادية والطبيعية والأنصار والأعوان، ليصنع بها أعجوبة الزمان، ولتتجلى فيها آيات الرحمان، الواردة في مثل قوله عز وجل: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وفي قوله عز من قائل: وما النصر إلا من عند الله.
انتصرت غزة ومساحتها صغيرة جدا كما ذكرت وناسها قليلو العدد والعدة، لايملكون من أسباب المقاومة إلا إيمانهم بربهم، وتوكلهم عليه، وإرادتهم الصلبة للدفاع عن أرضهم، ومقدسات دينهم، فضلا عن غيرة تأبى الذلة والهوان.
في حين نجد في الضفة الأخرى العدو الصهيوني يزهو بجيشه الذي لايقهر، كما زعموا، ومدجج بأحدث الأسلحة الفتاكة، ومختلف الوسائل التكنولوجية المتطورة، المفترض أن تمكنه من أن يلحق الضرر بعدوه ولا يلحق به، ودعم لامحدود من قبل قوى الاستكبار العالمي، مع الإذن بالقيام بكل شيء، وان كان غاية في الهمجية، من أجل الوصول إلى أهدافه.
وهذا ما قام به جيش الاحتلال فعلا، فغدا بذلك أكثير جيش في العالم وحشية وقذارة ونذالة. ولا شك أنه من خلال ما رأينا سعيد بأن لاينافسه في ذلك منافس. لم يبال بطفل رضيع ولا امرأة حامل ولا شيخ مسن.
يدمر المباني على من فيها وما فيها، والمستشفيات على من فيها من مرضى وأطباء وممرضين، والمدارس كذلك، ويقطع الماء والكهرباء والغذاء عن عامة الناس، ويقتل عن عمد وسبق إصرار الصحفيين ورجال الإطفاء والإغاثة وغيرهم. تعطش غريب إلى التدمير والتنكيل والدماء والأشلاء.
وقد كانت هذه المشاهد تنقل بالمباشر بالصوت والصورة على مرآى ومسمع من العالم أجمع. فهل عجز أن يوقف شرذمة من القتلة منذ أول يوم أو عاشر يوم بعد أن سالت دماء الأبرياء غزيرة، وأوقع دمارا هائلا؟ وقد عجب كل من لديه أخلاق ومروءة وعقل من هذا السقوط الأخلاقي المهول لدى دول طالما تغنت بالحضارة وحقوق الانسان وحقوق المدنيين في الحروب والنزاعات، وحقوق المرأة والطفل وهلم جرا من الشعارات التي تبخرت أو تبين انها ليست للعرب والمسلمين.
لقد تابعنا في جماعة العدل والإحسان، كغيرنا، ما جرى ويجري في فلسطين وغزة تحديدا إلى حدود الساعة. ونريد بهذه المناسبة أن نسجل ما يلي:
1. نهنئ أهل غزة وفلسطين عامة على هذا الانتصار العظيم الذي ساقه الله عز وجل إليهم، بعد أن أبلوا البلاء الحسن، وثبتوا وصمدوا في وجه آلات القتل والدمار الصهيونية.
2. نهنئ الشعب المغربي الذي تجاوب مع إخوانه في غزة منذ البداية، وخرج إلى الساحات والشوارع وامام المساجد وغيرها من الأماكن العمومية في وقفات ومظاهرات ومسيرات منددة بالجرائم الصهيونية، وبتخاذل جل الأنظمة العربية والإسلامية عن نجدة أهل غزة، ولاسيما بمن أعانوا على إخوانهم في السر والعلن، فكانوا بذلك شركاء الدمار والقتل والتجويع والحرمان من الماء والدواء والكهرباء وغير ذلك من صنوف الإجرام الذي تعرض له أهل غزة.
3. ونهنئ كذلك كل الشعوب العربية والإسلامية التي بذلت ما استطاعت لنصرة إخوانهم في غزة، ولولا الحدود الموروثة عن المستعمر والمحروسة من قبل أنظمة الهزيمة، لرأوا منهم ما يسر ويثلج الصدر.
4. ونشكر للأحرار في العالم، وأهل المروءة والضمائر الحية ومحبي العدل والسلام الذين خرجوا في مظاهرات بالملايين في عواصم اروبا وأمريكا وكندا وأستراليا تنديدا بالأعمال الوحشية بحق الفلسطينيين، وقادوا حملات واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي، ونظموا الندوات والمحاضرات، وشاركوا فيما لا يكاد يحصى من الحوارات لفضح همجية الكيان المغتصب المجرم.
5. ندعو أهل الفكر والعلم والرأي والدعوة في عالمنا العربي والإسلامي إلى الالتفاف حول مشروع تحرري، يساهم فيه كل من زاويته وبما يستطيع لصناعة رأي عام يطيح بأنظمة الفساد والاستبداد، ويفتح المجال واسعا لقيام أنظمة تعبر عن إرادة شعوبها، وتتجاوب مع تطلعاتها إلى الحرية والكرامة والعدالة والوحدة والحكم الديمقراطي الرشيد، باعتبار كل ذلك هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين والقدس والأقصى من أيدي الصهاينة الغاصبين.
6. ندعو حكامنا إلى الاعتبار بما حدث في غزة وما جاورها، وأن يوقفوا التطبيع مع الكيان الصهيوني فورا، وأن يلتقطوا الإشارة الكاشفة للوجهة التي تتجه إليها الأحداث المتسارعة، والقيام بما يلزم قبل فوات الأوان. وعليهم أن يدركوا أن برنامج القدر الإلهي يتضمن، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، زوال حكم الفرد، ونهاية زمان القهر وهوان الأمة، وجولة مظفرة للحق وأهله، ونهاية الحلم الصهيوني، وتحرير فلسطين، والظهور على الظلمة والمفسدين. فلا يكونوا على الجهة الخطإ من حركة التاريخ.
7. وختاما ننبه على أن انتصار غزة ليس نهاية للمعركة مع الصهاينة، لكنها خطوة كبيرة تمثل أول الغيث، ثم يكون لها ما بعدها من تدافع ونصر وتمكين للشعوب العربية والإسلامية المستضعفة. ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور عبد الواحد متوكل رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان
الرباط، صباح الجمعة 17/01/2025