قال الله عز وجل: الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات. أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 1 .
غاية المؤمن في هذه الدنيا المليئة بالأشواك والعقبات أن يخرج منها سالما معافى في دينه وأن يلقى ربه بقلب سليم ولا مفر من كل هذه الأشواك والعقبات، إلا باللجوء الى باب الله وطرقه، والبكاء عليه، لعل الحق جل وعلا يكرمنا بكرمه وعطائه سبحانه وتعالى.
يقول الشيخ أحمد الراشد: سجود المحراب، واستغفار الأسحار، ودموع المناجاة: سيماء يحتـكرها المؤمنون) 2 . ويقول الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا: أمامك كل يوم لحظة بالغداة، ولحظة بالعشيّ، ولحظة في السحر، تستطيع أن تسمو فيها كلها بروحك الطهور إلى الملأ، فتظفر بخير الدنيا والآخرة، وأمامك يوم الجمعة وليلتها تستطيع أن تملأ فيها يديك وقلبك وروحك بالفيض الهاطل من رحمة الله على عباده، وأمامك مواسم الطاعات وأيام العبادات وليالي القربات التي وجهك إليها كتابك الكريم ورسولك العظيم، فاحرص على أن تكون فيها من الذاكرين لا من الغافلين، ومن العاملين لا من الخاملين، واغتـنم الوقت، فالوقت كالسيف، ودع التسويف فلا أضر منه) 3 . يقول الشاعر محمد إقبال رحمه الله تعالى 4 :
نـائح والـلـيـل سـاج سادل
يـهجـع الناس ودمـعي هـاطل
تصطلي روحي بحزن وألم
ورد (يا قوم) أنسي في الظلم
أنـا كالـشـمع دمـوعي غـسـلي
في ظلام الـليـل أذكي شعـلي
مـحفـل الناس بـنوري يشـرق
أنـشر النور ونـفسي أحرقما أجملها من أبيات لشاعر الإسلام، تحرك في النفس همة الشوق، لمعانقة الأنوار الإلهية، والتفيئ بضلال العناية الالهية، حيث الشوق طريق للوصول والصدق برهان الطلب، ويقول مصطفى صادق الرافعي: يا لها حكمة أن فرض الله علينا هذه الصلوات بين ساعات وساعات، لتبقى الروح أبداً إما متصلة أو مهيأة لتتصل، ولن يعجز أضعف الناس مع روح الدين أن يملك نفسه أنه متوجه بعدها إلى ربه، فخاف أن يقـف بين يديه مخطئاً أو آثماً، ثم هو إذا ملك نفسه إلى هذه الفريضة ذكر أن بعدها الفريضة الأخرى، وأنها بضع ساعات كذلك، فلا يزال من عزيمة النفس وطهارتها في عمر على صيغة واحدة لا يتبدل ولا يتغير، كأنه بجملته – مهما طال – عمل بضع ساعات) 5 .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن لم يعلم معنى وجود الله والفوز به فَلْيَحْثُ على رأسه الرماد، وليبك على نفسه) 6 . وقال: وهذا أمر لا يصدق به إلا من ذاقه. فإنما يصدقك من أشرق فيه ما أشرق فيك. ولله در القائل:)أيا صاحبي! ما ترى نارهم؟
فقال: تريني ما لا أرى!
سقاك الغرام ولم يسقني
فأبصرت ما لم أكن مبصرا 7 يقول الإمام المجدد الأستاد عبد السلام ياسين ناقلا عن الرفاعي رحمه الله: يتحدث القوم بالنعم اعترافا بنعمة المنعم، وشكرا لها، وحثّاً للناس على العمل لتحصل لهم هذه البركة. قال تعالى:)والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (سورة العنكبوت، الآية: 69). يقول المتحدث بالنعمة: أطلعني ربي على كذا، وعلَّمني كذا، ووهبني من الخير والبركة كذا. ولكن لا يقول: أنا خير منكم! أنا أجلُّ منكم! أنا أشرف منكم! هذه كلمات دعوى، تكون من رعونة النفس، ينطق بها لسان الأحمق. ما الذي شرفني عليك، وخيرني وأجَلَّني!(…). لولا امتثال قوله تعالى:)واشكروا لي ولا تكفرون (سورة البقرة، الآية: 151) لخَاطَ العاقلُ فمه بِمخْيَطٍ!) 8 .
قال شيخ الإسلام ابن القيم في تفصيل الإرادات والهمم: لذّة كل أحد على حسب قدْره وهمته وشرف نفسه. فأشرف الناس نفسا، وأعلاهم همة، وأرفعهم قدرا، من لذّته في معرفة الله، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتودد إليه بما يحبه ويرضاه. فلذته في إقْباله عليه، وعكوف همته عليه ودون ذلك مراتب لا يحصيها إلا الله، حتى تنتهي إلى من لذته في أخس الأشياء من القاذورات والفواحش في كل شيء من الكلام والفعال والأشغَال).