دخلت لبنى تحمل ابنها الذي يبكي بشدة تلقفته أمها غيثة من بين يديها محاولة إسكاته، متسائلة عن سبب هذا البكاء المر، أجابت لبنى:
– في طريقي إليكم التقيت بجارتي فضيلة، فرغب في الذهاب معها، فلم أفلح في أخذه من حضنها إلا بمشقة، ومن تلك اللحظة وهو لا يكف عن البكاء.
– تساءلت الأم غيثة وهي تضع بين يدي الولد لعبة، جعلته يتوقف عن البكاء: أتقصدين جارتك فضيلة التي تكلفت برعايته في سنته الأولى أثناء عملك في القرية المجاورة.
– نعم، هي جارتي فضيله مربيته الثانية.
– تقصدين أمه الثانية، سنة من الاهتمام والرعاية، ليست سهلة، وبراءة الأطفال تجعلهم لا ينسون من اهتم بهم، فتتعلق قلوبهم حبا وحنانا.
– لا أدري ما كنت سأفعل لولا مساعدتها، زوجي في الخارج، وأنت في مدينة أخرى، والقرية لا تتوفر على دور حضانة، ولا يمكن أن أحمله معي إلى العمل، حقا نعم الجارة هي، لن أنسى جميلها هذا ما حييت.
وضعت الأم غيثة الولد الصغير على السرير، بعدما استسلم للنوم، من شدة تعبه من البكاء. وتابعت حديثها مع ابنتها، قائلة:
– الجيران في كل وقت وفي كل زمان، أول المغيثين، وأقرب القريبين، ففي وقت الأزمات خاصة ووقت الشدة، أول من تطرقين بابه جار يقدم لك يد العون، هو خير نرجو أن لا ينقطع، لأنه سبب للتراحم والتواصل ونشر الخير بين الناس.
واصلت الأم الكلام، وهي تضع صينية الشاي المعدة مسبقا على الطاولة، حيث جلست مع ابنتها لاحتسائه:
– لقد ذكرني صنيع جارتك ما عشته مع جاراتي حينما كنت أسكن في المدينة القديمة، كنا مجموعة من الجارات تجتمع دورنا في زقاق، له منفذ واحد، كان قديما له باب يغلق على سكان الحي، فشكل هذا الباب الذي يجمعنا بين أسواره مجمعا سكنيا مغلقا خاصا له حرمة، فلا يدخله الغرباء لأنه منقطع عن باقي الأحياء، فكنا كأسرة واحدة، نتعاون في الأعياد والمناسبات والأفراح، و يساند بعضنا البعض في الأتراح، أتذكر أول يوم رحلت إلى هذا البيت، ولم يكن والدك موجودا، فقد حبسه العمل، فكان أن توفي أخوك الصبي الذي لم يكمل الستة أشهر في الليلة الأولى من استقراري في المنزل، فكان ألم الفراق يختلط بألم الحيرة، ماذا أفعل لوحدي؟ لم يكن هناك هاتف لأتصل بوالدك، فجاء الفرج من الجارات وأزواجهن، تكلفوا بكل الإجراءات، وتم الدفن، وكانت الجارات نعم المواسيات، فكان هذا أول خير أسدينه لي.
تعجبت لبنى من الحادث، فتساءلت:
– لماذا قبلت أن ترحلي دون والدي، وأنت غريبة عن المدينة؟
– لقد كلف والدك أحد العمال معه بمهمة نقل الفرش والأثاث، وانتهى الأمر قبيل الظهر، لم يكن لدينا أثاث كثير، لكن بعد المغرب، تدهورت حالة الصبي المريض، فلم يكد وقت الفجر يقترب حتى أسلم روحه لباريها.
– سبحان الله، امتحان عسير.
– لكن هون علي المصاب التفاف الجارات حولي ومواساتهن لي.
الجيران رحمة لبعضهم في كل زمان قديما وحديثا، فلا غنى عن جار المرحمة.