ضغطت لبنى على جرس الباب، ففتحت الوالدة “لالة غيثة”، التي كانت تنتظرها على وجبة الغداء، كعادتها كل نهاية أسبوع، لم تحضر لبنى ابنها، فكان هذا مدعاة لتساؤل أمها عن السبب، فردت:
– إنه في زيارة عمته صحبة والده، سيلتحقان بعد العصر.
كان يوم الأحد هو اليوم الذي تجتمع فيه لالة غيثة مع أبنائها وأحفادها، لكن هذ المرة، الكل مسافر بمناسبة العطلة الصيفية، ماعدا لبنى فمازالت لم تحصل على عطلتها، ولذلك فأمها ملزمة بأن تبقى معها لأنها تتكلف برعاية حفيدها.
في جلسة الشاي التي عقبت وجبة الغداء، اغتنمت “لالة غيثة” الفرصة، وأخبرت ابنتها بزيارتها لـ”مي مينة” وكيف أنها فرحت بهذا التواصل الذي جاء بعد طول غياب.
أخرجت “لالة غيثة” هاتفها، وطلبت من لبنى أن تتعرف على صورتها وهي صغيرة مع بعض بنات “الحومة القديمة”. تفحصت لبنى الصورة، وتعرفت على كل من فيها من بنات الجيران، وعلقت على ذلك، قائلة:
– لن أنسى هذه الصورة، إنها تؤرخ للاحتفاء بيوم السابع والعشرين من رمضان، كنا جميعنا في ليلة القدر قد زينا أيدينا بالحناء بشكل بسيط، فلم يكن نقش الحناء شائعا، وفي ظهر ذلك اليوم، طلبت منا خالتي سعاد أن نرتدي ملابس العيد، ونتزين بالحلي، لتصحبنا إلى الأستوديو لنأخذ صورة بالمناسبة، فكانت هذه الصورة التي احتفظت بها “مي مينة”، حيث احتفت بنا خالتي سعاد بأن اشترت لنا بعض الهدايا، وجالت بنا في المدينة، وحينما عدنا إلى “الحومة” التقينا مع عمي حفيظ، الذي هنأنا بصيامنا لهذا اليوم المبارك، وأعطانا نقودا “العيدية” تشجيعا على تجربتنا الأولى للصيام، وتقديرا لهذا اليوم الذي جاء بعد ليلة عظيمة هي ليلة القدر.
لقد دأبت الجارات على الاهتمام والرعاية بالأطفال ذكورا وإناثا، فالكل كان يسهم في التربية والتوجيه، رعاية واحتضانا ونصحا.
استمرت لبنى في سرد ذكرياتها مع الجارات، خاصة في جانب سهرهن على تدريب الفتيات أو مصاحبتهن، أو تعليمهن، فقد جعلتها الصورة تشعر بالحنين، فاسترجعت مجموعة من الذكريات الجميلة، فتابعت قائلة بحب وشغف:
– كما اهتمت بنا خالتي سعاد في يوم السابع والعشرين من رمضان، وحرصت على إسعادنا، بحيث لن يمحى هذا اليوم من ذاكرتنا، فاستعدادا لعيد الأضحى كذلك، حينها كانت كل الجارات ينهمكن في أشغال التنظيف والصباغة والتجديد، وقبيل العيد، وفي إحدى الصبحيات، بينما كنا نلعب في “الدرب”، جمعتنا خالتي حكيمة، وكانت جارة جديدة على الحومة، وطلبت منا أن نحضر الأواني الفضية والنحاسية ووسائل التنظيف لجلائها، فنفذنا أمرها، واجتمعنا في البيت الصغير الذي توجد فيه “المَعْدَة” وهي عين صغيرة تسقي منها كل الدور، وهناك يتم غسل الملابس وجلاء الأواني خاصة في المناسبات، فأجرت بيننا مسابقة لمن ستكون أكثر حذاقة، في اللمعان للأواني، فكانت المنافسة على أشدها تحت أنظارها وملاحظاتها، لتختم العملية بوضع مادة بيضاء للتلميع ووضع الأواني كلها على السطح. فكان هذا درسا عمليا وتدريبا لنا، حضرت فيه روح المنافسة والحيوية، فغاب الإحساس بالتعب.
لقد بصمت هذه التجربة أثرها في شخصية لبنى، وكذا كل البنات اللواتي استفدن من خبرة الجارة حكيمة، كما أثرت تجارب أخرى مررتها بعض الجارات للأطفال والطفلات في جوانب متعددة.